18 ديسمبر، 2024 8:44 م

القيمة القانونية لتصريح وزير خارجية العراق حول إسرائيل

القيمة القانونية لتصريح وزير خارجية العراق حول إسرائيل

تمهيد
أثار تصريح وزير خارجية العراق (وليس العراقي) موجه إستنكار واسعة على صعيد الحكومة وقادة الأحزاب السياسية وفي الشارع العراقي ووسائل التواصل الاجتماعي، حول أثر هذا التصريح وقيمته القانونية، وهل هو إعتراف بإسرائيل من عدمه، أو هو مجرد رأي شخصي للوزير، عبّر في عن إنطباعاته الشخصية التي يسمعها من زملاءه سواء من العرب وخاصة من الدبلوماسيين الفلسطينيين، أو من مستشاريه من العراقيين، إن وجدوا، في ظل طبيعة إدارية لا قيمة لرأي المستشار فيها لدى المسؤول العراقي الذي يرى نفسه جامعا مانعا لكل العلوم.
وإزاء إنقسام الشارع العراقي بين مؤيد للتطبيع مع إسرائيل وبين معارض لذلك، يبقى السؤال الأهم: هل يُعد ما قاله الوزير إعترافاً بإسرائيل كدولة؟ وبالتالي، ما هي القيمة القانونية لهذا التصريح؟ وهل هو تصريح ملزم للعراق؟
أولا. ماهيّة التصريح وتداعياته
بتاريخ 2/1/2019 صرح وزير خارجية العراق محمد علي الحكيم في ندوة حوارية مع صحافيين عراقيين في بغداد، قائلا: –
” بالنسبة لنا القضية الفلسطينية تبقى قضية محورية بالنسبة لنا، إحنا (نحن) قضية حل الدولتين مؤمنين فيها …”.

