نشر موقع وكيليكس، في (20 حزيران 2015)، 60 ألف برقية دبلوماسية يقول إنها مسربة من وثائق المؤسسات الدبلوماسية السعودية، وتعهد الموقع بنشر أكثر من 500 ألف وثيقة.
وأعلنت الأمانة العامة لمجلس الوزراء في 3/تموز/2015، تشكيل فريق فني من جهات دبلوماسية ومخابراتية للوقوف على حقيقة الوثائق التي سربها موقع وكيليكس مؤخراً، وحسنا فعلت والعبرة بالنتائج.
ونتوقف مع ما نشره موقع وكيليكس وبيان الحكومة العراقية، لنناقشه في عنوانين رئيسيين:
الأول: كيف يمكن تصنيف تسريبات وكيليكس من زاوية قانونية؟
الثاني: ما مدى قانونية تحركات الحكومة العراقية بصدد من وردت اسمائهم؟
العنوان الأول: ما هي القيمة القانونية لوثائق وكيليكس، وهل يمكن تحريك دعاوى جزائية اعتماداً على وثائق منشورة على المواقع الالكترونية؟
الشق الأول: ما هي القيمة القانونية لوثائق وكيليكس؟
ان قانون العقوبات العراقي المرقم 111 لعام 1969 وتعديلاته قد أورد نصوص عقابية في الباب الأول والثاني والتي تخص الجرائم الماسة بالأمن الخارجي والداخلي للعراق والتي تعاقب على الأفعال الجرمية التي أتت على ذكرها الوثائق لكن أوامر سلطة الائتلاف المؤقتة قد أوقفت العمل بقسم منها منذ سنوات، ولسنا بصدد ذلك.
لا بد لنا من البحث في القيمة الثبوتية لهذه الوقائع على الصعيد القانوني الجزائي بمعنى آخر ما هي القيمة القانونية لهذه الوثائق وهل تشكل إثباتاً قانونياً يمكن الارتكاز إليه في الإدانة؟ إن إثبات الجريمة يتم عندما يقام الدليل لدى السلطات المختصة بالإجراءات الجزائية على حقيقة قيام الجريمة أو عدم قيامها وبالطرق المشروعة وبيان نسبتها إلى المتهم وشركائه، والإثبات هو صاحب الدور الحاسم في مصير الدعوى الجزائية وهو العصب الرئيس للحكم الجزائي، إذ فيه يكمن السبب الذي يقود القاضي إلى إصدار هذا الحكم بالإدانة أو البراءة.
وفي القضايا الجزائية لم يرسم قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي المرقم 23 لسنة 1971 النافذ، للقاضي طرق الإثبات للوصول إلى الحقيقة ليصدر حكمه خصوصا ما يتعلق بالقرائن، ولم يحصر له قيمة أي من طرق الإثبات، بل ترك للقاضي أن يختار من طرق الإثبات ما يوصل للحقيقة، وله مطلق الحرية في اختيار أي وسيلة ممكنة يطمئن إليها ليكون اقتناعه الذاتي، وهذا ما ذكرته المادة 213/أ من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
القيمة الأولى: وثائق وكيليكس تعد قرائن ضعيفة:
أن قانون أصول المحاكمات الجزائية النافذ لم يتطرق الى مسألة القرائن والأدلة الظرفية، لذا يتوجب البحث في قانون المرافعات المدنية وقانون الاثبات العراقي المرقم 107 لعام 1979 النافذ فـــي هذا المجال لتطبيقه.
فالأثبات بالقرائن نقصد به استنتاج الواقعة المطلوب أثباتها من واقعة أخرى قام عليها دليل اثبات وقد عرفت القرائن بأنها (النتائج التي يستخلصها القانون أو القاضي من واقعة معلومة لمعرفة واقعة مجهولة) والقرائن نوعان: قرائن قانونية وقرائن قضائية (م98 و102 من قانون الاثبات العراقي)، والقرائن لها أهمية في كل نظام إثبات فمثلا إذا اتهم شخص بسرقة منزل ولم يكن هناك شهود لكن يلاحظ على باب المنزل بصمات تثبت أنها له وكذلك تضبط مسروقات بحوزته، فهناك قرينتين على أنه هو الذي ارتكب السرقة.
