كانت الفرصة سانحة للسيد الشهيد الصدر الاول (قدس سره) ان يخرج من العراق، بعد ان ضيق النظام الحاكم الخناق عليه، فكثير من طلابه ومريديه تمكنوا من الخروج الى خارج العراق. وقد عرض عليه بعضهم مغادرة العراق والتوجه الى ايران، الا انه رفض وبشكل قاطع هذا العرض.
لعل هناك من يتصور ان الخروج من البلد الذي يهيمن عليه الحاكم الظالم هو الحل الوحيد، وهناك من يعتقد ان الهروب إلى بلد اخر هو قمة الشجاعة ومنتهى البطولة!
والحقيقة ان الخروج من البلد الذي يهيمن عليه الحاكم الظالم ليس هو الحل الوحيد، بل انه الحل الاخير، هذا مع علمه بان خروجه لا يؤثر على استمرار الحركة الاسلامية. ولو علم بان خروجه يؤثر سلبا على الحركة الاسلامية ــــ أي ان الحركة الواعية تنتهي في المكان المعين بسبب تركه له ــــ فالشهادة هي الحل.
والهروب إلى بلد اخر ليس فيه من الشجاعة شيء اذا كان يقدم نجاة نفسه على حساب استمرار الحركة الاسلامية الواعية اذا كانت الحركة متوقفة عليه. فالمكوث ومواجهة الظالمين هي الشجاعة، لان المكوث في البلد الذي يكون في قبضة الحاكم الجائر هو الاصعب .
ان البقاء في البلد الواقع بيد الحاكم الجائر يتطلب من القائد اتخاذ طريقة مثلى للتعامل مع الظروف المحيطة به؛ لان المطلوب منه ان يقود المجتمع ويحصن الامة من المسير مع هذا الظالم وتكامل الامة نحو تغيير الواقع المر الذي يعيشه وهو الخلاص من الظلم.
ولا بد ان يمتاز هذا القائد بدراسته لسيرة الائمة المعصومين (عليهم السلام) بشكل دقيق ومفصل كي يتمكن من اتخاذ الموقف الصحيح مهما كلف ذلك من خسائر.
قد يقول قائل ان الذي يغادر إلى بلد اخر يشعر فيه بالامان انما يريد الحفاظ على نفسه وعلى ما يحمل من علم ؟
قلنا: ان القائد الواعي والحكيم يحسب الامور ويدرسها بدقة، ولم يقتصر بدراسته على الوضع الاني وحسب، بل يلحظ في اتخاذ المواقف تأثيراتها المستقبلية، ولا بد ان يشارك في صناعة المستقبل.
وخير مثال هو رسول الله (صلى الله عليه واله) عندما بنى شخصيته منذ نعومة أظفاره على ان يكون عند الناس شخصية مقبولة محترمة من الجميع؛ لان المستقبل متوقف على مدى تأثيره على الاخرين، لذا فانه اول ما دعا عشيرته قال: اولست انا الصادق الامين؟
والمثال الاخر، المواقف التي جسدها علي بن ابي طالب (عليه السلام) منذ بدء الدعوة الاسلامية لتكون حجة على من رفض قيادته بعد الرسول (صلى الله عليه واله)، وثبتت هذه المواقف انه الوحيد المؤهل للقيادة. فأنظر كيف ان القيادة تنظر للمستقبل وكل ما يحتاجه القائد كي يكون قائدا للامة.
وكل الائمة (عليهم السلام) لم يمكنوا الحكام الظلمة من العثور على أي دليل يدينهم، على الرغم من كثرة الثورات التي قامت ونادت بالطلب بثأر اهل البيت (عليهم السلام) وبعدها بالرضا من ال محمد. فكانت السلطات تداهم بيوت الائمة وتستدعيهم، ليحاولوا ان يجدوا ما يبرر ارتكابهم لاي جريمة يريدون القدوم عليها. الا انهم متأكدون من عدم حصولهم على أي دليل يدين الائمة (عليهم السلام). على الرغم من الاعمال الجليلة التي كان يقوم بها الائمة (عليهم السلام) لكشف وتعرية الحكومة الظالمة.