ويأتي هذا الجزء من ضمن مجموعة تصريحات كثيرة أدلى بها الوزير المذكور دون حساب للعواقب في ظل منظومة متهرئة عطّلت القانون وألغت المحاسبة. ففي هذا التصريح تحدث وزير الخارجية بشهية مفتوحة بعدة مواضيع كثيرة وشائكة دون تمحيص أو تدقيق. فقد تحدث بالمواضيع التالية: –
زيارة الرئيس الأميركي ترامب للعراق.
زيارة وزير الخارجية الأميركي بومبيو ووزيري خارجية فرنسا وإيران للعراق هذا الشهر.
زيارة الرئيس العراقي برهم صالح لتركيا اليوم.
القمة العربية الاقتصادية المرتقبة في بيروت التي ستعقد في الأسبوع الأخير من الشهر الحالي، ووفد العراق اليها.
موضوع منع العراقيين ممن على جوازات سفرهم أختام (طمغة أو جواز مطموغ بحسب لغة الوزير) سورية أو إيرانية من دخول الأردن ودول خليجية وأوروبية.
الملف الفلسطيني، مشدداً على أنّ “العراق يؤمن بحل الدولتين”.
مجلس التعاون الخليجي، وتحسين العلاقات مع الدول الخليجية.
فكرة لإصلاح الجامعة العربية، نواتها برنامج) إصلاح الأمم المتحدة.
تقدّم العراق بطلب للانضمام إلى مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.
تأييد العراق لـ”اجتماع إستوكهولم لإنهاء الأزمة اليمنية.
الأمن في سورية ووحدتها … ودعم عودة سورية للجامعة العربية.
العقوبات الأميركية على إيران، وأنّ “العراق غير ملزم بتطبيقها.
مساعدة دول الاتحاد الأوروبي والناتو (حلف شمال الأطلسي) في التحالف الدولي وعمليات الإعمار وتدريب القوات العراقية.
والتعهّد بتنفيذ مخرجات مؤتمر الدول المانحة في الكويت، الذي انعقد في فبراير/شباط 2018.
وأخيراً، العراق سيكون نقطة انطلاق قوية في المنطقة، وموقفه سيكون جامعاً للعرب.
إن أي مطّلع على شؤون السياسة والدبلوماسية سيجد أن الحديث في كل هذه المواضيع الحساسة والمثيرة للجدل، إنما ينطوي على مخاطر عديدة لا ينجو منها إلا الدبلوماسيون المحترفون ومن ذوي الإختصاص وليس الطارئون على حقل السياسة الخارجية، لا سيما وأن إختصاص الوزير بحسب سيرته الذاتية المنشور على موقع وزارة الخارجية تشير إلى أن إختصاصاته هي، الإدارة الهندسية، العلوم والتكنولوجيا، التربية والإحصاء، وهي جميعها إختصاصات بعيدة عن السياسة الخارجية. على الرغم من أن سيرته تشير على إنجازاته في مجال التعليم الأكاديمي، من بينها “الإشراف على مشاريع أبحاث يعدها دبلوماسيون لدرجة مستشار ووزير مفوض.”
والأدهى من ذلك، أن الوزير وهو في نشوة سكرة المنصب الجديد يصرح كعادته بأسرار خطيرة تمس الأمن القومي، لم يصرح بها رئيس الوزراء نفسه، مثل إن ترامب لم يمنح رئيس الوزراء أكثر من عشر دقائق للقاء، بينما كانت تصريحات رئيس الوزراء ذاته مختلفة تماما ولم تتضمن مثل هذه التفصيلة التي تمس سيادة الدولة وكرامة مسؤوليها رغم صغرها. ولوكان الوزير المذكور دبلوماسيا محترفا لإستعاض عن كل ذلك بعبارة: (أن ضيق وقت زيارة الرئيس الأميركي لم يعط الفرصة للقاء المسؤولين العراقيين). وكذلك، كشف الوزير عن زيارة وزير الخارجية الأميركي جورج بومبيو للعراق هذا الشهر، في الوقت الذي لم تشر مصادر وزارة الخارجية الأميركية أن العراق من ضمن الدول التي سيزورها الوزير الأميركي بعد.
ردود الأفعال
أثار تصريح الوزير المذكور ردود أفعال كثيرة من جانب الكتل والأحزاب السياسية وبعض الميليشيات والفصائل المسلحة، وضجة كبيرة على منصات التواصل الاجتماعي، والشارع العراقي، أبرزها: –
نائب يعتزم جمع تواقيع لاستجواب وزير الخارجية “إن صحت” تصريحاته بشأن الاعتراف بإسرائيل، جاء فيه: ” يعتزم النائب وجيه عباس جمع تواقيع من اجل استجواب وزير الخارجية داخل البرلمان في حال ثبت صحة تصريحاته الاخيرة بشأن “الاعتراف” بدولة اسرائيل.
وقال عباس في بيان تلقت، السومرية نيوز، نسخة منه، اليوم الخميس، إن “تصريحا خطيرا من قبل وزير الخارجية نقف ضده كمجلس نواب عراقي، العراق ليس مرابيا او مقاولا ليعترف بوجود دولتين في فلسطين حتى لو رغب الفلسطينيون بذلك”.
عزت الشابندر يبدي إستغرابه لموقف وزير الخارجية محمد علي الحكيم حول القضية الفلسطينية، تم نشره في 04‏/01‏/2019 جاء فيه: ” أبدى السياسي المستقلُ عزت الشابندر إستغرابَه لموقفِ وزيرِ الخارجية محمد علي الحكيم على خلفيةِ تصريح ِالاخير بتأييدِ العراق مشروعِ حلِ الدولتين الاسرائيلية والفلسطينية.
الشابندر في تغريدة له قال ان السيد وزيرَ الخارجية يصرحُ أنّ العراق يؤيدُ مشروعَ حلّ ِالدولتين الإسرائيليةِ و الفلسطينةِ والذي يعني ضمناً الإعترافَ بدولةِ الكيان الصهيوني، موجها تساؤلاً لرئيسِ الوزراء وكتلة الإصلاح التي دعمت تسلمَ الحكيم لحقيبةِ الخارجية حول مدى تطابقِ كلامهِ مع الموقفِ العراقي بشأنِ هذه القضية.”
كتلة نيابية تتهم وزير الخارجية العراقي بالإعتراف بإسرائيل، نشر في 2019-01-03، جاء فيه: ” أعرب رئيس كتلة النهج الوطني النيابية عمار طعمة، الخميس، بما سماه “إعتراف وزارة الخارجية بإسرائيل”، مؤكدا أنه لا مبرر لمنح مواقف مجانية لانظمة غاصبة لاراضي المسلمين والعرب، حسب تعبيره.
وذكر طعمة في بيان صحفي له اليوم 3 كانون الثاني 2019 “نستغرب من وزير الخارجية العراقي وإعلانه الترحيب ضمنا والاعتراف بدولة للكيان الصهيوني الغاصب متجاوزا بذلك الأُطر والسياقات الدستورية والقانونية في اتخاذ مواقف مهمة تتعلق بقضية أساسية في وجدان العراقيين خصوصا والعرب والمسلمين عموما”.
وأضاف أننا “لانرى اي مبرر لمنح مواقف مجانية لانظمة غاصبة لاراضي المسلمين والعرب تمهد للاعتراف والقبول بنظام عنصري ظالم اقترنته ممارساته ومواقفه بالقمع والاضطهاد وارتكاب المجازر الدموية بحق الشعب الفلسطيني الشقيق” .
وطالب، رئيس الوزراء بتنبيه وزير الخارجية وإلزامه بعدم التعبير عن مواقف تقوي أنظمة عنصرية ظالمة وغاصبة خصوصا وان مثل هذه المواقف لابد من الرجوع فيها الى مجلس الوزراء والبرلمان ولايجتهد فيها بهذه الطريقة الاعلامية دون حساب الأثار والنتائج التي يمكن ان ينتفع منها كيان غاصب وظالم ومنتهك لحقوق الشعوب وكرامتها.
وكان وزير الخارجية العراقي محمد علي الحكيم قد ذكر في جلسة حوارية مع عدد من الاعلاميين أمس الاربعاء أن “العراق يؤمن بحل الدولتين لإنهاء الأزمة الفلسطينية مع إسرائيل”.”
كتائب حزب الله تصدر بيانا بشأن تصريحات وزير الخارجية العراقي بخصوص حل الدولتين لإنهاء ازمة فلسطين، نشر في 4/12/2019، جاء فيه: ” بسم الله الرحمن الرحيم
“لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ” صدق الله العلي العظيم
لم تزل قضية فلسطين حاضرة في وجدان الشعب العراقي طيلة سنوات الصراع مع الكيان الصهيوني
الغاصب، بل كان العراق في مقدمة الداعمين لنضال شعبها الأبي في طريق تحرير أرضه ومقدساته.
وعلى الرغم من محاولات التسوية والتمييع وحملات الذل والتطبيع التي تبناها العملاء والخونة، تفريطا بقضية فلسطين وإرضاءً للاستكبار العالمي، إلا أن شعبنا العراقي بقي على موقفه المبدئي الرافض لهذه المخططات، مساندا لأشقائه الفلسطينيين في مقاومتهم وصمودهم بوجه الاحتلال.
إننا نؤمن بأن الحل الوحيد لقضية فلسطين هو درب المقاومة حتى تحريرها واستئصال الغدة السرطانية منها.
‏والآن وبعد أن تمكن محور المقاومة الذي يمثل إرادة الشعوب العربية والإسلامية، من إفشال جميع المخططات الرامية إلى تدمير المنطقة وإضعافها، خدمة لأمن الكيان وضمان تفوقه، وبعد أن أصبح الصهاينة في أضعف حالاتهم، وباتوا يعيشون مأزقا وجوديا سيؤدي بهم إلى الزوال إن عاجلا أو آجلا، يخرج علينا وزير الخارجية العراقي متبنياً طروحات لا تنتمي لواقع العراق الذي من المفترض أنه يمثله، بل تعترف بالكيان الغاصب، ضاربا بإرادة وثقافة ومبادئ الشعب العراقي عرض الجدار، متماهيا مع ما يطرحه الأعراب والعملاء.
‏ولذا ترى المقاومة الاسلامية – كتائب حزب الله إن من الواجب على الحكومة العراقية تصحيح هذا الموقف الشاذ، وإلزام هذا الوزير بتقديم الاعتذار للشعب العراقي المجاهد الذي قدم دماء زكية، وبفضلها نُصَّب وزيرا ليدافع عن الحقوق والمبادئ، “فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ”.

معالجات وزارة الخارجية
سارعت وزارة الخارجية بعد الأزمة السياسية التي خلفّتها تصريحات الوزير الجديد، إلى توضيح الموقف. والمضحك في الأمر، أن وزرارة الخارجية قد دعت في تصريح صحفي لها بتاريخ 4/1/2019 في أزمة شخصية خلقها ذات الوزير مع الوزير السابق، دعت السلطة الرابعة إلى توخي الدقة فيما يصدر من تصريحات من وزارة الخارجيَّة. ويبدو أن الوزير قد أستعاض عن المتحدث الرسمي للوزارة بالمكتب الإعلامي لوزارة الخارجية العراقية. فأصدر المكتب المذكور بتاريخ 3/12/2019 بياناً جاء فيه:
” تؤكد وزارة الخارجية موقف العراق التاريخي، والمبدئي من القضية الفلسطينية في دعم حقوق الشعب الفلسطيني في تحرير الأرض والإنسان وإقامة دولة مستقِلة وعاصمتها القدس، كما يدعم العراق مبادرات السلام العربية، والدولية، ومنها مبادرة السلام العربية التي سبق أن طرحت في قمة بيروت ٢٠٠٢، وأصبحت بنداً دائماً على جدول أعمال القمم العربية اللاحقة.”
وعلى الرغم من أن بيان المكتب الإعلامي قد جاء مقتضبا ومكررا موقف العراق السابق، ومناقضا لتصريح الوزير. إلا إنه تضمّن خللا كبيرا، يتمثل في إشارة غير موفقة إلى دعم لمبادرة السلام العربية التي طرحت في قمة بيروت مارس ٢٠٠٢، والتي هي مثار جدل كبير، سنتناول ذلك، لاحقاً.

