تعد مضامين وتوجهات الخطاب السياسي الصريح والواقعي والمتعمق التي أشرها القيادي والسياسي العراقي عزة الشابندر ، وأراد تأكيدها في حواره الممتع من خلال قناة دجلة الفضائية مع الزميل القدير أحمد طلال ليلة الاثنين 25 كانون الثاني 2016 في برنامج ( من الآخر ) من أفضل الحوارات نجاحا وأهمية وبعد نظر ستراتيجي ، رسمت معالم خارطة طريق انقاذ مستقبلي للعراق ، يمكن ان نؤشر توجهاتها ومضامينها وفق الأطر والطروحات التالية:
1. إن طروحات السياسي العراقي عزة الشابندر في تلك المقابلة التلفزيونية الممتعة وكل طروحاته السابقة تعد واقعية وشاملة ولديها من الحكمة وبعد النظر ما يمنحها القدرة على تأكيد طروحاتها في الواقع العراقي وتجد قبولا واحتراما من كثيرين من مكونات الشعب العراقي، وهي وان كانت تشخيصا لواقع عراقي مرير الا انها في المقام الأول مكرسة ومخصصة لإنقاذ وضع التحالف الوطني المنهار وقواه السياسية المرتبكة ، من خلال جملة توجهات أراد من خلالها التأكيد ان كل هذه القوى التي حكمت العراق منذ عام 2003 وحتى الان فشلت فشلا ذريعا في وضع حلول لمشكلات الواقع العراقي ان لم تكن هي العامل الاساس في فشل تلك التجربة المأساوية والحكم عليها بالموت والشلل ، لأنها لم تتعامل مع العراقيين بوطنية صادقة واختارت ( الإسلام السياسي ) كعامل صراع يحتدم بدل ان يكون عامل وحدة وتكامل يجمع العراقيين على مفاهيم مشتركة من الانسجام والتعايش والوحدة الوطنية، وكانت كل هذه القوى بجميع توجهاتها فاشلة وهي من قدمت النموذج السيء للأداء السياسي العراقي طيلة فترة حكمها لأكثر من عشر سنوات.
2. لم يخف الشابندر صراحة ان المرجعية الدينية كانت تتحمل قسطا وافرا مما وصل اليه البلد من إنقسام وتشرذم وأداء سياسي فاشل ومرير ، وهو وان أعطاها أهمية قصوى لدورها المحوري في قدرتها على إعادة ( تصحيح ) معادلة الوضع العراقي وعدم اعطاء التأييد للفاسدين والفاشلين ، الا انه لم يعفها مما يفترض ان تقوم به من دور لوضع حد للسياسيين الذين خذلوا المرجعية ولم يضعوا لتوجيهاتها ونصائحها أذانا صاغية، بالرغم من انها كانت واضحة في توجهاتها معهم، وهي لاتمنحهم تاييدها الكامل على طول الخط، وراحت الان تراجع حساباتها، كي تعيد ترتيب البيت العراقي بأطر جديدة للتعايش والانسجام، بلا طوائف وأقليات ، وبدون احزاب طائفية تعيد العراق الى المربع الأول، داعيا أياها الى ان تقول كلمتها وتبقى حاضرة في المشهد العراقي إن أريد للبلد أن يستقر على حال.
3. دعا الشابندر المرجعية الدينية الى ان تعيد تصحيح المسار لكي تحفظ هيبتها من خلال مرجعية السيد السيستاني التي اعطاها الدور الأول في انها حافظت على وحدة العراق وهي الوحيدة التي حالت دون تفاقم صراعاته السياسية واوقفت سبل الأقتتال بين أبنائه وطوائفه ولولاها لما حافظ العراق على بقايا وحدته حتى الان ، من وجهة نظره ، وهو ينصح المرجعية الدينية مرة أخرى بالإمساك مرة أخرى بتلابيب وأولويات وتوجهات الواقع العراقي ضمن طائفتها على الأقل ، وهي من يأمل العراقيون منها من وجهة نظره ان تكون لها كلمة الفصل وعنصر التوازن لاعادة المعادلة العراقية المختلة الى وضعها الصحيح ، فيما آل اليه مصير البلد من تحديات وأهوال، كان قادة التحالف الوطني وقواهم السياسية الدينية من وجهة نظر الشابندر أحد أهم من أوصل البلد الى الحالة الكارثية التي هو عليها الان.