فقيادة الامة في هذا الزمن لا بد ان تفكر بطريقة تحافظ بها على وجودها لنفع المجتمع، ولو خلت الارض من الحجة ساعة لساخت بأهلها.
لم يخرج السيد الصدر الاول (قدس سره) من العراق ليقينه انه الحجة على الناس بعد المعصوم (ع) ، ولا يمكن لاحد ان يقوم مقامه، فحرم على نفسه ترك المؤمنين تحت طائلة المجرمين وينجو بنفسه. وقد تمكن من السير بمنهج يتمكن من خلاله الحفاظ على نفسه، ويبعد ايدي الظالمين من النيل منه، لكن بين تخاذل بعض طلابه الذي يعول عليهم، والموقف السلبي الذي تبنته الحوزة الكلاسيكية تجاهه، ووصول الرسالة التي بثت على اذاعة طهران الناطقة بالعربية، كلها اعطت الذريعة للنظام الحاكم لقتله هو وشقيقته العلوية. لانه ظل وحيدا لم ينصره الا بعض الكسبة والقصابين.
قد يقول البعض ان هناك من بقي في العراق وحافظ على نفسه من بطش النظام، وهم مراجع كبار؟ الا يكفي وجودهم ويسقط عنه التكليف بالبقاء؟ قلنا : ان المقصودين لا يمثلون الخط الرسالي الناطق، وانما هم من المدرسة الاخرى، وبطبيعة الحال هم ليس الحجة على الناس، انما الذي يكون حجة على الناس من يجسد سيرة اهل البيت (عليهم السلام) بحق. فالمدرسة الكلاسيكية او الساكتة لا تقوم بكل الادوار المناطة بها، بل هي قاصرة عن الوصول الى المستوى المطلوب. والنتيجة فانها لا تحرك ساكن وستترك المجتمع لقمة سائغة بيد الظالمين، فقد رأيناها تتخذ من السكوت والانزواء واللامبالاة في حالة الرخاء وعدم وجود خطر يداهمها، فكيف بها اذا شمت رائحة خطرا ما يهدد وجودها، وهي موجودة لتبقى لا لتضحي وتبني مجتمعا صالحا.
واذا فرضنا ان كل القيادات الحركية التي كانت موجودة قبل سيطرة النظام وفرض هيمنته على الجميع قد هربت من العراق خوفا من بطش النظام، فالنتيجة خلو الساحة من القيادة . فأين يكون مصير المجتمع باجمعه؟ خصوصا ان هذا النظام الحاكم الظالم سيفرض عليه حصارا ثقافيا، فهل يبقى هذا المجتمع فيه من يهديه ويرشده لطريق الصواب؟
ولذلك بعد ان اندلعت الانتفاضة الصدرية في 17/3/ 1999 م في البصرة ومعظم المحافظات العراقية، وبعد ان قمعها النظام السابق والقي القبض على الكثير من الشباب الرسالي ورجال الدين، حاول جهاز الامن والمخابرات ان يستحصلوا وينتزعوا اعترافا من رجال الدين لادانة الشيخ اليعقوبي(1). فكانت اسئلتهم منصبة على معرفة الداعم لهم بالاموال اهو الشيخ اليعقوبي؟ وهل لديه ارتباطات خارجية؟ وغيرها من الاسئلة. وقد شعر رجال الدين الذين تم التحقيق معهم بهذه الطريقة ان الاجهزة الامنية تحاول بشتى الوسائل ان تدين الشيخ اليعقوبي لانهم شعروا بالخوف من عدم ورود اسمه باحد الاعترافات، وهم يدركون يقينا ان الشيخ اليعقوبي هو العنصر الاساسي وراء كل حركة تجري في الساحة العراقية. وقد حاول ضباط الامن في اثناء التحقيق ان يرغموا بعضهم على الاعتراف بان الشيخ اليعقوبي له يد بما حصل من مواجهة مسلحة وعمليات اغتيال طالت الكثير من المسؤولين والشخصيات الحكومية. ولانهم كانوا يعتقدون بان الشيخ اليعقوبي باتباعه طريق معين يشكل خطرا عليهم. ولم تكتف الاجهزة الامنية بمحاولة انتزاع اعتراف ضده، بل اصدرت امرا لمراقبة تلفون منزله علهم يتمكنون من التوصل لما يمكنهم من اعتقاله(2).