والمضحك في الأمر، أن وزرارة الخارجية قد دعت في تصريح صحفي لها بتاريخ 4/1/2019 في أزمة أخرى شخصية خلقها ذات الوزير مع الوزير السابق قبل يومين، دعت فيه السلطة الرابعة إلى توخي الدقة فيما يصدر من تصريحات من وزارة الخارجيَّة.

وفي اليوم التالي صدر توضيح لوزير الخارجية. وقد جاء فيه ما يلي: –
” صدرت مؤخراً بعض التصريحات والاخبار التي تداولتها وسائل الاعلام ومنصات التواصل الاجتماعي حول تصريح وزير الخارجية بشأن موقف العراق من القضية الفلسطينية وحل الدولتين، وبهذا الصدد نود ان نبين ان ما تم تناقله هو مجاف للواقع وعارٍ عن الصحة والحقيقة.
ان موقف العراق الثابت من القضية الفلسطينية، والمستند الى المبادرة العربية للسلام لعام 2002 والتي اعيد التاكيد عليها في القمة العربية ببغداد 2012، (اعلان بغداد)، يتجسد في الدعم المستمر لاسترجاع الاراضي الفلسطينية المغتصبة من قبل الكيان الصهيوني فضلا عن دعم جهود السلطة الفلسطينية في المؤتمرات والمحافل الدولية في كل من جنيف ونيويورك وبشكل مباشر من الوزير عندما كان مندوباً دائماً للعراق في كلا الموقعين، حيث عمل الوزير في مجلس حقوق الانسان، وعبر البند السابع من جدول الاعمال والذي يبحث القضية الفلسطينية، على تاشير الانتهاكات الاسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني والمطالبة بمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم ضد المدنيين العزل. اما في الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك، واثناء ترؤس الوزير للمجموعة العربية، عمل على اعداد مشروع قرار برفع العلم الفلسطيني في مبنى الامم المتحدة وتعزيز مكانتها في العالم، حيث قدم مشروع القرار الذي مرر باغلبية الاصوات وبنجاح ساحق بعد التصويت عليه في الجمعية العامة للامم المتحدة، وبناءً على هذا النجاح منح الرئيس الفلسطيني محمود عباس الوزير (وسام القدس) وهو اعلى وسام تمنحه السلطة الفلسطينية، مصحوباً برسالة شكر لجهود مندوب العراق سابقاً (الوزير الحالي) وتقديراً لدعم العراق للقضية الفلسطينية.
وفي مجلس الامن الدولي دافع العراق عن حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، تحت بند الحالة في الشرق الاوسط، والقى عدداً كبيراً من الخطابات والبيانات الرسمية تاكيداً على حقوق الشعب الفلسطيني وفي مقدمتها الحق في العيش بدولة مستقلة قابلة للحياة. وفي لجنة انهاء الاستعمار (اللجنة الرابعة في الجمعية العامة) دأب المندوب الدائم (الوزير الحالي) خلال الاجتماعات الدورية على تقديم الخطابات الوطنية وعقد لقاءات للدول المتماثلة التفكير لدعم دولة فلسطين وانهاء الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية.
كما دعم العراق فلسطين للحصول على عضوية كل من مجلس الامن والجمعية العامة للامم المتحدة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي ورئاسة مجموعة 77 والصين.”

ويمكن التعليق على توضيح وزير الخارجية، بما يلي: –
تراجع الوزير عن مضمون تصريحه بشكل مشوّه، مبيناً أن ما تم تناقله هو مجاف للواقع وعارٍ عن الصحة والحقيقة. وأين هي الحقيقة؟ إن ما تناقلته وسائل الإعلام جرى في لقاء الوزير مع الصحفيين وليس في علاقة ثنائية مع دبلوماسي زائر. وإن ما نقل هو حديث الوزير مسجل بالصوت والصورة، وليس صورة يمكن الطعن بتحريفها بالفوتوشوب.
إستند الوزير في توضيحه إلى مبادرة السلام العربية لعام 2002، مكرراً ذات الإشارة التي إستند اليها بيان المكتب الإعلامي للوزارة المشار اليه في أعلاه، دون تدقيق موقف العراق من هذه المبادرة، والتطورات على الساحة العربية حول هذه المبادرة، وأخيراً موقف إسرائيل منها. وأضاف توضيح الوزير أن هذه المبادرة “والتي أعيد التأكيد عليها في القمة العربية ببغداد 2012، (إعلان بغداد)، يتجسد في الدعم المستمر لاسترجاع الأراضي الفلسطينية المغتصبة من قبل الكيان الصهيوني”.
تمسك الوزير بحل الدولتين من خلال التأكيد على المبادرة العربية للسلام لعام 2002، والتي أعيد التأكيد عليها في القمة العربية ببغداد 2012، (إعلان بغداد). فهو ليس فقط مؤمن بحل الدولتين، بل متمسك به ضمنياً، من خلال الإصرار على التمسك بهذه المبادرة.
جاء توضيح الوزير مليئاً بمواقفه الشخصية وعلاقاته بالجانب الفلسطيني الرسمي عندما كان سفيرا في الأمم المتحدة ويكرر عبارة (الوزير الحالي) لمرتين، وكإنما هي أفضال قام بها بصورة شخصية، وليس تمثيلا لموقف رسمي عراقي.
النقطة الأبرز في توضيح وزير الخارجية، هي إستخدامه لعبارة (الكيان الصهيوني) في وصف (إسرائيل). بما يؤكد تراجعه عن تصريحه، والعودة إلى نقطة الصفر.

