ان العنصر الاكثر حيوية في العقيدة القتالية هو القيادة المقتدرة والواثقة . وتؤمن القيادة الكفوءة وضوح الغاية والتوجيه والتحفيز في المعركة. وان القائد هو الذي يحدد درجة التصعيد في تأثيرات المناورة والقوة النارية والحماية، وهو الذي يؤمن توازن هذه العناصر بصورة مؤثرة، وهو الذي يقرر كيفية حشد هذه العناصر ضد العدو.
ويبدو من المنطقي والضروري جدا القول بانه يتطلب الربط بشكل مباشر ما بين عقيدة ( كيف تقود ) وعقيدة (كيف تقاتل) في الجيش. مع ذلك فان عقيدة (المعركة البرية الجوية) عقيدة مكثفة بالنواحي القيادية بشكل واضح. وعلى اية حال، فان تبيان العلاقة ما بين هاتين العقيدتين، بمفهوم عملياتي، يعد عملية صعبة.
ان التصور لميدان المعركة المستقبلي لاي حرب على نظاق واسع، هو انه ميدان معركة متخم بالقتال والتدمير بشكل لم يسبق له نظير، ويتسم بخطوط المعركة غير الواضحة المعالم والاسناد الصارم. ليس هناك تحد بتجاوز القيادة في الاهمية، وفي الظروف الحالية للمعركة. وسيكون للتأثير الشخصي لقادة القوات المشتركة والموحدة الاثر الكبير وللجيوش الميدانية، تأثير كبير على نتائج المعركة والحملات العسكرية. وسيلعب القادة على المستويات الادنى ادوارا مهمة مماثلة في كسب نتائج الاشتباكات الاصغر التي تشكل بمجموعها المعارك.
تنطوي المبادأة (التي هي ضمن المعتقدات الاساسية في العقيدة العملياتية- سرعة الحركة، والعمق والتزامن) ضمنا على الروح التعرضية المقترنة بالقابلية على العمل بصورة مستقلة، ضمن التصميم العام للقائد الاعلى. وتعني القدرة على قبول المجازفة واستغلال الفرص عند سنوحها، باستخدام الابتكار بطرق تؤمن اسناد المهمة العامة. ولقد كانت المبادأة والابداع من السمات المميزة لجميع القادة الناجحين في التاريخ. وتستلزم المعركة البرية الجوية، المبادأة بحدودها القصوى، ولكن المسألة هي كيف يمكن تعليم المبادأة؟
يجب ان تكون لدينا بطريقة او باخرى، سرعة الخاطر للتفكير ضمن سياق اتخاذ القرار بالنسبة للعدو، واستقراء مؤشراته، والقيام بعملية اتخاذ قرارنا ومن ثم تنفيذ حركة مقابلة لجعل مناورة العدو غير مؤثرة، اذن، كيف يمكن تدريب القائد عالي الكفاءة وهيئة ركنه، بحيث يمكنهم خوض هذه المعركة وكسبها من خلال المرونة الذهنية والسرعة المادية؟
يعتقد، بان عمق ميدان المعركة هو امتداد العمليات. بمفهوم المسافة والوقت والموارد. وعلى اي حال فان هناك عناصر عمق في القيادة في عقيدة المعركة البرية الجوية. وان لكل قائد في الوقت الحاضر، دوره المباشر في ميدان المعركة الشامل. ويتطلب من قائد القدمات الخلفية ان تكون لديه نفس صفات الروح التعرضية وسرعة الحركة الذهنية، مثل قائد الصنوف المقاتلة في الامام. ويجب ان يكون لدى جميع القادة عمق اكبر في المعرفة
التقنية (الفنية) والتعبوية، بحيث يمكنهم الاستفادة التامة من التقنية العالية المتيسرة لمقاتلة العدو في جميع انحاء منطقة المعركة. وعندما يغيب القادة على اي مستوى في صفوف الخسائر، فانه يجب التعويض عنهم فوراً بمرؤوسيهم الاكفاء. والسؤال هو: كيف يمكن تدريبهم؟
ان التزامن يحمل معاني اكثر من مجرد تنسيق القوات والفعاليات. وهو يشبه عملية التوفيق للآلات الموسيقية في العزف، وهو تزامن فني يحق حصيلة نهائية اكبر من مجرد مجاميع اداء الاجزاء والقطع الموسيقية، ويصبح مقصد القائد على درجة اكبر من الاهمية. ويجب على جميع القوات ان تفهم هذا المقصد بشكل كامل لغرض تحقيق وحدة الهدف الضرورية لتحقيق النجاح.