الا انهم لم يتمكنوا من انتزاع أي اعتراف يدينه، والسبب ان الشيخ عرف كيف يحفظ للامة قيادتها حتى لا تخلو الارض من حجة ظاهر مشهور، وكان مدركا لدوره المناط به لقيادة الامة، ولم يمكن اجهزة الامن في الحكومة العراقية من امساك أي شيء ممكن ان يستخدم دليلا ضده واعتقاله لايقاف حركته باتجاه اصلاح الامة.
وقد قال الصدر الثاني : ان بقائي في العراق اعلم جاري سورة التوحيد افضل من جبال من الاعمال خارج هذا البلد.
قال الصدر هذا؛ لانه كان ملتفتا إلى ان العراق في بعض الاوقات قد خلا من العلماء الذين يحافظون على الامة من الضياع والتشتت والتشرذم. لكن هذه القيادة التي تبقى تعيش في جو يسوده الظلم والطغيان يجب ان تتعامل كما قلنا بطريقة تختلف عن الوضع الطبيعي، والهدف الاول من عدم الخروج إلى بلد اخر هو هداية الناس. وخير ما يستدل به على ان القيادة يجب ان يكون تعاملها مع الظروف المحيطة بحذر شديد، هو دور بعض الائمة (عليهم السلام) في دعم بعض الثورات العلوية (رغم ان كل الثورات الاصلاحية التي كانت تنفجر في وجه السلطات الحاكمة كانت تنطلق من تعاليم اهل البيت في رفض الظلم والطغيان والاستبداد والثورة عليه ووجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والاصلاح بكل الوسائل حتى المواجهة المسلحة بحيث ان الامام(عليه السلام) كان يقول (لوددت ان الخارجي يخرج من آل محمد وعليّ نفقة عياله) الا ان السلطات التي قمعت تلك الثورات بقساوة لم تستطع ان تحصل على أي دليل يثبت ارتباط الائمة(عليهم السلام) بهم حتى اشد القادة قسوة كمسلم ( الذي سموه بعدئذٍ مجرم) ابن عقبة المري الذي قاد جيش يزيد بن معاوية لقمع ثورة الصحابة والتابعين في المدينة وابادهم في واقعة الحرة واستباح نفوسهم واعرافهم واموالهم لم يستطع ان يمس الامام السجاد (عليه السلام) بسوء.
اعلان الائمة(عليهم السلام) ما يشعر تنصلهم من تلك الثورات وعدم تأييدهم لها كالاخبار عن انتهائها بقتل اصحابها وعدم الجدوى منها بمعنى عدم قدرتها على ازالة الحكام المعاصرين لكن الثوار يعلمون ان الهدف الذي يريدونه هو ايقاظ الامة وشحذ همتها وابقاء جذوة الحق في نفوسهم والاصلاح والامر بالمعروف والنهي عن المنكر اما ازالة الحاكم وغيرها من النتائج فهي بيد الله تعالى مسبب الاسباب ومنتج النتائج فلم يكونوا يفهمون هذا الموقف من الائمة(ع) بإخبارهم بمقتلهم مانعاً منهم(ع) عن الثورة بل هو الى التعاطف معهم اقرب كما تشهد الرواية بوقوف الامام الصادق(ع) يبكي وهو يرى جلاوزة المنصور يركبون بني عمه من ذرية الامام الحسن(ع) ورسالته الى بني الحسن في السجن رغم انه(ع) بين لهم هذه النتائج في الاجتماع الذي عقده الهاشميون من علويين وعباسيين قبيل انهيار الدولة الاموية وكان من بين الحضور الامام الصادق(ع) وعبد الله المحض شيخ بني الحسن(ع) وابو جعفر المنصور وطالبوا بمبايعة محمد النفس الزكية بن عبد الله المحض فأخبرهم الامام(ع) بمقتله وان الخلافة ستصل الى ابي جعفر فلم يفهم الثوار إذن هذا الكلام من الامام مانعاً عن حركتهم وان بدا هكذا امام الحكام.
