19 ديسمبر، 2024 12:54 ص

القيمة القانونية لوثائق وكيليكس بين القضاء وفريق الحكومة الفني/2

القيمة القانونية لوثائق وكيليكس بين القضاء وفريق الحكومة الفني/2

نكمل ما جاء بمقالنا السابق:
ولأجل تقييم الوثائق من حيث هيئتها وشكليتها ومضمونها لتكوين رؤية متماسكة يمكن اعتمادها، سنعمل على تقييم هذه الوثائق من الناحية الموضوعية ومن الناحية الشكلية:
من الناحية الشكلية:
ألف: الوثائق في قسم كبير منها لم تكن دامغة لخلل في الشكل من حيث الخط والفورمة واختلاف لون الصفحة أكثر من لون، وحملت تواريخ قريبة، أشارت في غالبها الى العراق والسعودية ومصر.
باء: الوثائق لا قيمة لها من الناحية القانونية لعدم توافرها على ارقام او تواريخ تمنحها الصفة الرسمية.
جيم: بعضها تبدو وثائق مزورة لا تستند الى اشكال الوثيقة ومدى مطابقتها لمعايير الوثائق المتعارف عليه.
دال: يجب مناقشة مشروعية التسريبات من عدمها حيث إنها عملية تعتمد على الية التجسس والاستحواذ غير المشروع على المعلومات والبيانات وتوظيفها، لذا إمكانية تحريفها وحتى تزويرها واردة جدا، فينبغي عدم التعجل في نفي محتواها أو تبريره.
من الناحية الموضوعية (مضمونها): هناك قواسم رئيسية تكتسي هذه الوثائق:
في البدء هذه الوثائق هي مرسلات صادرة عن السفارات واغلبها عن السفير نفسه او من ينوبه او ديوانه، فالسفارات عموما تقوم بقراءة الوضع المنظور وكتابة التقارير حول هذا الوضع وإعطاء اراء، فالوثائق المسربة تشترك في خمسة قواسم رئيسية ولا أحسبني ازيد:
القاسم الأول: وثائق ذات طابع مدني تتضمن تقييما من طرف الدبلوماسيين الذين ليس لديهم تكوين مخابراتي او عسكري ويغلب عليها الانطباع والراي الشخصي، وليست وثائق صادرة عن ملحقين استخباريين وعسكريين، فكل الوثائق مصدرها الدبلوماسيين ولا تحمل أي توقيع، لجهاز مخابراتي او عسكري.  
 القاسم الثاني: مع افتراض أن الوثائق صحيحة وسرية، ومع الأخذ بعين الاعتبار بان غالبية الوثائق هي تقارير ومراسلات لدبلوماسيين تتحدث عما سمعوه أو عن وجهات نظرهم في القضايا المطروحة وقسم منها مذكرات داخلية او انطباعات شخصية أو تحليلات سياسية لأوضاع الدول التي توجد فيها السفارات السعودية، وبالتالي لا تعبر عن مواقف رسمية مؤكدة، وبالنتيجة يغلب عليها، جمع اراء الاخرين او طرح مقترحات او توصيات للنظر بطلبات عدد من الشخصيات العراقية التي تبحث عن دعم خارجي لأسباب تتعلق بتمويل عملها السياسي او الحصول على المال طمعاً بالغنى، ولا تتضمن الكشف عن أي اسرار حساسة للعراق، وعليه فالكشف عنها يعتبر جريمة جنائية عادية ان ثبتت، مقارنة بجريمة التعاون مع القوات الغازية لاحتلال العراق وتدميره من خلال الكشف عن وثائق واسرار عسكرية ومخابراتية.
 كما أنها معلومات تعبر عن حقيقة السياسة الدولية، فهي ليست غريبة عن المُلم بالسياسة الدولية ولكنها قد تثير عجب من يتعامل مع السياسة كعالم من المثل والقيم الأخلاقية
القاسم الثالث: اي انها ليست من الاسرار الخطيرة للدولة، بل ان بعض الوثائق تنطوي على قدر كبير من السذاجة والسطحية، فالكثير منها لا يتعدى كونه مجرد نميمة إعلامية سمجة، او حتى دعاية سياسية.
القاسم الرابع: جميع المعطيات الواردة في هذه الوثائق معروفة لدى المتتبعين والصحافيين بالخصوص، فأهمية الوثائق تتجلى في انها تؤشر رسميا على هذه الاخبار وتجعلها وقائع مبسوطة مكتوبة.
القاسم الخامس: إن ما ورد في قسم من الوثائق من محاضر غير صحيح، إما بسبب كذب قائله أو تحريف ناقله، فرضية يمكن الأخذ بها، وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى انهيار القيمة الإخبارية لوثائق ويكيليكس كلها.    
العنوان الثاني: مدى قانونية بيان الحكومة العراقية وتحركاتها بصدد من وردت أسمائهم.