والسؤال هنا: كيف يمكن تعليم القائد المستقبلي (فن التزامن)؟
يمكن للقيادة وحدها، تلبية متطلبات العقيدة العمليااتية، واطلاق امكانيات الجنود الشجعان ومنظومات الاسلحة الفتاكة لتحقيق النصر. وعليه، فانه يبدو بان دراسة موضوع القيادة، عنصر اساسي في دراسة عقيدة المعركة البرية والجوية ايضاً.
ان اي مركز تدريب للقيادة في اي قوات مسلحة، يرسم صورة لقائد المعركة البرية الجوية، ويطلب من الضباط الملتحقين الى دورة التأهيل لقيادة الفوج واللواء، الاجابة بمناقشات (مكونين على شكل زمر صغيرة) على ثلاثة اسئلة حول متطلبات القيادة المستقبلية.
وتؤمن هذه الاسئلة ومناقشتها منبرا صغيرا للمناقشة وتبادل المعلومات والاهتمام بالنسبة للمقبلين على تسنم مناصب القيادة. كما انها ترسم صورة مهمة ايضاً لمهارات القيادة، ومناخ القيادة الضروري، والواجبات التدريبية الضرورية لجميع القادة، وان هذه الاسئلة هي:
* ما هي في نظرك، مستلزمات القيادة الاساسية للقادة الثانويين في عقيدة المعركة البرية الجوية؟
* ما هي الواجبات التأهيلية التي يتطلب منك انجازها كقائد اقدم لتطوير القادة الثانويين/ المرؤوسين الذين يتمتعون بهذه الصفات؟
* هل ان الضغوط والسياسات والممارسات المعاهدية لزمن السلم الحالية، تمنعك من تنفيذ هذه الواجبات؟ واذا كان الحال كذلك؟ فماذا يمكنك العمل بصدده؟
وتختلف الاجوبة قليلاً من زمرة الى اخرى. وقد تحتلف الكلمات والتعبير، الا ان المفاهيم متشابهة بما فيه الكفاية لامكانية الاستنتاج بان اجوبتهم تشير الى مجموعة من العناصر الاساسية والحاسمة للقيادة.
وفيما يلي ملخص لمجمل التصورات الاكثر اهمية:
مستلزمات القيادة الاساسية
ما هي، في نظرك مستلزمات القيادة الاساسية للقادة الثانويين/ المرؤوسين في عقيدة المعركة البرية الجوية؟
ان ما يبرز عادة في مناقشات الزمر هذه، هو قائمة بالصفات التي يجب ان يمتلكها القائد المثالي. وان هذه الصفات هي المبادأة والحماس والكفاءة التقنية والتعبوية والتلقائية في قبول المجازفة، والاستقامة، والقابلية على العمل ضمن الفريق، والقابلية على الاتصال بوضوح.
ان هذه القائمة تكاد تكون تعجيزية ضخمة وهي تمثل بطرق عديدة الطراز الممتاز للقيادة. لكن درجة الوضوح التي برزت فيها هذه الصفات والمهارات لدى كل زمرة، تظهر مدى اهميتها.
1- المبادأة:
اننا نريد من قادتنا الاحداث ان يكونوا قادرين على العمل بصورة مستقلة، وان يظهروا الجرأة في ميدان المعركة، واننا نثمن قابلية التصور والابداع، بالاضافة الى المرونة في الاستفادة من الظروف السريعة التبدل او التغير.
والمعروف بالنسبة لقادتنا المستقبليين ان يكونوا حاسمين واثقين من انفسهم قادرين على اتخاذ القرارات الموثوقة. ولكن هناك ايضا تحذيرات واقعية تاتي مباشرة في اعقاب التطرق الى المبادأة. حيث يجب ان تتسم المبادأة بالفطرة السليمة. ولكن كيف يمكننا تعليم الفطرة السليمة.
من الطبيعي انه يجب على كل قائد ان يكون على بينة من نوايا قائده الاقدم وان يعمل ضمن ضوابط هذه النوايا. وحتى بالنسبة لاكثر القادة قدرة على الابداع، فانه يجب ان يكون مستعدا لتخويل سلطته والسماح بازدهار روح المبادرة بين مرؤوسيه.
2- الحماس:
يجب ان يكون قادتنا المستقبليون قادرين على مواجهة جميع التحديات بروح التفاؤل، باظهار الحماس وبثه في الاخرين للتغلب على المعضلات. وان الحماس محفز قوي، ويمكن ان يكون الحد الفاصل بين الفشل والنجاح.