والحقيقة، أن معالجات وزارة الخارجية لإحتواء هذه الأزمة كانت مشوشة وغير دقيقة، وهي ترقيعات لا ترتقي لمستوى الأزمة، وينطبق عليها القول القائل (عذرٌ أقبح من ذَنْب).
ومن خلال تقرير قدّمته قناة العهد نيوز تم نشره في 03‏/01‏/2019، وصف مراسلها أحمد الحربي، وزير الخارجية العراقي محمد الحكيم بأنه يغرّد خارج سرب الدبلوماسية، مضيفا “الحكيم إما إنه مؤمن بحل الدولتين، وأطلق لقريحته العنان أمام الكاميرات، وهي مثلَبة لا تغتفر بالعرف الدبلوماسي، فعلى الدبلوماسي أن يتبنى أسس دولته لا قناعاته الشخصية، وأما إذا كان له رأي ما، فعليه إتباع السبل القانونية لتغيير النهج الدبلوماسي، بما يتوافق مع قناعاته إذا إستطاع إقناع بقية السلطات، وإن كان ما تحدث به الحكيم سقطة لسان فالمصيبة أعظم”
لذا من الضروري الوقوف على مبادرة السلام العربية التي إستند إليها الوزير ومكتبه الإعلامي، لإلقاء بعض الضوء على مضمون المبادرة المذكورة، وتطوراتها اللاحقة، وتداعياتها، والموقف العربي والإسرائيلي والعراقي حولها بإختصار.

وقفة عند مبادرة السلام العربية لعام 2002
مبادرة السلام العربية هي مبادرة أطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز ملك السعودية للسلام في الشرق الأوسط بين إسرائيل والفلسطينيين. هدفها إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود 1967 وعودة اللاجئين وانسحاب من هضبة الجولان المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية مع إسرائيل، وكانت في عام 2002. وقد تم الإعلان عن مبادرة السلام العربية في القمة العربية في بيروت. وقد نالت هذه المبادرة تأييداً عربياً. وفي ما يلي النص الحرفي لمبادرة السلام العربية:
” مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة المنعقد في دورته الرابعة عشرة.
إذ يؤكد ما أقره مؤتمر القمة العربي غير العادي في القاهرة في حزيران/يونيو 1996 من أن السلام العادل والشامل خيار استراتيجي للدول العربية يتحقق في ظل الشرعية الدولية، ويستوجب التزاما مقابلا تؤكده إسرائيل في هذا الصدد.

وبعد أن استمع إلى كلمة عبد الله بن عبد العزيز، ولي عهد المملكة العربية السعودية، التي أعلن من خلالها مبادرته داعياً إلى انسحاب إسرائيل الكامل من جميع الأراضي العربية المحتلة منذ 1967، تنفيذا لقراري مجلس الأمن (242 و338) والذين عززتهما قرارات مؤتمر مدريد عام 1991 ومبدأ الأرض مقابل السلام، وإلى قبولها قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية. وذلك مقابل قيام الدول العربية بإنشاء علاقات طبيعية في إطار سلام شامل مع إسرائيل.

وإنطلاقاً من اقتناع الدول العربية بأن الحل العسكري للنزاع لم يحقق السلام أو الأمن لأي من الأطراف.
– يطلب المجلس من إسرائيل إعادة النظر في سياساتها، وأن تجنح للسلم معلنة أن السلام العادل هو خيارها الاستراتيجي أيضا.

– كما يطالبها القيام بما يلي:
الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من يونيو (حزيران) 1967، والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان.
التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.
قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو (حزيران) في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية.
– عندئذ تقوم الدول العربية بما يلي:
اعتبار النزاع العربي الإسرائيلي منتهيا، والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة.
إنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل.
– ضمان رفض كل أشكال التوطين الفلسطيني الذي يتنافى والوضع الخاص في البلدان العربية المضيفة.
– يدعو المجلس حكومة إسرائيل والإسرائيليين جميعا إلى قبول هذه المبادرة المبينة أعلاه حماية لفرص السلام وحقنا للدماء، بما يمكن الدول العربية وإسرائيل من العيش في سلام جنبا إلى جنب، ويوفر للأجيال القادمة مستقبلا آمنا يسوده الرخاء والاستقرار.
– يدعو المجلس المجتمع الدولي بكل دوله ومنظماته إلى دعم هذه المبادرة.
– يطلب المجلس من رئاسته تشكيل لجنة خاصة من عدد من الدول الأعضاء المعنية والأمين العام لإجراء الاتصالات اللازمة بهذه المبادرة والعمل على تأكيد دعمها على كافة المستويات وفي مقدمتها الأمم المتحدة ومجلس الأمن والولايات المتحدة والاتحاد الروسي والدول الإسلامية والاتحاد الأوروبي.

عندما صدرت مبادرة السلام العربية اعتبرها العديد من المراقبين الغربيين عرضاً يصعب على إسرائيل رفضه.
كانت بنود المبادرة بسيطة: ستقيم الدول العربية علاقاتٍ دبلوماسية كاملة مع إسرائيل مقابل قيام دولة فلسطينية على طول حدود الأراضي المحتلة منذ عام 1967. وللحصول على موافقة إسرائيل، تبنت مبادرة السلام العربية موقفاً متبايناً تجاه حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وهو شرطٌ يعتبره أكثر من 4 ملايين فلسطيني يعيشون في المنفى غير قابلٍ للتفاوض.

ويعتقد خبراء آخرون أن مصير مبادرة السلام العربية كان مُقدرٌ لها الفشل منذ لحظة إعلانها. فقد رفضها أرييل شارون، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، بالمجمل. وفي وقتٍ لاحق، رحب خليفته إيهود أولمرت، بالاقتراح إلا أنه جادل بأن على الفلسطينيين تقديم المزيد من التنازلات.

فبدايةً، تم توقيع معاهدة السلام مع مصر في 26 مارس 1979، ليتم بعدها اغتيال الرئيس المصري أنور السادات على يد حركة الجهاد الإسلامي المصرية بعد عامين لتوقيعه على المعاهدة. ثم جاء اتفاق السلام مع الأردن، الذي وقعته إسرائيل والملك حسين في 23 أكتوبر 1994.

وبعد توقيع اتفاقات أوسلو، أوضح إسحاق رابين- الذي وصف بصانع السلام العظيم- أنه أياً كان الاتفاق الذي أبرم مع الفلسطينيين، فإنه لن يكون هناك دولة فلسطينية ذات سيادة، وأن إسرائيل ستحتفظ بالسيطرة الأمنية.”

إلا أن القادة الفلسطينيين، الذين سئموا من اتفاقياتٍ أوسلو الفاشلة، تساءلوا عما يمكن تقديمه من تنازلاتٍ أخرى محتملة. وكتب الدكتور جودت بهجت، مدير دراسات الشرق الأوسط في جامعة أنديانا، أن إسرائيل اعتقدت أنها تستطيع تطبيع العلاقات مع العالم العربي في الوقت الذي تستطيع فيه إجبار الفلسطينيين على التخلي عن كفاحهم من أجل إقامة دولة.

وفي نهاية المطاف، نجح رهان إسرائيل. فلم تبني إسرائيل المزيد من المستوطنات غير القانونية فحسب، بل أجرت أيضاً محادثاتٍ علنية وسرية على حد سواء مع دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة.
واليوم يبدو تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل وشيكاً. ويتمثل دافع المملكة الرئيسي للقيام بذلك بخلق تحالفٍ ضخم ضد إيران، العدو اللدود لكلا البلدين.