تدخل الحكومة في تحد حقيقي لإثبات قدرتها على تطبيق القانون على الرؤوس الكبيرة الواردة اسمائها في الوثائق المسربة التي نشرها موقع وكيليكس، وتشكل حرجاً كبيراً للحكومة في كيفية التعامل مع هذا الملف الحساس بكافة مراحله السابقة واللاحقة، ما حدا بها أن تكون بين نارين الأول تطبيقها للقانون لفرض هيبة الدولة، والآخر سعيها الحثيث لإرضاء جميع الأطراف خوفا من إن تفتح على نفسها أبواب جهنم كونها تعاني من أزمة مالية خانقة، إضافة إلى أنها تواجه حربا ضد الإرهاب.
ان ما قامت به السفارة السعودية (على فرض صحة الوثائق) أمر عادي إن لم يكن روتينياً فهل هناك سفارة لا تقوم بكتابة التقارير عن مختلف النشاطات والتطورات في البلد الذي توجد فيه؟ ألا يكتب الدبلوماسيون لوزارات الخارجية في بلادهم يومياً عشرات المذكرات حول بعض الأشخاص بمن فيهم دبلوماسيون آخرون؟ أليس التجسس هو من بديهيات العمل الدبلوماسي، حتى وإن اكتسى هذا الفعل رداء دبلوماسياً؟ أليس الدبلوماسي هو مصدر سري دائمي لبلده؟ أليست السفارات مليئة بعناصر جهاز المخابرات؟
كل الدول تتصرف مع بعضها البعض بنفس الطريقة التي قدمها لنا الموقع على أنها ” سر خطير “؟
وهناك ضرورة بعدم إعطاء شهادة تزكية للمواقع التي تنشر أي وثائق إلا بعد أن تأخذ الوثيقة مسارها القضائي والقانوني، ولا توجد هناك وسيلة حتى الآن للتحقق من صحة الوثائق التي يطلقها موقع وكيليكس.
إن افراج موقع وكيليكس عن نحو نصف مليون وثيقة في حوزته، حصل عليها في عملية اختراق، لاشك أنه يؤذي ويُحرج أطرافاً كثيرة، من خلال اتهامات تخص سياسيين واعلاميين عراقيين، من السلطة وخارجها، ممن تعاملوا مع السعودية، او تعاملت هي معهم، ومن المعلوم ان المملكة السعودية تعاملت مع معظم اطراف بالمعارضة العراقية ومن كل التيارات، واحتضنتهم ورعتهم لفترات طويلة وهي حقائق لم تعد خافية على أحد فضلا عن ان السعودية احتضنت حوالي 5000 لاجئ عراقي معارضين هربوا بعد فشل احداث الانتفاضة الشعبانية 1991 وبقوا في معسكرات رفحا لغاية 2003.
نعتقد بداية أن المهم في قضية موقع وكيليكس والوثائق السرية التي نشرها تكمن في قدرة الموقع على الوصول لهذه الوثائق ونشرها للعموم، وفي هذا السياق نحن أمام ثلاثة احتمالات:
الاحتمال الأول: واهم من يظن أن موقع وكيليكس في حقيقته موقع (شخصي) لشخص هرب من الملاحقات وأتجه لجهة مجهولة في بقاع الأرض، فالموقع هو موقع تابع لوكالة المخابرات الأميركية تستطيع من خلاله جس نبض الرأي العام وإسقاط ورفع شأن من تريد، بطريقة لا تجعل الرأي العام ضدها، وهي من تزود الموقع بكل الوثائق بطريقة التجسس عن طريق الأقمار وغيرها، والدول الغربية لم تتناقل مسالة وثائق وكيليكس وقللت من شانها مما يجعلنا نشك بجميع الوثائق، هشة المصداقية قابلة للتزوير.
الاحتمال الثاني: هناك امر مهم يعزز من فرص عدم صحة هذه الوثائق، وهي ان صاحب وثائق وكيليكس جوليان اسانج كان في السجن الى نهاية 2012، فكيف تسنى له الحصول على وثائق واسرار حصلت خلال السنتين الأخيرتين مثلا؟  وهو مقيما ومنذ قرابة ال3 سنوات في مقر السفارة الأكوادورية في لندن بعد لجوئه لها اثر قضية أُثيرت ضده في السويد وهي قضية تحرش، ومؤخرا طلب اللجوء من فرنسا وتم رفض طلبه.
لا يمكن أن نقتنع بإن التكنولوجيا الأمريكية غير قادرة على منع موقع أنترنت من نشر الوثائق وهي تملك مركز الشبكة العنكبوتية العالمية وتقنيتها وسر الأنترنت والقوة الكافية لإنهاء هذه المهزلة.