4. لقد أشر السياسي العراقي المتفتح الرؤيا عزت الشابندر جملة قرارات حكيمة دعمتها المرجعية الدينية وكانت لها الفضل في ايقاف انهيار العراق من خلال دعمها للمطلب العراقي والدولي بإزاحة المالكي من على طريق تعقيدات الوضع العراقي ، لكن عزة الشابندر عبر عن مرارته من ( البديل ) الذي حل بديلا عنه وهو الدكتور حيدر العبادي ، والذي كانت قراراته من وجهة نظره ضعيفة ومرتجلة ومرتبكة ، وكانت حصيلة ( ترضيات) لأطراف وقوى سياسية ومشاركة لها بالفساد اكثر من كونها قرارات تخدم الواقع العراقي او تؤشر لخلاص هذا البلد من اوضاعه ، بل ان طريقة حكمه زادت الطين بلة كما يقال، وأوصلت العراق بسبب عدم قدرتها على اتخاذ قرارات اصلاحية وجريئة مناسبة كرست المفسدين ومنحتهم جائزة الإستمرارية وضمانة الديمومة والبقاء ، ما يتطلب من وجهة نظره ان يكون التخلص منه سريعا وفي أقرب فرصة أمرا مهما وضروريا ، وان المرجعية امامها فرصة ثمينة لكي تقول كلمتها وتتدخل ، قبل أن تقع الفأس في الرأس كما يقال، ويسير العراق الى مصير كارثي مجهول ، محملا كل القوى السياسية ( ذات الطبيعة الاسلامية ) المشاركة في الحكم ، وبخاصة قوى التحالف الوطني ايصال الوضع الى هذا المنحدر الخطير، بل ان الشابندر كثيرا مايردد ان التحالف الوطني قدم النموذج السيء للحكم ، طوال مسيرته ولم يستطع إنتاج شخصية قوية تبني عراقا موحدا ، بدل هذا الشد الطائفي الذي إعتمده التحالف الوطني منذ ان كان إسمه الائتلاف الوطني العراقي وهو ابعد ما يكون عن الائتلاف من وجهة نظره ، إن لم يكن نموذجا طائفيا قدم أداء سيئا طوال مسيرة حكمه، وكثيرا ماكان الشابندر يردد في كل حواراته أن قادة وساسة التحالف الوطني هم من يتحملون تأريخيا مسؤولية (تقسيم العراق) وما حل به من كوارث ، ولم يحافظوا على وحدة العراق ، بل انهم ظلموا حتى أبناء جلدتهم ولم يقدموا لهم ما يعيد لهم أبسط حقوقهم في الحياة والعيش الآمن، في حين حافظ المكون الآخر على وحدة العراق أكثر من خمسة قرون.
5. أكد السياسي العراقي عزت الشابندر ان البلد بحاجة ماسة لتغيير نظام حكمه السياسي بالكامل من برلماني الى رئاسي والغاء الدستور أو تعديله على الأقل ليتوافق مع رغبة العراقيين في الخلاص من تبعات النظام البرلماني الفاشل الذي لايمنح القوة لمن يحكم ليكون لديه القدرة على فرض القرار وان يكون له دور في انقاذ البلد ، بل ان الديمقراطية اصبحت في ظل اللعبة البرلمانية ( أكذوبة ) صدقها العراقيون ، ولم يجن منها العراقيون سوى خيبات الأمل،إذ إن النظام البرلماني يحتكم الى صراعات القوى وتناحراتها دون ان يوفر حلا لأزمات البلد ، ان لم يكن عامل تعويق لخلاص العراق من كل تعقيدات هذا الوضع وما وصل اليه من تدهور وافكك وانحلال قيمي واخلاقي وحتى ديني.