أما موقف العراق، فقد حضر مؤتمر قمة بيروت لجامعة الدول العربية عام 2002، بوفد برئاسة نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقي عزت إبراهيم نائباً عن الرئيس صدام حسين، وكان العراق يعاني من العقوبات الاقتصادية منذ 12 عاما، وكان تركيز الوفد على تحسين العلاقة مع السعودية والكويت، تجنباً لضربة محتملة تقوم بها الولايات المتحدة وحلفاءها ضده. فتضمن جدول أعمال القمة بنداً حول الحالة العراقية -الكويتية. لذا، إرتاى الوفد العراقي القبول بمبادرة السلام العربية التي تقدمت بها السعودية، وهكذا، صدر البيان الختامي للقمة (والموافقة بالإجماع على المبادرة السعودية).

وبعد مرور ستة عشر عاماً، بات مصير مبادرة السلام العربية الفشل بعد أن طلب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من الفلسطينيين “قبول السلام” أو الصمت. فقد أدلى ولي العهد بملاحظاته هذه في اجتماعٍ عُقد في مارس 2018 في نيويورك مع المنظمات اليهودية الأمريكية. وتابع قوله بأن القضية الفلسطينية لم تعد أولويةً للمملكة بسبب القضايا الأكثر إلحاحاً في المنطقة.

وهكذا نرى بوضوح أن أهم ما تتضمنه هذه المبادرة، هي إقامة دولة فلسطينية إلى جانب (دولة) إسرائيل، وإعتبار الصراع العربي-الإسرائيلي منتهيا، ثم التطبيع مع إسرائيل وإقامة جميع الدول العربية علاقات طبيعية مع إسرائيل.

فهل ينوي العراق، إقامة علاقات مع إسرائيل؟
مما لا شك فيه، أن تغيير الولايات المتحدة لنظام صدام حسين عام 2003 قد أزال من طريق إسرائيل واحد من ألد أعدائها الذي تجرا وأطلق صواريخه عليها. وهذا ما دفع إلى التقارب مع إسرائيل، وشهدنا زيارة عدد من النواب العراقيين إلى إسرائيل، سواء علنا أو سراً. ولم تخفي الحكومات العراقية عدم إرتياحها لوجود العديد من المقيمين الفلسطينيين بالعراق، ودفعتهم سوء معاملتها لهم إلى مغدرة العراق.

إلا إن تسليم السلطة للأحزاب الشيعية بعد عام 2005، وموالاة هذه الأحزاب لإيران بحكم التقارب المذهبي وسبق احتضانها فيها، مما قاد إلى تغيير سياسة الحكومة من الإنفتاح بدفع أمريكي إلى المعاداة بدفع إيراني. وهنا إلتقت مواقف حكومة الأحزاب الشيعية مع موقف نظام صدام حسين من إسرائيل، بإستثناء إقليم كردستان العراق، حيث زادت أواصر الصداقة والتعاون بين الأكراد وإسرائيل وغدت العلاقة بينهما وشيجة وعلنية، ويرفع الأكراد العلم الإسرائيلي في بعض المناسبات، تعبيرا عن دعم إسرائيل لهم، كما حدث في إستفتاء عام 2017.

ثانيا. الإعتراف في القانون الدولي
يعرّف الإعتراف بالدولة: (بأنه عمل حر تقر بمقتضاه دولة أو مجموعة من الدول وجود جماعة لها تنظيم سياسي في إقليم معين مستقلة عن كل دولة أخرى، وقادرة على الوفاء بالتزامات القانون الدولي العام، وتظهر الدول بالاعتراف نيتها في عدِّ هذه الدولة عضواً في الجماعة الدولية “.
أن الاعتراف باعتباره تصرف أحادي الجانب وعن إرادة منفردة هو إرادة منسوبة لشخص من أشخاص القانون الدولي، تملك سلطة الالتزام بشرعية وضع معين وتنتج آثار قانونية مستقلة عن ذلك عن أي إرادة أخرى.

الاعتراف بالدولة لا يخضع لأية قاعدة شكلية خاصة، فهو قد يكون صريحاً أو ضمنيـــــاً، وفردياً أو جماعياً، وقانونياً أو واقعاً (أو فعلياً).
الاعتراف الصريح أو الاعتراف الرسمي، هو الإعلان المباشر الذي تعلنه الدولة بصورة رسمية والمتضمن الاعتراف بدولة معينة. ويتم الاعتراف الصريح بصدور قرار رسمي من حكومة الدولة أو مذكرة دبلوماسية تبلغ الجهة المعترف بها بقرار الدولة المعترف بها.
أما الاعتراف الضمني فهو اعتراف عن طريق الدخول في علاقات مع الدولة الجديدة كعلاقات التي تقيمها مع الدول التي اعترفت بها بصورة رسمية دون أن يصدر إعلان رسمي من الدولة يتضمن الاعتراف بها؛ أي يتم استنتاجه من ملابسات وظروف لا تدع مجالا للشك على اتجاه نية الدولة إلى الاعتراف بالدولة الجديدة.
وسواء كان الاعتراف ضمنيا أو صريحاً فهو يتوقف عن نية الأطراف وما دامت هذه النية واضحة لا تثير أيِّ غموض فإن الاعتراف في الحالتين واحد من حيث آثاره.
أما الاعتراف القانوني: فهو الاعتراف الصريح والحاسم الذي يستند إلى استقرار الشخصية الدولية الكاملة المعترف بها وبثباتها ويصدر إما مباشرة أو بعد صدور الاعتراف الواقعي.
في حين أن الاعتراف الواقعي أو الاعتراف الفعلي: هو اعتراف بدولة من ناحية وجودها على الواقع دون أن تتوافر فيها الشرعية الدولية أي أن هناك خلل في عناصرها الثلاثة أو هناك شكوكاً في هذه العناصر.

يشير الاعتراف الدولي بإسرائيل إلى الاعتراف الدبلوماسي بدولة إسرائيل والتي أعلن عن قيامها بتاريخ 14 مايو عام 1948. إن وضع إسرائيل متنازع عليه نتيجة للصراع العربي الإسرائيلي. تعترف 161 دولة بإسرائيل حالياً من أصل 192 دولة عضو بمنظمة الأمم المتحدة.
في الوقت الحاضر، ما مجموعه 32 دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لا تعترف بدولة إسرائيل: 18 دولة عضو في جامعة الدول العربية: الجزائر، والبحرين، وجزر القمر، وجيبوتي، والعراق، والكويت، ولبنان، وليبيا، والمغرب، وعمان، وقطر، والسعودية، والصومال، والسودان، وسوريا، وتونس، الإمارات العربية المتحدة، واليمن؛ كذلك 11 عضواً في منظمة التعاون الإسلامي: أفغانستان، وبنغلادش، وبروناي، وتشاد، وغينيا، وإندونيسيا، وإيران، وماليزيا، ومالي، والنيجر، وباكستان. كما هناك بلدان أخرى لا تعترف بإسرائيل منها بوتان، وكوبا، وكوريا الشمالية.