ويجب التمييز بين القرائن القانونية والقرائن القضائية فالقرينة القانونية تكون اما بسيطة تقبل اثبات العكس أو مطلقة لا تقبل إثبات العكس فالبسيطة مثلا وجود شخص في محل لبيع المجوهرات فهذه قرينة على ارتكابه جريمة سرقة لكنها قرينة تقبل إثبات العكس والمادة (100) من قانون الاثبات نصت على(يجوز نقض القرينة القانونية بالدليل العكسي ما لم ينص القانون على غير ذلك)، أما القرائن القضائية تُعد دليلاً غير مباشر يستلزم أولاً ثبوت بعض الوقائع قضاءاً؛ وهي مرتكزة على الاستنتاج الفكري الذي يقوم به القاضي، القرائن وقد يُخطئ بشأنها القاضي ولا يصيب، في مرتبة متدنية (بين طرق الإثبات) عن مرتبة الكتابة والإقرار.
والوثيقة خبرٌ وشهادة، اذ انها تبوح بالكثير من الاسرار وتكشف المستور عن الكثير من القضايا لكنها تحتاج الى اثباتات، والوقائع التي وردت في تسريبات وكيليكس ينطبق عليها وصف القرائن لاسيما هناك وقائع قابلة لأثبات العكس وقد وردت في غالبية الوثائق المسربة، ولنأخذ مثال: (إيداع مبلغ… في حساب رقمه … باسم النجيفي في بنك في تركيا) ان هذه المعلومة عائمة وغير كافية لوحدها، ولان صحة صدورها غير متحققة والوثيقة مستنسخة غير اصلية، وثانيا تحتاج الى مخاطبات للبنك المودع به المبلغ ليؤكد الإيداع او ينفيه، وأخيرا نحتاج اعتراف المودع اليه المال، هذه الوقائع اذا تعاضدت كونت قرائن وادلة ظرفية يقينية تعد بمرتبة الدليل المادي المباشر، وعندها، تصبح حجة اتهام معتبرة قانونا وبعدها تصلح للإدانة.
القيمة الثانية: وثائق وكليكس يمكن اعتبارها ادلة ظرفية:
ان الكثير من الجرائم لا تثبت فيها التهمة على المتهم بأدلة مباشرة ومادية ولكن القضاة يدينون المتهم بالجرم وفق الأدلة الظرفية، والادلة الظرفية تعنى ان هناك الكثير من القرائن والشهادات والملاحظات والمؤشرات التي تشير بشكل قوى الى ان المتهم مذنب أي أنها ترجح كفة ثبوت التهمة أكثر من نفيها، فليس من الممكن توفر اعترافات شخصية او أدلة مادية ويقينية في كل جريمة، فالكثير من الجرائم لا يترك فيها المجرم وراءه أدلة مادية ملموسة ضده ولكن تكفي لإنزال الحكم على المتهم الأدلة الظرفية إذا تكاثرت وتعاضدت بحيث تجعل القضاة يعتقدون في قرارة أنفسهم أن المتهم مذنب بالفعل، لذا فالأدلة الظرفية، عبارة عن عدد من الحقائق البسيطة التي إن نظرت إلى إحداها بحد ذاتها فقط؛ لا تعني لك شيئاً، ولكن قد يكون في جمعها مع عدة حقائق أخرى تُكون قرينة قوية.
ان ما يحدد مستوى الصدقية في الأدلة الظرفية هو مصدر المعلومات الذي خضع لتحليل أتاح استنتاج الدليل الظرفي، ومنهجية التحليل المعتمدة، وما نراه في وثائق وكليكس قد تكون هناك حقائق بسيطة في بعض الوثائق لكنها غير متجانسة مع اخريات يمكن جمعها وتكوين منها دليل ظرفي اقوى من الدليل المباشر مما يجعل غالبية هذه الوثائق تعد أدلة ظرفية قاصرة وغير ذات قيمة ثبوتية.
والدليل إذا تسرب اليه الاحتمال سقط به الاستدلال.
وهناك مسالة مهمة يمكن على اساسها تقسيم هذه الوثائق إلى قسمين لناحية الإثبات القانوني:
القسم الأول: الوثائق التي لم ينفِ من ذكرت أسماءهم فيها ويعد ذلك إقرار، والأدلة المعتبرة لدى المحاكم هي الاقرار الذي يعدّ سيدها والشهادات العيانية ثم تأتي الأدلة الالكترونية لتعزز ذلك.
القسم الثاني: الوثائق التي نفى من ذكرت أسماؤهم فيها ما ورد على لسانهم تعتبر بدءا بينة خطية يمكن إثباتها بكافة طرق الإثبات لتصبح بينة خطية قاطعة، أي دليل مادي منتج لأثاره القانونية.