عدم الاحتفاظ باي وثيقة او رسالة تتصل بشؤون السلطة او سلاح وكانت قوات السلطة تداهم باستمرار دور الائمة ويطالب الحاكم بان يفتش بيت الامام وياتي به على الهيئة التي يجده عليها جلاوزته فلا يجدون في الدار غير المصلاة والمصحف والمطهرة)(3).
فلم يثبت على أي واحد من الائمة (عليهم السلام) أي اثبات او وثيقة تثبت دعمهم للثورات العلوية . وهذا يلزم القيادة وان كانت في زمن الغيبة ان تحافظ على وضعها الامني والاجتماعي لكي تبقى لقيادة المجتمع، والضغط على الحكام الظلمة.
قد ينطلق بعضهم لترجيح الخروج من البلد الذي يهيمن عليه الحاكم الظالم من الاية المباركة {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً }النساء97
وقد حاول الكثير ممن ترك العراق وذهب الى بلد يأمن فيه على نفسه وعياله، ان يروج الى مسألة ضلل بها كثير، وهي ان كل من بقي من علماء داخل العراق ولم يتركوه فانهم موالون للنظام البعثي، ولم يبق في الحوزة الا بعثي. وقد نسي ان الذي حفظ دين هذا البلد هم من بقي من قادة حركيين، ولم يسهم من خرج من العراق في تحقيق أي شيء، فكثير ممن كان ينتسب للمعارضة اصبح مواليا للصدر الثاني، فأشعاعات قيادة الداخل وصلت لمن هو خارج العراق، فأين كانت عنهم قياداتهم؟ فضلا عن انشغال من خرج بترتيب شؤونهم الخاصة، واللقاءات الروتينية ليس الا.
قلنا: ان هذا التطبيق والفهم لهذه الاية لا ينطبق على موضوع الخروج بالنسبة للقيادة وانما هناك اكثر من معنى للمستضعفين ورد على لسان الائمة (عليهم السلام):
اولا: فقد وردت الروايات التي تفسر هذه الاية:
عن علي بن سويد ، عن أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) قال : سألته عن الضعفاء ، فكتب إلي : الضعيف من لم ترفع إليه حجة ولم يعرف الاختلاف ، فإذا عرف الاختلاف فليس بمستضعف .(4)
عن أبي بصير عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : من عرف اختلاف الناس فليس بمستضعف .(5)
قال القطب الراوندي رحمه الله : يمكن أن يشير بهذا الكلام إلى إحدى آيتين إحداهما ” إن الذين توفيهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها أولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ” فيكون مراده عليه السلام على هذا أنه لا يصدق اسم الاستضعاف على من عرف الامام وبلغته أحكامه ، ووعاها قلبه ، وإن بقي في ولده وأهله لم يتجشم السفر إلى الامام ، كما صدق على هؤلاء المذكورين في الآية والثانية قوله تعالى بعد ذلك : ” إلا المستضعفين من الرجال والنساء ” الآية فيكون مراده على هذا أن من عرف الامام ، وسمع مقالته ، ووعاها قلبه ، لا يصدق عليه اسم الاستضعاف كما صدق على هؤلاء ، إذ كان المفروض على الموجودين في عصر الرسول المهاجرة بالأبدان دون من بعدهم ، بل يقنع منهم بمعرفته والعمل بقوله بدون المهاجرة إليه بالبدن .(6)
عن ابن نباته قال : قال علي عليه السلام في بعض خطبه : يقول الرجل هاجرت ولم يهاجر ، إنما المهاجرون الذين يهجرون السيئات ولم يأتوا بها .(7)
ثانيا: وردت الروايات عن النبي والائمة (ع) في ان المستضعفين بعد النبي هم الائمة (ع)، كما اكد القران ذلك ايضا.