ثالثا. الجانب القانوني لتصريح وزير الخارجية

على الصعيد الداخلي، فإن الدستور العراق النافذ لعام 2005، على الرغم من خلوه من الإشارة إلى مسألة الإعتراف بالدول، إلا إنه قد حدد رسم السياسة الخارجية بالسلطات الإتحادية التي حددها الدستور بالمادة (47) التي تنص على ما يلي:
“تتكون السلطات الاتحادية من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، تمارس اختصاصاتها ومهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات.”

كما حددت المادة (110) منه إختصاصات هذه السلطة بقولها:
تختص السلطات الاتحادية بالاختصاصات الحصرية الآتية:
أولا: رسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي والتفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية وسياسات الاقتراض والتوقيع عليها وإبرامها ورسم السياسة الاقتصادية والتجارية الخارجية السيادية.

وهذا النص الدستوري واضح وجَلي في أن السلطات الثلاث هي من يرسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي، وينصرف مضمون ذلك إلى الإعتراف بإعتبار أن ذلك جزء من السياسة الخارجية، وأن نتيجته هو تبادل التمثيل الدبلوماسي بين البلدين.
لذا لا يجوز لوزير الخارجية العراقي وفقاً للدستور الحالي أن ينفرد برسم السياسة الخارجية وبضمنها الإعتراف بالدول.

أما على صعيد القانون الدولي، فقد شهدت العقود الأخيرة ثورة في وسائل الاتصال، رافقتها تغيرات في الممارسات الإعلامية. وقد تضمن ذلك زيادة كبيرة في وصول وسائل الإعلام لكبار ممثلي الدولة، وطلبات غير منقطعة لهم للتعليق على القضايا ذات الاهتمام الدولي. ومن المناسب هنا، النظر إلى الأهمية القانونية لمثل هذه التعليقات وخاصة تلك التي يدلي بها وزراء الخارجية، لإنها عادة (ولكن ليس دائما) ما تنطوي على موقف الدولة، وان بدرجة اقل من البيانات الرسمية والإعلانات الصادرة عن رؤساء الدول ومن على غرارهم.

ولطالما أثار القانونيون التساؤل حول إذا كان وزير الخارجية يقوم بدور مهم في العلاقات الدولية، فما مدى أهليته لإلزام دولته؟ وهذا، ما يدفعنا إلى تناول مسألة القيمة القانونية للتصريحات الشفهية لوزير الخارجية.

التصريحات الشفهية (Oral Statement)
شهدت العقود الأخيرة ثورة في وسائل الاتصال، رافقتها تغيرات في الممارسات الإعلامية. وقد تضمن ذلك زيادة كبيرة في وصول وسائل الإعلام لكبار ممثلي الدولة، وطلبات غير منقطعة لهم للتعليق على القضايا ذات الاهتمام الدولي. ومن المناسب هنا، النظر إلى الأهمية القانونية لمثل هذه التعليقات وخاصة تلك التي يدلي بها وزراء الخارجية، لإنها عادة (ولكن ليس دائما) ما تنطوي على موقف الدولة، وان بدرجة اقل من البيانات الرسمية والإعلانات الصادرة عن رؤساء الدول ومن على غرارهم.
يمكن القول بان الإعلام شرع منذ عدة عقود يلاحق وزير الخارجية بأمل الحصول على تصريح ما حول موضوع معين أو مسألة من المسائل الهامة في السياسة الدولية والتي غالبا ما تكون موضوع الساعة على الساحة الدولية. لا بل – إذا أردنا الذهاب ابعد من ذلك – فان وزراء الخارجية اليوم قد وضعوا نظاما لمثل هذه التصريحات والمقابلات الصحفية والتلفزيونية ويوجد في كل وزارة خارجية في دول العالم المختلفة جهاز يتولى تنظيم ذلك ويمكنه الاتصال بمندوبي الإعلام في كل وقت، ومهما اختلفت التسميات في جزئياتها فهي الدائرة الإعلامية أو الصحفية.

فوزير الخارجية هو لسان الدولة وخير معبر عنها على الصعيد الدولي واحد أجهزة التعبير عن إرادتها في الخارج، وان سعي الإعلام المحموم هو بقصد التعرف على موقف الدولة من خلال وزير خارجيتها.

وبهذا الوصف فان وزير الخارجية يستطيع وبكل سهولة من تحديد سياسة الدولة تجاه قضية معينة، لا سيما وان القانونين الوطني والدولي يخولانه ذلك، وحتى إذا لم يوجد نص في القانون الوطني (الداخلي) سواء في الدستور أو أي نص تشريعي أخر.

ويرى الدكتور احمد محمد رفعت رئيس جامعة بني سويف إن وزير الخارجية يتولى تحديد مواقف دولته السياسية ووجهة نظرها فيما يتعلق بالمشاكل الدولية عن طريق مؤتمرات صحفية تعقد بهدف اطلاع الراي العام على سياسة دولته في مواجهة المتغيرات السياسية والأزمات الدولية.

إن القانون الدولي قد منحه ذلك الحق استنادا إلى نص المادة 7 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 والتي اعتبرت وزير الخارجية ممثلا لدولته من اجل التعبير عن رضاها في الالتزام بمعاهدة دولية، ومن اجل القيام بجميع الأعمال المتعلقة بعقد المعاهدة، ومن بينها التصريحات الشفهية. لا بل إن المادة 11 من الاتفاقية المذكورة قد بنيت وسائل التعبير عن رضا الدولة الالتزام بالمعاهدة، ومن بينها التوقيع أو تبادل الوثائق أو التصديق أو الموافقة عليها أو قبولها أو الانضمام اليها أو أية وسيلة أخرى تتفق عليها.

وأصرخ مثال على أثر تصريح وزير الخارجية، هو تصريح بلفور الشهير الذي أصدره وزير خارجية بريطانيا آرثر جيمس بلفور من خلال رسالة مختصرة تضمنت 117 كلمة وردت في 16 سطرا وجهها إلى اللورد روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية آنذاك في 2 نوفمبر 1917، وكانت سببا في ضياع دولة عربية في الشرق الأوسط ألا وهي فلسطين ومنذ 95عاما وحتى الآن.

وهكذا نجد أن وزير الخارجية هو واسطة التعامل القانوني بين الدول وذلك، بما يعلنه من بيانات أو يدلي به من تصريحات يلزم بها دولته.