حتى الان لا نستطيع ان نعتبر وثائق وكليكس الا قرائن ضعيفة لها قيمة سياسية (توقيتاً ومضموناً) وليس لها قيمة قانونية، وحتى تصبح قرائن لها قيمة مكتسبة إضافية فعالة لا بد من اعتمادها على أدلة تدعمها وتؤكدها وتؤيدها، وتحتاج لكي ترقى الى الدليل الى ان يعترف بها المعنيون بتلك الوثائق اضافة الى وجوب اعلان السلطات المختصة في السعودية صحة صدورها عنها.
الشق الثاني: هل يمكن تحريك دعاوى جزائية اعتماداً على وثائق منشورة على المواقع الالكترونية؟
من المعروف ان وزارة الخارجية السعودية وقبلها الأمريكية لم تنف صحة هذه الوثائق لكنها لم تؤكد مصداقيتها، ورافق ذلك عدم صدور نفي جدي عن الآخرين وإن كان بعضهم قد حاول أن يدلي بتوضيحات ويهرب إلى الأمام بمواقف تذكيرية بالماضي النضالي، أو العروبي أو السيادي، وهناك عدة أسئلة تثار:
هل على القضاء العراقي التحرك وإقامة الدعاوى بحق المتورطين بالتآمر على العراق؟
هل تعتبر هذه الوثائق ادلة مادية ومادة جرمية في تجريم هؤلاء السياسيين بالعمالة لطرف أجنبي؟
هل بإمكان القضاء ان يحقق مع من ورد اسمه في تلك الوثائق ليقدمها الى المحاكمة بتهمة الخيانة العظمى؟
هل بإمكان القضاء العراقي تحريك شكوى جزائية بحق الاشخاص الذين فضحتهم وثائق موقع وكيليكس باعتبارهم هددوا امن واستقرار العراقيين بتطبيق المادة (١٥٦) من قانون العقوبات رقم ١١١ لسنه ١٩٦٩ المعدل والتي تنص على أن: يعاقب بالإعدام كل من ارتكب فعلا بقصد المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة اراضيها وكل فعل من شأنه أن يؤدي الى ذلك”؟
على الرغم من أن الوثائق التي نشرت على موقع وكيليكس خطيرة، إلا أن القضاء لا يتعامل مع هذه الوثائق كأدلة، من الناحية القانونية، كونها من الناحية القضائية لا تشكل حجة اتهام معتد بها يمكن الاستناد اليها او دليل ادانة او اساس لإصدار حكم ما، والقضاء يتعامل مع ادلة ملموسة وليست وثائق مستنسخة أي غير اصلية ومسربة ومنشورة عبر المواقع الالكترونية، بالرغم من ان هناك بعض الوثائق وردت فيها وقائع تعد في قسم منها حقائق، ولو اجتمعت جميعها لأصبحت ادلة ظرفية بمرتبة الأدلة المادية المباشرة وتدل على تورط بعض الاشخاص بالتخابر او التعاون مع دولة اجنبية وهذا يعد خيانة عظمى.
صحة الدليل تعتمد على مشروعية الحصول عليه:
ان المادة (5) من قانون الاثبات العراقي تؤكد التقيد بمبدأ حسن النية في تقديم الأدلة، والدليل الذي يستخلص بأسلوب غير قانوني لا يجوز استخدامه لأدانه المتهم ولكن يجوز الاستعانة به لأثبات البراءة، ووثائق وكليكس اكثرها ذات طابع تجسسي يطغى عليها التجسس وسرقة البيانات وتوظيفها للنيل من الاخرين، وفي النهاية يمتلك من يقوم بالتسريب إمكانية العبث بما لديه من معلومات وتلفيق البعض الآخر ودمج بعض الصحيح بكثير من المزيف، لذلك فالتعامل مع هذه التسريبات ينبغي أن يكون قائما على الحذر والتمهل وعدم الجزم بصحتها، ويجب توفير أكبر قدر ممكن من الأدلة المقنعة ذات المصداقية، لتكون ذات اعتبار قانوني.
وقضاء محكمة التمييز الاتحادية دائما يذهب باتجاه عدم الركون كليا الى الادلة الالكترونية، لان هذه الوسائل من الممكن افتعالها ودبلجتها وتحريفها.
