كان من الممكن جدا أن يقيم الأكراد دولة لهم لولا إرتكابهم لخطأين قاتلين .. الأول عدم كسبهم للوقت وبقائهم ينتظرون حتى سقوط بغداد .. الخطأ الثاني وهو الأهم أن القيادة الكوردية لا تنظر إلى جميع الإتجاهات بالتساوي ! والعقيدة الكوردية تبقى قريبة جدا من عاطفة الإنفصال عن البلدان التي يتواجد بها الأكراد كالعراق وسوريا وإيران وتركيا .. هذه البلدان المتجاورة يعتبرها القوميون الكورد تواجدهم الشرعي الذي قطعته السياسات والحروب وحولتهم تحديدا إلى أقليات عانت في هذه البلدان الأربعة منذ سقوط الدولة العثمانية من ظلم وإستعباد وقهر وتشريد وتضييع متعمد للهوية الكوردية كما تناقل هذه الفلسفة المثقفون والأدباء والسياسيون الأكراد منذ عشرات السنين .. في تركيا وإيران وسوريا ذاب الأكراد في تلك المجتمعات ، فتلك الدول لا تعترف أصلا بوجود قومية كوردية ولا يحق حتى التحدث بلغتهم رغم الثورات والتمردات المتعددة التي جوبهت بالحديد والنار والرفض من السلطات وتباين العقائد والسياسات وبخاصة في ايران .. فإيران أعلنت فيها أول دولة كوردية بعد سيطرة الحلفاء على الأراضي الإيرانية وتغيير السلطة وقتئذ .. هذه الدولة التي أعلنت في عام ١٩٤٦ في أقصى شمال غرب إيران وعاصمتها مهاباد لم تستمر سوى أحد عشر شهرا رغم الدعم الروسي لها ( السوفيتي آنذاك) لكنها غرزت في عقول الإيرانيين المناوئين والمعارضين جدا لإقامة دولة كوردية داخل دولتهم عقيدة غير محايدة وقاسما مشتركا ومتوارثا للحكومات المتعاقبة بالتصدي لأي فكرة لإقامة مثل هذه الدولة، وهو ما كانت قد أقدمت عليه دولة أتاتورك القومية العلمانية أيضا في تحديد هوية الشعب التركي بالقومية التركية فقط ومنع أية مظاهر ثقافية أو أدبية أو لغوية أو إجتماعية من شأنها تذكير الأكراد الساكنين في تركيا بحقوقهم المشروعة وهو ما يتطابق تماما مع واقع الأكراد في سوريا ونجاح الأنظمة المتعاقبة للحكم بعد عام ١٩٤٨(الحرب العربية – الإسرائيلية ) في إذابة أكثر من ثلاثة ملايين كوردي في دوامة عرقية وأثنية لم يصح منها الأكراد السوريون إلا بعد الحرب الأهلية الدائرة الآن .. في العراق الأمر يتناقض كليا .. فالحكومات العراقية منذ العهد الملكي وحتى عام ١٩٧٠ عانت من حركات التمرد الكوردية في العراق والتضحية بآلاف الأبرياء من الطرفين وعدم إقتناع الكورد بأي حل .. في عام ١٩٧٠ ولأول مرة في تأريخ المنطقة.. تم الإتفاق على إعلان الحكم الذاتي لإقليم كوردستان الذي يضم محافظات أربيل والسليمانية ودهوك وأجزاء من محافظتي ديالى والموصل .. لكن الإعلان لم يدم طويلا إذ ما لبثت العلاقات وأن توترت بين الطرفين وأعيدت العمليات العسكرية بدعم كبير من النظام الشاهنشاهي الإيراني .. هذه الحرب كلفت العراق كثيرا، فالأكراد أوشكوا على إسقاط كركوك التي كان الكورد وسيبقون يعتبرونها العاصمة الحقيقية لدولتهم .. ورضخت الحكومة