ولقد سنحت الفرصة للقضاء الدولي أن يبدي رأيا في ذلك، وفي أكثر من مناسبة. وكانت أولى الحالات التي نظرها القضاء الدولي تتمثل في القرار الذي اتخذته محكمة العدل الدولية الدائمة عام 1933 في قضية غرينلاند (فقد حدث وان صرح وزير خارجية النرويج لممثل الدانمارك كتابة بان دولته تعترف بسيادة الدانمارك على غرينلاند، ثم عدلت النرويج بعد ذلك عن هذا الموقف وعرض الأمر على محكمة العدل الدولية، فقررت في حكمها الصادر بتاريخ 25 أبريل سنة 1933، إن تصريح وزير خارجية النرويج يقيد هذه الدولة، لأنه صدر من عضو له حق التعبير عن إرادتها.

ولقد قررت محكمة العدل الدولية الدائمة في قضية غرينلاند الشرقية سنة 1933 إن البيان الذي ادلى به وزير خارجية النرويج لوزير خارجية الدانمارك المفوض في أثناء مقابلة رسمية يعتبر ملزما للحكومة النرويجية. وان اتفاقا دوليا ملزما ينجم عن محادثات رسمية بين وزير خارجية ومندوب دبلوماسي لدولة أخرى، وان التعهد الذي يقطعه وزير الخارجية في المحادثات وأثناء قيامه بالعمل ضمن نطاق سلطته الرسمية الطبيعية هو تعهد ملزم لدولته.

وهكذا ففي دائرة القانون الدولي، يعد كل ما يصدر عن وزير الخارجية، بوصفه ممثلا لدولته في الشئون الخارجية، ملزما لدولته ومنتجا لكافة أثاره القانونية، حتى إذا تجاوز حدود الاختصاصات التي خولها له الدستور.

وبالتالي فإن تصريح وزير خارجية العراق في 2/1/2019، يعد تصريحا صادراً من جهة دولية مختصة قادرة على إحداث أثار قانونية على الصعيد الدولي، وإنه تعبير عن نية العراق في الإعتراف بإسرائيل إعترافاً ضمنياَ بقوله: (إحنا قضية حل الدولتين مؤمنين فيها). وحتى من الناحية الشرعية ألا يكفي الإيمان للدلالة على النية؟ وحتى لو لم يقصد ذلك، وهذا ما يستشف من توضيح الوزير لاحقاً. ويبقى في كل الأحوال، ملزما من الناحية القانونية.
إن ذلك يذكرنا بالحديث النبوي القائل: “ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ”.

والواقع، أن الوزير الجديد محمد علي الحكيم (الأمريكي الجنسية) هو من مواليد النجف عام 1952 (67 سنة)، ومن الطائفة الشيعية. عاد إلى العراق بصحبة الحاكم المدني الأميركي في العراق بول بريمر عام 2003، عمل مستشاراً لنائب رئيس الجمهورية (رئيس الوزراء الحالي) عادل عبد المهدي للشؤون الاقتصادية 2005-2010.
إنتقل إلى وزارة الخارجية بدرجة سفير عام 2006، ونقل إلى ممثلية العراق الدائمة لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف عام 2010، دون تدريب وخبرة دبلوماسية سابقة، كما هو معروف لدى الدبلوماسي المحترف أو المهني (Diplomat Careers). والأن يستوزر وزيرا لخارجية بلد ملتهب وسط صراعات دولية كبيرة.

وكثيرا ما كانت مواقفه وتصريحاته تثير أزمات سياسية وإشكالات قانونية مع الدول والمنظمات الدولية، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

منح حق الجنسية للأجانب في العراق
قام ممثل العراق الدائم لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف سابقا محمد علي الحكيم والذي ادخل العراق في مأزق قانوني لن يستطيع الخروج منه لعشرات السنين ، عندما صادق على مشروع قرار تقدمت به الولايات المتحدة الأمريكية إلى مجلس حقوق الإنسان في جنيف أثناء انعقاد الدورة الاعتيادية العشرون والخاص بالحق في الجنسية : النساء والأطفال، والذي صدر في 16 / تموز /2012، حيث نصت الفقرة 4 من القرار المذكور على إن المجلس (يشجع الدول على أن تيسر، وفقا لقانونها الوطني، حصول الأطفال على جنسيتها عندما يولدون على أقاليمها أو لمواطنيها المقيمين في الخارج ويكونون من غير ذلك عديمي الجنسية). وكان القصد من القرار هو صهر مواطني الدول العربية من خلال منح الجنسية لكل من يولد على إقليم الدولة حتى لو كان والديه من الأجانب، وهكذا فان أي أجنبية تدخل العراق وهي حامل وتلد على الإقليم العراقي حتى لو كانت الولادة قد تمت في طائرة محلقة في الأجواء العراقية، فان على الحكومة العراقية إن تمنحها الجنسية العراقية إسوة ببقية العراقيين. وبرغم من التحذيرات الكثيرة له من المختصين من أعضاء البعثة ومن مسؤول الملف إلا انه اصرّ على ذلك. وهكذا صدر القرار باسم العراق كدولة راعية لمشروع القرار، وهذا سيشكل بحد ذاته قنبلة قانونية موقوتة كما هو الحال في دستور 2005، لتثير مشاكل عديدة للعراق في الأمد البعيد.

سيطرة مجموعات مسلحة إرهابية على منشأة سابقة للأسلحة الكيمياوية عام 2014
يوم 9 / تموز / 2014 أبلغ سفير العراق لدى الأمم المتحدة في نيويورك محمد علي الحكيم في رسالة موجهة للأمين العام بان كي مون بتاريخ 30 / حزيران / 2014 بان حكومة بلاده فقدت السيطرة على منشأة سابقة للأسلحة الكيمياوية لصالح مجموعات مسلحة وإنها غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها الدولية لتدمير المواد السامة هناك. وان منشاة المثنى (72 شمال غربي بغداد) قد سقطت في 11 من يونيو / حزيران وان بقايا برنامج سابقة للأسلحة الكيمياوية موجودة في غرفتين محصنتين تحت الأرض هناك “. وان كاميرات المراقبة قد رصدت فجر الثلاثاء 12يونيو / حزيران نهب بعض المعدات وأجهزة المشروع قبل أن يعطل المسلحون نظام المراقبة.
وقد أثار هذا الخبر المستند على رسالة السفير العراقي إشكاليات قانونية وسياسية كبيرة وقادت إلى استنتاجات خطيرة أبرزها: –
1. إن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل رغم عجز الأمم المتحدة وفرق تفتيشها لأكثر من 13 سنة من التقصي والتفتيش وكذلك عجز الولايات المتحدة عن إثبات ذلك منذ 11 سنة من البحث داخل العراق.
2. إن العراق قد انتهك التزاماته المقررة بموجب اتفاقية حظر الأسلحة الكيمياوية لعام 1993 والتي دخلت حيز النفاذ عام 1997، وأنظم اليها العراق في عام 2009 ليصبح الدولة العضو رقم 186 من مجموع الأعضاء (190) دولة.
وأخيرا جاء القول الفصل والكلمة الحاسمة من بغداد عاصمة السفير، حيث صرح علي الحيدري عضو التحالف الوطني، الأربعاء 9 تموز بانه لا صحة لتصريحات سفير العراق لدى الأمم المتحدة واعتبر تصريحات سفيره الأممي” مدفوعة الثمن” أو كما يعرف بالإنكليزية (paid statement) وهذا ينطوي على شك في إن يكون السفير المذكور قد تقاضى مبلغا من المال من جهة معينة لقاء هذا التصريح.