عليه وبحدود ما سبق وصفه، وهديا بما صرحت به السلطة القضائية يوم 7/7/2015، نعتقد:
ان القانون لم ينص صراحة على اعتبار الوثائق المنشورة على الانترنيت والفيديوهات والتسجيلات دليلا، لاسيما ان التقنيات الالكترونية الحديثة والبرامجيات المتطورة يمكنها التلاعب في الوثائق والمستمسكات والصور، ما يتطلب الدقة في اعتمادها، وعلى هذا الاساس فان جميع الوثائق المستنسخة التي تداولتها وتتداولها المواقع الاخبارية الالكترونية لا تعد حجة دامغة ترتقي لإدانة اي متهم بها.
رجوعا الى بيان السلطة القضائية، والذي اسقطت به أي قيمة قانونية للوثائق المسربة، ولم تعطيها أي مرتبة بالإثبات الجزائي او حتى أهمية بالوسط الاجتماعي الذي تأثر بالتسريبات ويريد ان يرى ما هي الإجراءات القانونية المفترض اتخاذها لخطورة الامر، وذلك في رأي يعتبر خطأ غير مقصود، بعكس ما فعلت الحكومة عندما رأت ان الموضوع اخذ حيزا كبيرا من راي الشارع واستفزاز اكبر من الوطنيين، لما تشكله هذه الوثائق ان ثبتت صدقيتها، من تهديد للنظام السياسي والأمني والاقتصادي للعراق، فامرت بتشكيل فريق فني مخابراتي دبلوماسي(ونتمنى الجدية الوطنية) لأجل الوقوف على حقيقة الوثائق، لاسيما؛ ليس من الصحيح ان نسلم بان ما ورد في الوثائق غير صحيح، كونه منشور على مواقع الكترونية وانه مستنسخ وان في قسم منه مزور، لان في ذلك اهدار لمعلومات قد تكون بوابة لجرائم عديدة؛ لذا كان على السلطة القضائية الموقرة ان تشير في بيانها الى ما قامت به الحكومة من تشكيل فريق فني مخابراتي دبلوماسي، وانها بانتظار ما يتوصل اليه الفريق من نتائج؛ وانها على استعداد للتعاون مع الحكومة لأجل الاقتصاص ممن يثبت انهم متورطين في الوقائع التي أوردتها وثائق وكيليكس، من خلال عرضها على محاكم التحقيق المختصة لتأخذ مسارها القانوني المعمول به.
ان عمل القضاء يجب ان يكون مكمل لما سوف يترشح من عمل اللجنة المشكلة من مجلس الوزراء بصدد وثائق وكيليكس واللجنة اذا كانت جادة وليست كسابقاتها ستقرر في توصياتها ما اذا كان هناك جريمة تتطلب أتخاذ الإجراءات القانونية بحق المتورطين في ارتكابها، لان ذلك يشكل وفقاً للقانون قرائن أو بداية أدلة قد تكون ثبوتية وقد تشكل في بعضها جرماً جنائياً، وتصبح حجة اتهام معتبرة وعندها تقوم المحاكم العراقية بالنظر فيها بعد ان تم مراعاة الطرق الرسمية في رفع الدعوى القضائية، ويفترض استدعاء ممن أقروا بما ورد في وكيليكس للتحقيق معهم قضائيا، وفي حال ثبوت ما قاموا به أو ما أسروا به إلى السفارة الاميركية او السعودية وغيرها وذلك يجعلهم عرضة للمحاكمة وإنزال العقوبات وفقاً لما نص عليه قانون العقوبات في المادة 156منه وغيرها.
ولأجل ان يكون عمل القضاء مساعد ومنسجم مع عمل اللجنة التي شكلها مجلس الوزراء بصدد وثائق وكيليكس، هناك ضرورة ان يقوم الادعاء العام بمخاطبة مجلس الوزراء بصدد الإسراع بإكمال عمل اللجنة لان الامر يتعلق بأمن البلد وتهديد للنظام السياسي القائم، وخير من يمثل ذلك جهاز الادعاء العام.