الاحتمال الثالث: سبق للموقع وان نشر اربعمائة الف وثيقة في عهد حكومة السيد المالكي  حيث تضمنت الوثائق دلالات واتهامات على تورط العديد من قيادات الأحزاب والميليشيات في أعمال التصفيات والتعذيب والقتل والتخريب، موجهة اتهاماً مباشراً لرئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي بـالتورط في إدارة فرق القتل والتعذيب، كما كشف عن دور كبير تلعبه إيران في تسليح الميليشيات كجزء من حرب خفية مع الولايات المتحدة الأميركية على أرض العراق، وحاول السيد المالكي صرف النظر عن الوثائق المنشورة واعتبرها (وثائق وكيليكس انتقائية وألاعيب وفقاعات إعلامية وتوقيتها يثير علامات استفهام، أن الوثائق المنشورة “ضعيفة القرائن لأنها لم تستطع أن تقدم دليلا واحدا عن سلوك غير وطني قامت به الحكومة العراقية).
 بعد ثلاثة ايام من نشر الوثائق وافق مجلس الامن الوطني العراقي على انشاء لجنة تشترك فيها الحكومة لفحص الادلة الخاصة بالتعذيب المستمر والاغتيالات من قبل كافة الاجهزة الأمنية الحكومية.
اين اعمال تلك اللجنة التي لم نسمع بنتائج تحقيقاتها، وماهية توصياتها وما هي أسماء المتورطين، وهل تم احالتهم الى القضاء كونهم متهمين؟
قد تتخذ الدولة العراقية اجراءات بحق كلا من وردت اسمائهم وتثبت ادانتهم وهذا ما تريده اميركا اولاً،  ويتم اتخاذ الاجراءات القانونية المطلوبة بحقهم، حينها سوف تظهر الوجبة الثانية من الأسماء، وهذه الأسماء لساسة وقادة كتل وبرلمانيين يتعاملون مع إيران وبنفس طريقة التعامل مع السعودية، حينها لا نعرف ماذا سيفعل قادة العراق الذين اتخذوا اجراءات ضد الوجبة الأولى من الأسماء لأن الوجبة الثانية ستكون من الذين طبلوا وصرخوا وصرحوا بضرورة محاسبة أسماء الوجبة الأولى، ومنهم على سبيل المثال السادة(موفق الربيعي، عدنان الاسدي، شيروان الوائلي) وأسماء كثيرة تحاول الآن اعتبار الأسماء التي ظهرت، ارتكبت الخيانة العظمى والعمالة والتخابر وهم بهذه الحالة هم صادقون، والمهم قطعا، ماهو موقف القادة ورؤساء الكتل الذين ستظهر اسماءهم في الوجبة القادمة وما موقف الدولة العراقية من الذي وبنفس الجرم (التخابر المدفوع الثمن والعمالة) ممن تعاونوا مع المحتل على تدمير العراق.
ان اغلب قيادات النظام السياسي المتبع في العراق منذ عام 2003 حتى الان متهمة بجريمة (التخابر والعمالة) للآخر، ولكل طرف سند اقليمي او دولي يقف الى جانبه، فالتخابر مع السعودية لا يقل خطورة عن التخابر مع إيران ومع إسرائيل ومع أمريكا قبل الاحتلال او بعده الغالبية ضالعة في اتون العمالة ((ولو قرائنا كتاب بول بريمر واردنا ان نصدق ما ورد فيه فانه وحده (وثيقة دامغة صادرة من مسؤول رسمي)، يعادل ما ورد في موقع ويكليكس بعشرات المرات)).
 والاخطر من هذا كله ان العميل أصبح وطني ومناضل من وجهة نظر النظام السياسي الحالي، حتى لو ادخل معه الجيوش والمرتزقة الى بلده للاحتراب على ارضه، وسنجد هناك صعوبة للعثور على (هوية وطنية صافية) من بين المنتمين للمنظومة السياسية الحالية، بل ان البعض (يتفاخر) بأنه رهن ارادة بلده لهذه الدولة الاقليمية او تلك، بل ان الدولة العراقية أوقفت العمل بمواد عديدة من قانون العقوبات العراقي المرقم 111 لسنة 1969 وتعديلاته والواردة ضمن الباب الأول والثاني والمتعلقة ب(الجرائم التي تمس الامن الخارجي والداخلي) لأجل حماية من تطالهم نصوص هذه المواد العقابية وغالبا ما تكون عقوباتها قاسية وتصل في اكثرها للإعدام.
 وأخيرا: هناك تساؤل يطل برأسه وحسب ما طرحه السيد حيدر الملا: لماذا يطلق على من يتعامل مع دول عربية وهي معقل هويته وانتمائه على انه (عميل) ولا يطلق على الدولة المناظرة لها نفس التهمة، بل ان الدولة الاخرى تتدخل في كل صغيرة وكبيرة ويسرح ويمرح أتباعها في بلدنا وكأنهم هم أهل البيت، والعراقيون هم ضيوفه، ولا تثار(ضجة) عن (عمالة) الكثيرين لها وارتمائهم في أحضانها!!