6. أكد الشابندر ان الحل الأمثل لأزمات العراق هو أن يأتي وطني عراقي متدين على الأقل او لنقل وطني شريف ، يحاول ان ينقذ البلد مما حل بها من أزمات، وأن يتعامل مع العراقيين سواسية ، ويغادر الأطر الطائفية والمذهبية، ويعيد ترتيب البيت العراقي وفق أطره الصحيحة ، ويعيد للبلد هيبته التي إفتقدها بعد كل هذه السنوات من أسوأ نظام سياسي قدم انموذجا سيئا من الأداء أصاب العراقيين بويلات ونكبات.
7. الحل الامثل من وجهة نظر الشابندر ان يكون توزيع القوى في العراق وفق اطار عراق ( عربي كردي ) وليس ( شيعيا سنيا كرديا ) فهذا ( الثالوث) ان بقي يتحكم في العراق قلن يكتب لهذا البلد النجاح وستبقى ازمات الصراع تستفحل ويشتد وطيسها ان لم يتم السير في وضع العراق في فدراليتين احدهما عربية والاخرى كردية لاعادة توحيد البلد في الإتجاه الصحيح.
8. لم يخف الشابندر ان العراقيين بدوأ يترحمون على زمن النظام السابق ، بل ان ما فعلته هذه القوى من تصارعات وتناحرات وحالات احتراب وفساد ونهب للثروات هو من جعل العراقيين يتمنون بقاء النظام السابق وهم انفسهم من اعادوا تجميل وجهه من وجهة نظره، بسبب فشلهم في ادارة الصراع وفي وضع تصورات لطبيعة الحكم تخرج البلاد من ازمتها الخانقة، ومن وجهة نظر عراقيين كثيرين يعد الشابندر من اكثر شخصيات التحالف الوطني قدرة على تشخيص الواقع العراقي وهو من أكثرهم جرأة وصراحة بل انه كان يحتفظ بعلاقات قوية مع شخصيات من المكون الآخر كانت السبب في حل ازمات وتعقيدات الوضع العراقي في فترات سابقة، لكن قادة التحالف الوطني لم يمنحوه الفرصة لان يكون له دور ( محوري ) يعيد صياغة معادلة حكمهم لكي يتم تجاوز مراحل أداءها المرتبك ، وبقي الشابندر ربما الصوت الوطني الأقوى ، لكن حظوظه مع جمهوره بالرغم من كل ما وهبه الله من سمات الشخصية الناجحة، نقول ان حظوظه معهم لم تكن كما يشتهي السفن ، ولو ان ابناء طائفته وقواهم السياسية ناصروه لكان لنظام حكمهم شكل آخر أكثر مقبولية من الجميع.
9. لقد ادار الزميل أحمد الملا طلال هذا البرنامج من خلال قناة دجلة ومن قبلها حواراته بقناة الرشيد الفضائية بطريقة ناجحة وطور من أساليب الحوار ولغته ويعرف كيف يقاطع ضيفه او يتركه يكمل فكرته ويضطر مرة أخرى لمقاطعته ، معتمدا مبدأ ( الحيادية ) مرة وفي أخرى ان يضع نفسه بديلا عن ( الغائب ) في طرح توجهات ووجهات نظر الآخرين، بحيث يظهر للمشاهد ان الرجل يحفظ حقوق اطراف المعادلة دون ان يخل بمستلزمات إنجاح الحوار، وهذه من سمات أي حواري ناجح ، وهو ما أكده الزميل أحمد الملا طلال طوال مسيرته الحوارية المتألقة منذ سنوات، وقد ابدع الان في تجديد لغة الحوار واختياره الشخصيات، وكيفية انتقاء الأسئلة وإسلوب صياغاتها وعرف كيف يوجه ضيفه أو يشعل لهيب حماسه في الوقت المناسب ، واضاف مظهره الحسن المبتسم ، وتوزيع أسئلته بذكاء وفطنة وبعد نظر، عوامل نجاح للمقابلات التلفزيونية، ترتقي بها الى مستوى الشخصية التي يجري معها الحوار ، إن لم يكن احيانا يكون هو مصدر الأضواء لنجاحها، وهو مايشهد للرجل انه يمسك بعوامل نجاح برامجه ، ليحصل على مساحة واسعة من الانتشار لدى الجمهور والساسة على حد سواء.