دخول القوات التركية إلى شمال العراق عام 2015
في 7/12/2015 توغلت القوات التركية في الأراضي العراقية مما ولّد أزمة دولية بين العراق وتركيا. وقد صرّح سفير العراق في نيويورك محمد علي الحكيم (الوزير حالياً) داعيا الحكومة العراقية إلى حل المسالة بالطرق الدبلوماسية وعدم تصعيد الموقف بين بغداد وأنقرة لإنه ليس من مصلحة العراق. مما أثار استهجان العراقيين وتساؤلهم فيما إذا كان هذا موظفا لدى العراق ويتقاضى راتبه وامتيازاته المالية الكبيرة منها أو موظفا لدى جهة أخرى مستقلة ومحايدة في ظل هذا النزاع الدولي؟ متخذاً موقفاً مخالفاً لحكومته، ففي تصريح لرئيس الوزراء حيدر العبادي بتاريخ 8/12/2015 أنكر وجود أي اتفاق مع الجانب التركي لهذا التوغل العسكري وأمهل القوات التركية بالخروج من العراق خلال 48 ساعة، ثم تلاه إدانة البرلمان العراقي لهذا التوغل العسكري في 9/12/ 2015. وما زالت القوات التركية موجودة في العراق، حتى يومنا هذا.

مشاكل شخصية
في تقديري أن الوزير الحالي يعاني من مشاكل نفسية تتمثل في وسواس العظمة، وهذا ما لاحظته عليه خلال عملنا سوية لمدة ثلاث سنوات (2010-2013). كيف لا، وقد تحول من لاجئ في أميركا إلى سفير ثم وزير.

وقد كتبت عن تصرفاته هذه في عام 2015 فهو يرى نفسه انه قد أصبح رئيس العالم بهذا المنصب، ولكن من الجنون أن يظّن سفير دولة صغيرة بانه أكبر من حجمه، وهذا ما شهدناه أثناء العمل معه، وهذا ما عانيته طيلة فترة العمل معه. خاصة بوجود عدد كبير من المتملقين والمتزلفين الذي يجَمِلون له كل تصرفاته الخاطئة، وخاصة الدبلوماسيين الشيعة، الذين يعتقدون أن إنتقاد أي مسؤول شيعي، مهما كان مخطئاً، بأنه إنتقاد لحكم المذهب الديني الشيعي والسعي لإزالته، دون أن يكلفوا نفسهم عناء إصلاح أخطاءهم. إن هذا ليس من قبيل التقليل والتسقيط رغم الخلافات بيننا، ولكنها شهادة لسوء إدارة الدولة في العراق منذ 2003 وإلى يومنا هذا، وتشخيص الأخطاء والسعي لإصلاحها. ومن الحالات التي أذكرها على سبيل الإستشهاد، هاتين الحالتين:

ففي احدى المرات في عام 2011 وأثناء اجتماعنا في مقر بعثة تايلند في جنيف برئاسة رئيس مجلس حقوق الإنسان آنذاك السفير التايلندي سيهاساك فوانغكيتكيو لبحث تقييم عمل وأداء المجلس، واذا به تطلق قريحته متحدثاً باسم جميع الدول العربية والإسلامية دون مراعاة لوجود سفراء الدول العربية والإسلامية، فما كان من سكرتيرة مجلس حقوق الإنسان (Ann Schive Viken)التي كانت تجلس خلف الرئيس إلا أن همست بإذني حيث كنت أجلس بجانبه وطلبت بأن أوجه السفير العراقي آنذاك بأن يتحدث وفقا لاختصاصه الوطني (National Jurisdiction) لا أن يتحدث نيابة عن جميع الدول، بعد أن صرح قائلا : بأننا بإسم جميع الدول لن نقبل بذلك، وبإسم الدول العربية جميعا. وسط دهشة السفراء وخاصة سفير مصر، الدبلوماسي المخضرم الزميل هشام بدر الذي فغر فاه مستغرباً من هذا الطرح على الصعيد الدبلوماسي. وقد همست بإذنه قائلا: سعادة السفير تحدث باسم العراق فقط. فتدارك وقال إني أتحدث باسم العراق فقط.

وعلى غرار ذلك ما صرح به لدى أول اجتماعه بمكتب الجامعة العربية في جنيف في نيسان عام 2010 حيث طرح إنطباعاته الشخصية كما في حوار في مقهى بين الأصدقاء، قائلا: بان الجامعة فاشلة ولا فائدة منها، ولا أرى ضرورة لبقائها.

وهذا ما دفعني للاعتذار لاحقاً في الاجتماع التالي وتبرير هذه التصرفات المخالفة للعمل الدبلوماسي، وسارت الأمور بعد ذلك سيراً حسنا مع مندوب الجامعة العربية.

ولهذا فقد ذهب الفقه القانوني الدولي إلى إن الزاوية التي يصعب اكتسابها في الصفات الواجب توفرها في وزير الخارجية، هي تلك الخاصة بمدى القدرة الشخصية على التصرف السليم والوزن الدقيق للأمور. ففي دائرة العلاقات الدولية يكثر الطلب والالتماس والتفاوض. إن أية كلمة تقال في غير محلها قد تجرح أمة بكاملها. كما إن السعي إلى تحقيق شيء بدون تقدير لنتيجته جيدا فيؤدي إلى إخفاقه. قد يعرض كرامة الأمة كلها ومصلحة الدولة للخطر. لذا يُختار رجل السياسة الخارجية من بين الرجال الممتازين شخصيا وعلميا، ومن القادرين على التفاوض والتحدث، وممن تتوافر فيهم اللياقة والكياسة وحسن المعاملة.

فهل تفقَه الحكومة العراقية ووزير خارجيتها ذلك منذ تغيير النظام عام 2003، وإقامة حكم الدولة الدينية بصبغة شيعية، وتهجير كل الكفاءات العراقية (وأنا من بينهم وبدفع من الوزير المذكور ذاته) ذلك؟
ولكن يبدو أن الشيعة ما زالوا وبعد أربعة عشر قرناً يكررون تجربتهم المريرة في إختيار أبي موسى الأشعري، رغم الكارثة. فهل من متعظ؟