3- الكفاءة التقنية والتعبوية:
ان احد التحديات الاكثر الحاحا بالنسبة لقائدنا المثالي، هو كونه المسيطر الرئيسي للمنظومات والسياقات التقنية في الجيش، بالاضافة الى المهارات وفن الحرب. ويجب عليه ان يكون مديرا للموارد وقائدا للجنود بنفس الوقت. وفي الوقت الذي لا يطلب منه بالضرورة ان يكون خبيرا متمرساً في كل منظومة سلاح، الا انه يحتاج الى معرفة امكانيات واستخدام جميع الوسائل المتيسرة لانجاز المهام. وفي الوقت الذي قد لا يكون فيه الشخص الاكثر لياقة بدنية، الا انه يجب عليه قطعا ان يضرب المثل القدوة لكل شخص تحت قيادته. ويجب ان تشمل المعرفة الوظيفية معرفة بالاشخاص وكيفية تحفيز الاتباع، وهي مماثلة في الاهمية للمعرفة باستخدام اية منظومة اسلحة.
4- التلقائية في قبول المجازفة:
اننا نريد من قادتنا الاحداث، ان تكون لديهم الشجاعة الكافية لوضع انفسهم في المواقف الخطرة، سواء كان ذلك في مواجهة الاخطاء المادية، ام الاخطار المتعلقة بمسيرة خدمتهم. وينبغي ان لا يكون ذلك بشكل نزعة مشهورة، وانما بشكل تلقائي لتوخي الصواب بدلا من المنفعة الشخصية.
5- الاستقامة:
ان الركن الاساسي في اخلاقية الجيش المحترف، كان ويجب ان يبقى ممثلا في الاستقامة الفردية لجميع القادة، ويجب ان يتسم قائدنا المستقبلي بصفة القابلية على اتخاذ القرارات الصارمة، في حين يبدي اهتماماً حقيقياً بالجندي الذي يقوده ويخدمه.
6- القابلية على الاتصال بوضوح:
يجب ان يكون القائد المثالي قادراً على الاتصال بوضوح وتفهم نازلا وصاعدا ضمن سلسلة القيادة. ويجب ان يكون قادراً على تزويد المأفوق بصورة متكاملة لموقفه، بينما يكون قادراً ايضاً على ايصال نوايا المقر الاعلى نازلا الى المرؤوسين بطريقة مثالية محفزة ومعبرة.
ان جميع هذه الصفات والمهارات المرغوبة في القيادة العسكرية، تتسم بالبساطة الا انها الزامية، لان بساطتها تتعلق بصميم الامور التي يمكننا تسميتها بالمستلزمات الاساسية للقيادة في اي ميدان معركة مستقبلي.
لذا، فانه يجب علينا اظهار المقدرة المهنية والتقنية التي نريد من الآخرين ان يقلدونا بها. وعلينا ان نتصرف باستقامة وثبات، والشيء الاكثر اهمية هو انه يجب علينا ان تظهر الثقة التي لدينا في مرؤوسينا والتي هي عامل حيوي في تنميتهم وتطويرهم.
7- طلب ومكافأة المبادأة:
لقد قيل الكثير حول المبادأة، ومع ذلك، فاننا كثيرا ما نفشل في تطويرها، واذا ماكنا حديين في طلب المبادأة، فانه يجب علينا ان نشجع عليها ونكافئ من يظهرها. ويمكننا خلق روح المبادأة عن طريق تشجيعها وتنميتها فقط.
8- تحديد المستويات ووضعها موضع التنفيذ:
ان علينا مسؤولية ازاء قادتنا الاحداث، فيما يتعلق منا ايضا غربلة القادة غير اللائقين منهم، الذين لا يمكنهم تلبية هذه المستويات. ويتطلب منا استخدام اسلوب الثواب والعقاب وحسب ما يكون ذلك ملائما لتثبيت وادامة مستويات عالية.
9- التعليم والتعليم:
يجب علينا ان نصبح المعلمين الخصوصيين لقادتنا المرؤوسين. ويتطلب منا التركيز على الامور الاساسية وجعلهم ينفذونها بصورة صحيحة، الا انه ينبغي علينا ان تتحلى بالصبر والتسامح اثناء التعليم. وينبغي
عمل حساب للاخطاء، الا انه يجب عمل حساب الوقت اللازم لتطوير القادة وتحصيلهم على الخبرة الضرورية. وان من المهم ايضاً تعليمهم (كيفية التفكير) بالاضافة الى المهارات الاساسية، وزرع روح الثقة بالنفس بتعزيز فرص النجاح.
