القيادة معناها التحكم في المواقف ، أي التحكم في الناس في النهاية بقرار له سلطة الألزام على الآخرين ، مثل القبطان الذي يبحر مع السفينة في مسيرتها وطاقمها وتكون قراراتهم ملزمة التنفيذ للوصول بدقة وسرعة وتعيين خط السير ويتحكم في ركابها طول الطريق المرسوم لكل واحد منهم ، ليس من الممكن في الحاضر، قيام المؤسسية بتعميق جذورها في المجتمع في غياب الوعي الاجتماعي وسيادة ثقافة لا تؤمن بالحرية والعمل الجماعي وتعترف بأهمية الدور المجتمعي ، وتعارض في الوقت ذاته السيادة الفردية كمبدأ في الإدارة والحكم. إن القیادة الفردیة تعني في عمقھا انه لا یمكن ممارسة المركزیة على جمیع المستویات إلا بین یدي فرد معین او مجموعة معينة یصیر بسبب ذلك المركز المصدر لكل شيءويعمل وفق ما يحقق مصلحة فردية أو مصلحة نخبة حاكمة، وليست بالضرورة أهداف أمة. لذلك يحرص القائد على إخفاء النتائج التي تتحقق من وراء هذه الأهداف والتي لا يجني منها الشعب شيئا يذكر ،فھو الذي یقرر ما یراه مناسبا لھا فیما یخص ما یقوم بھذا الإطار الذي یقوم بقیادتھا، سواء كانت دولة أو وزارة أو إدارة أو منظمة رسمیة أو غیر رسمیة أو حزبا أو نقابة أو جمعیة، و ھو الذي یوظف الأجھزة المكونة لذلك الإطار لتنفیذ القرارات، يعني تجد المجموعة المقادة أمام قیادات لا دیمقراطیة، استبدادیة، أو بیروقراطیة لا ترغب أبدا في التعامل مع الرأي الآخر، سواء كانت قیادات للدول أو قیادات للمنظمات الرسمیة، أو للأحزاب السیاسیة أو للمنظمات النقابیة أو للجمعیات. و مھما یكن، فإن القیادات الفردیة تلغي كل شيء إلا نفسھا.
ومن هنا فالقيادة بشكل عام تعني أمرين أساسيين لا بد من توفرهما وهما القائد والقرار الملزم التنفيذ ، قد يكون القائد هنا فردا بعينه وقد تكون مجموعة من الأفراد المتساوين في الحقوق والواجبات ، ولذلك فالقرار القيادي قد يكون قرارا فرديا بحتاً وقد يكون قرارا جماعيا هشاً.
و تجد غياب تام لوجودها على كافة المستويات في الكثير من بلدان العالم وفي قيادة تحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية وفي قيادة مؤسسات الدولة الرسمية التشريعية والتنفيذية والقضائية على مستوى الدولة في قيادة العملية السياسية ، لتسلط القيادات السياسية الفردية في إدارة وتوجيه مؤسسات الدولة الرسمية والكتل البرلمانية والأحزاب والحركات السياسية ، ولذلك فشلت هذه القيادات فشلا ذريعا في بناء دولة القانون والمؤسسات الدستورية كما ينبغي ان تكون ، وأصبحت سلطة مسيسة ومنحازة لطرف دون الآخر وخاضعة لأرادة بعض القوى السياسية المتنفذة .ومن هنا نجد أن كل الثورات تأكل رجالها، ولا توجد ثورة في العالم لم يتماحق قادتها ويتفرد بالسلطة أو القوة وقرار فرديٌ واحد، وهذه حالة سلوكية بشرية عامة وتعتمد على المواصفات الشخصية والظروف الموضوعية التي تتفاعل لتدفع بأحدهم إلى المقدمة، وتوَفّر له الآليات للقضاء على الذين كانوا معه وتفاعلوا من أجل إنجاح الثورة. اما القيادة الجماعية الإيجابية المستندة إلى قيادة حقيقية والتي لا تكون لجهة دون اخرى ولا تكون طائفية، او عائلية، او مناطقية، او عرقية، أو عشيرة،او لشيخ و دلت تجارب التاريخ الأنساني عبر مسيرته الطويلة على أن القرارات التاريخية المتعلقة بمصائر الأمم والشعوب تبقى خالدة بمرجعيتها التي يهمها مصالح الشعب بأطيافه ولا تعرف الاستبداد والفوضى ، وقراراتها تضمن تثبيت وتوطيد المصالح ولا تعيق الإبداع الفردي. بل إنها تطالب بنموذج للقيادة تعمل على إطلاق القدرات الكامنة لدى الفرد بما يضمن خير وسعادة الجميع وابعد ماتكون عن القيادة المتسلطة كونها تعمل من اجل بناء المجتمع وسعادة ابناءه والعمل من اجلهم ومستقبلهم ومستقبل ابنائهم بعكس القيادة المتسلطة الاستبدادية فهي تعتمد استثارة التهديد والوعيد لأيجاد دوافع العمل .
والقيادة االجماعية الصالحة تعمل لخلق فرص التطور والنمو في إطار السلم الأهلي والأمن والإستقرار وزرع عوامل الخيربالتشجيع والتهذيب والذي هو أهم واجباتها وتكون أهداف القائد هي نفس أهداف شعبه، ولن يستطيع القائد أن يدس هدفا شخصيا أو أن ينحرف أثناء تنفيذ الأهداف العامة لتحقيق هدف شخصي، لأن وعي الشعب وإدراكه أكبر من أن يسمح له بذلك. ومن هنا يكون دور القائد دورا تنسيقيا يتسم بالشفافية والتوجه المباشر نحو الأهداف المرسومة. هذا بالضبط هو ما يحصل في الطبيعة ويكون أكثر تجليا في عالم الحيوانات المهاجرة، إذ يقودها قائد نحو هدف يتفق عليه الكل، فلو تردد القائد دفعوه، او تراجع تركوه، او مات استبدلوه، فما عليه إلا أن يمضي دون تردد مهما كانت العقبات لأن الشعب وراءه. والقيادي المثالي هو الذي يتفق مع توقعات وأماني وخبرات جماعة معينة في ظروف معينة، وأن القيادة الصالحة هي القيادة القريبة من الواقع، وممارسة القيادة تتطلب أن يكون القائد قادرًا على إدارة وقته, ولديه القدرة على التأثير في سلوك الجماعة، وأن يكون لديه القدرة على رؤية التنظيم الذي يقوده،وقادرًا على التفاهم مع جميع أفرادها.
والملاحظة المهمة ان في القيادة الجماعية عدد المشاركين لا يكفل بحد ذاته جماعيتها الحقيقية وجماعيتها الفعلية كما شاهدنا في التجارب التاريخية المعاصرة للأمم والشعوب في العالم حيث كانت كثيرة العدد شكليا ولكنها فعليا وعمليا لم تكن جماعية بل كانت فردية خالصة بأمتياز بل أكثر من ذلك فردية متسلطة ومستبدة تفوقت في إستبدادها وقمعها وطغيانها وإرهابها لشعوبها