وهناك تساؤل: هل يستطيع القضاء المضي قدما إذا ما رأى ان اللجنة ستكون كسابقاتها بلا نتائج وتخضع للمساومات والتجاذبات السياسية كما حدث في اللجنة السابقة؟ وهل سيبقى القضاء والادعاء العام ينتظر عرض نسخاً اصلية تدين اشخاصاً او جهات بشكل دامغ؟
برأينا وقد نكون مخطئين:
بإمكان القضاء العراقي وبالتعاون مع الأجهزة الأمنية تحريك الشكوى الجزائية بداية من خلال الادعاء العام وهو اطار قانوني معمول به، تقوم محكمة التحقيق بإجراء تحرياتها وتحقيقاتها حتى بدون ان ترسل بطلب المعنيين والى ان تتكون لديها قوام كامل من الأدلة والقرائن ذات المصداقية، لتقوم بعدها باستدعاء من وردت أسمائهم وتحقق معهم من خلال ما توفر لديها من دلائل تستوجب اتخاذ الإجراءات القانونية، وهذا ما يحصل في تحقيقات جهاز المخابرات ومكافحة الإرهاب والامن الوطني، عندما ترد اليهم معلومات عن اتهامات بصدد جرائم خطيرة يقوم ضباط التحقيق في هذه الأجهزة بعرضها على القاضي المختص، فيوعز القاضي بإجراء التحريات والتأكد من المعلومات ومصدرها، وبعدها اذا تأكد للقاضي هناك مؤشرات او دلائل جرمية، وان الشكل القانوني للدعوى القضائية قد اكتمل، يصدر امره باستدعاء المتهم او اصدار امر القبض بحقه وحسب سلطته التقديرية.
ولي استدراكه أخرى على بيان السلطة القضائية الموقرة يوم 7/7/2015 وعسانا مخطئين، وما نصه:
واضاف البيرقدار أن ((القانون العراقي لا يمكنه اعتماد ما نشر من وثائق لموقع ويكيليكس تتعلق بشخصيات سياسية… كدليل اتهام صريح او وثيقة معتد بها او قرينة، لأنها صدرت على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الاخبارية وبوثائق مستنسخة وغير اصلية وبعضها ثبت بالدليل انها مزورة او تم التلاعب بها))وأشار الى ان((التقنيات الالكترونية الحديثة والبرامجيات المتطورة يمكنها التلاعب في المستمسكات او الوثائق، ما يتطلب الدقة في اعتمادها، وعلى هذا الاساس فان جميع الوثائق المستنسخة التي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الاخبارية الالكترونية لا تعد حجة دامغة ترتقي لإدانة اي متهم بها…))
ان المؤسسات الإعلامية والمواقع الالكترونية قادرة على نشر أية معلومات أو توجيه اتهامات لجهات معينة او شخصيات، إلا أن الأهم هو اقتفاء صحة تلك الاتهامات بالأدلة والقرائن، والقضاء عموما، يهتم بالوثائق الالكترونية ويتخذ إجراءاته كاملة؛ إذا اعتمدت الطرق الرسمية في رفع الدعاوى القضائية وعرضت على محاكم التحقيق والادعاء العام لتأخذ اطارها القانوني المعمول به، ولكن يعتبره دليلا ضعيفا (ممكن الاستئناس به)، ما لم يعزز بأدلة أخرى، فإذا تزامن المنشور الالكتروني مع أدلة ثانية فبهذه الحالة ممكن الأخذ به، خاصة اذا تعلق بجريمة جنائية او إرهابية، لكن هناك مفوضية نزاهة وأجهزة تحقيقية اخرى تأخذ ما يرد اليها من اخبارات عن طريق الانترنيت وتقوم بالتحقيق به وقد يكون ذات مصداقية(نادرا) وقد يكون مفبرك(غالبا)، ويتم اصدار أوامر قبض وبعدها مداهمات ليلية، ويتبين بعدها ان الاخبارات كانت غير صحيحة وكثير من تلك الشواهد ماثلة في الساحة القضائية، وان تصريح السلطة القضائية بان ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي غير معتد به؛ هذا يعيدنا الى القرار التمييزي الذي صدر قبل فترة والذي اعتبر مواقع التواصل الاجتماعي من المواقع المعتد بها قانونا؛ اليس الامر في ذلك تناقض واضح وكبير ويحتاج الى تصحيح؟ وتعزيزا لذلك، انا كاتب المقال قد تم التحقيق معي بأمر من رئاسة مجلس القضاء الأعلى وحقق معي السيد رئيس محكمة التحقيق المركزية في وقتها(قاضي تمييز حاليا) بسبب منشور مفبرك على الانترنيت تم ارساله لمجلس القضاء الأعلى، وتبين بعدها عدم صدقيته، وكتبت قبل فترة في مقال، عن اتهام لاحد المحامين بسبب منشور على الفيس بوك(منشور به صورة للمحامي بانه داعشي) وتم اعتقاله(العهدة على الراوي)، فالعدالة واحدة وليست انتقائية.
اننا أشرنا لتصرفات وممارسات فردية نتمنى التوقف عندها ومعالجتها.
وسنكمل في الجزء الاخير من مقالنا، العنوان الثاني المتعلق بمدى قانونية تحرك الحكومة بصدد تسريبات وكيليكس.