12 ــــــ تخويل الصلاحيات :
نحتاج الى التعود على استخدام اسلوب تخويل الصلاحيات ، ومن الضروري بشكل مماثل ، تدريب سلسلة القيادة على ذلك . ويمكننا ان نأمل في تعلم المرؤوسين كيفية استخدام الصلاحيات عن طريق المرونة فقط في قيود سلسلة القيادة . وكما تطرقنا انفا الى قبول المجازفة ، فانه يجب علينا تفادي اتباع المركزية كوسيلة لتفادي وقوع الاخطار . ويجب ان يتسم التدريب بالابتكار بالاضافة الى الواقعية . وكما هو الحال في القتال فانه ينبغي وضع الخطط بشكل مدبر ومن ثم تنفيذها بحماس . وينبغي ان يكون هناك تركيز مكثف اثناء التدريب وتمارين الميدان على تطوير القادة الاحداث .
* السلبيات
هل ان الضغوط والسياسات والممارسات المعاهدية لزمن السلم الحالية. تمنعك من تنفيذ هذه الواجبات، واذا كان الحال كذلك. فماذا يمكنك عمله بصددها؟
ان هذا هو السؤال الاساسي، الذي تجيب عليه الزمر بشكل ثابت. كلا اننا لسنا ممنوعين من القيام بواجباتنا، الا ان هناك بعض السلبيات التي يتطلب منا معالجتها.
ان الاضطرابات والنواقص في موجود الافراد له تأثير سلبي على بناء وتماسك الجماعات، وكذلك بالنسبة للوقت المتيسر لتطوير القادة الاحداث.
ان الطموح، ونظام البطاقات المثقبة، او مهنة التسلق تعتبر حجر عثرة امام الولاء والعمل كفريق. ان تدخل المسؤول او المقر الاعلى، غالبا ما يؤدي الى الاخلال بجدول الاعمال. كما يؤدي سوء الاستخدام او الافراط في استخدام الاحصائيات احيانا الى خلق جو من المنافسة غير السليمة والى فقدان الغاية التي نتوخاها في تحديد الاسبقيات. وان ذهنية تصغير الاخطاء التي ما تزال موجودة لا تعطي اذناه للاخطاء، حتى اثناء التعليم، وان الآمرين الضعفاء او الجبناء غير قادرين على ان يكونوا مصدرا للحرارة بالنسبة لمرؤوسيهم.
ان توزيعات زمن السلم للوحدات غير متماثلة لما هي عليه في خطط الحرب، وان هذا يجعل الكثير من الوحدات وبخاصة وحدات اسناد الخدمات القتالية، غير قادرة على التدريب بالطريقة التي ستحارب بها.
وقد تكون الاسبقيات احيانا غير مخصصة بدقة او ان هناك عدم توافق ما بين الاسبقيات المثبتة والاسبقيات التي يجري القياس عليها من قبل المقر الاعلى خلال الفعاليات الاعتيادية اليومية. وان عدم الكفاءة على المستويات المختلفة تؤدي الى التهام اموال الموارد الشحيحة التي يحتاج اليها للتدريب.
ان الافكار السابقة حول نوعية القائد الذي سنحتاج اليه في جيش المستقبل، والطريقة الافضل لتطويره او تطويرها . وردت حصيلة لمناقشات ساعات عديدة، ومتعددة، مع بعض من قادتنا الاكثر تأهيلا وتفاؤلا. وقد
جرى عرض هذه الافكار كطريقة للتوصل الى معالجة افضل حول عقيدة القيادة التي نحتاجها لتنفيذ مخطط عقيدتنا العملياتية. وقد تبدو هذه الافكار الموجزة للكثير من القراء والمتخصصين بانها مجرد عرض لامور واضحة، وربما يكون ذلك صحيحاً. الا ان هناك رسالة ضخمة، تكمن تحت بساطتها الظاهرية، حول خلق المناخ والجو الضروريين لاطلاق الامكانية الكاملة الكامنة لدى قادتنا الشبان الصاعدين، وان عملية تطوير القادة الافضل، هي اكبر من مجرد هدف جدير بالتقدير، وانما هي عنصر حاسم في عملية الاستعداد للحرب. واننا بذلك نهيء العنصر الاكثر حيوية في قدرتنا القتالية- عنصر القيادية الكفوءة الواثقة.
ـــــــ الفت نظر القارىء الكريم الى اني للاسف لم اجد ضمن ارشيف ترجماتي نص الدراسة الاصلي بلغته الاجنبية حتى اتمكن من باب التوثيق ايراد اسم المطبوع المنشور فيه ورقمه وتاريخه كما هو متعارف عليه في الكتابة المنهجية التي احرص عليها .