العراقية للشروط الإيرانية في تقاسم السيطرة على شط العرب مقابل توقف دعم وإسناد الإيرانيين لقوات ملا مصطفى البارزاني ! بعد الإتفاق الذي عقد عام ١٩٧٥ في الجزائر وخلال أيام معدودات عادت فصائل البيشمركة إلى مخابئها ومقراتها في الجبال .. منذ عام ١٩٧٥ وحتى سقوط الشاه في عام ١٩٧٩ سيطرت القوات العراقية وفرضت سيطرتها التامة على إقليم كوردستان حتى عام ١٩٨٠ وإندلاع الحرب
( العراقية – الإيرانية ) أعيد الدعم الإيراني للأكراد رغم سقوط الشاه واستلام السلطة من نظام خميني عام ١٩٧٩.. بقي الأكراد يقاتلون القوات العراقية رغم انشغالها بواحدة من أطول حروب القرن العشرين مع الإيرانيين والمحاولات المتكررة للوصول الى حل مرض للطرفين
( الكوردي – العراقي ) الذي وصل ذروته بعد الوصول إلى إتفاق بين القيادة العراقية وجلال الطالباني في عام ١٩٨٤ لم يدم أيضا وإستمرت الحرب الداخلية حتى بعد توقف الحرب بين العراق وإيران .. الأكراد كسبوا تعاطف العالم معهم وبخاصة بعد أحداث حلبجة .. ووصلوا إلى ذروة الدعم الدولي في عام ١٩٩١ بعد إتخاذ قرار من مجلس الأمن بتحديد منطقة حماية دولية لإقليم كوردستان ومن ثم تخصيص نسبة من الميزانية المخصصة لمذكرة النفط مقابل الغذاء والدواء في عام ١٩٩٦ هذه الفرصة التاريخية فوتها الأكراد ولن تعود أبدا لأنهم كانوا من الممكن جدا أن يعلنوا دولتهم بدعم العالم أجمع وبلا أي إعتراض من دولة إقليمية ! الآن إذا أراد الكورد إعلان دولتهم فعليهم الحصول على موافقة العراق أولا ومن ثم حليف العراق القوي إيران وتركيا وانتظار نتائج الحرب السورية والأهم الإتفاق داخل البيت الكوردي على كلمة واحدة هذه الشروط لا يمكن تحقيق أي منها فالعراقيون إذا وافقوا على إقامة دولة كوردية عليهم أن يتهيأوا لحرب طويلة الأمد لاستعادة ما سيطر عليه الكورد بعد تحرير الموصل من داعش والإيرانيون لا يمكن لهم حتى التفكير أو مناقشة هذا الأمر لأن إقامة دولة كوردية في العراق سيبدأ بإشعال نار خامدة بين صفوف الكورد الإيرانيين .. وتركيا لديها رد دستوري رافض لإقامة أي إقليم أو دولة كوردية .. نبقى ننتظر معا أمرين كي نفكر بعدها برغبة الأخوة الأكراد في إعلان إستقلالهم عن العراق .. الأول مصير الأكراد السوريين وإحتمال إعلان أو عدم إعلان دولة لهم والثاني بتغيير الموقف الأمريكي من القضية الكوردية الذي تحول من داعم ومساند ومؤيد لرغبات القيادات الكوردية إلى مراقب محايد ينتظر العودة إلى بلاده بعيدا عما يجري من أحداث قلبت موازين وخطط السياسة الأمريكية وجعلت الأمريكيين يؤمنون أن دخولهم إلى العراق خطأ كبير قد يكلفهم الكثير فلابد من الابتعاد عنه.. كلمة واحدة .. الأكراد كانت لديهم فرصة للاستقلال لن تتكرر أما إذا أعلنوا انفصالهم في ظل هذه الظروف فقد تستمر دولتهم أحد عشر دقيقة وليس أحد عشر شهرا كدولة مهاباد الكوردية .. ولله الأمر