قال تعالى : {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ }القصص5
قال امير المؤمنين (عليه السلام) (لتعطفن الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها . وتلا عقيب ذلك ” ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين “).(8)
عن المفضل بن عمر ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وآله نظر إلى علي والحسن والحسين عليهم السلام فبكى وقال : أنتم المستضعفون بعدي . قال المفضل : فقلت له : ما معنى ذلك يا ابن رسول الله ؟ قال : معناه أنكم الأئمة بعدي ، إن الله عز وجل يقول : ” ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ” فهذه الآية جارية فينا إلى يوم القيامة .(9)
وعن علي عليه السلام في قوله تعالى : ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ) قال : هم آل محمد يبعث الله مهديهم بعد جهدهم فيعزهم ويذل عدوهم .(10)
وهذا الاستضعاف ليس نفس الاستضعاف الذي ورد في الاية، الذي كانت نتيجته جهنم وسائت مصيرا، بل نتيجة هذا الاستضعاف وراثة الارض وامامة الامة نحو المستقبل السعيد.
ومع ان الائمة (عليهم السلام) استضعفوا الا اننا لم نسمع بان ايا منهم قد خرج من بلده وذهب إلى بلد اخر مع كل ما لاقوه من ظلم وقسوة من الحكام الظالمين. بل نجد العكس كما مر علينا كيف ان بعضهم اقترح على الامام الحسين (عليه السلام) ان يخرج إلى بلد اخر يوجد فيه انصار لابيه ويتخلص من بطش يزيد واعوانه. الا اننا رأينا الامام اختار المواجهة والشهادة. لانه كان يشعر بواجبه تجاه امته وان خروجه سيؤثر على الحركة الاسلامية، بل والقضاء عليها، ولذا فانه قال مقولته المشهورة (ان كان دين محمد لا يستقم الا بقتلي فيا سيوف خذيني).
قد يستشهد بعضهم بخروج الرسول (صلى الله عليه واله) من مكة إلى المدينة ويستدل على ضرورة الخروج من البلد الذي يكون فيه الظالم مهيمنا على مقاليد الحكم فيه!
قلنا : ان هذا التطبيق ليس صحيحا؛ لان الرسول (صلى الله عليه واله) لم يخلف وراء ظهره اشخاصا مؤمنين، بل هو لم يخرج من مكة الا بعد ان خلت من المؤمنين تقريبا. فالخروج اصبح ضروريا عليه لان المؤمنين في مكان اخر. اما في الحالة التي نتحدث عنها فان الامر يختلف اختلافا واضحا، وان العراق لم يخل من المؤمنين حتى يمكن للقيادة تركه والذهاب إلى مكان اخر بقصد الحفاظ على النفس وعلى ما يحمل من علم كما يُدعى.
لذا فان العراق الذي كان يخضع لهيمنة الحكم الظالم المتمثل بحكم البعث بقيادة صدام حسين يحتاج إلى قيادة دينية حكيمة تتمتع بصفات خاصة تؤهلها إلى ان تقود الاسلام وتحافظ على نفسها ومن تقوده من بطش الظلمة، وفي الوقت نفسه تعمل على بناء المجتمع المؤمن ولا تسكت على فعل الظالمين. فانتبه.
بعد استشهاد الصدر الثاني احتاجت الامة لقائد يسير بالنهج الذي سار عليه الصدر في بداية حركته، وهو الوصول للغايات التي يبتغيها في انضاج حركة الامة دون ان يعرض نفسه ومن معه للخطر. ويتم ذلك من خلال مواجهة الحكومة الظالمة والعمل على افشال كل مخطاطاتها الشيطانية التي تبتغي من خلالها القضاء على الوجود الاسلامي. ولا يمكن الاكتفاء بالسكوت بدواعي التقية والحفاظ على النفس كما فعلت المرجعيات الاخرى. فلا يوجد في ثقافة اهل البيت (عليهم السلام) سلبية تامة.
وفي الختام يفهم من القيادات الحركية وضرورة وجودها في هذا البلد ورعايته مباشرة ان هناك دورا مهما سيقوم به هذا البلد وبأشراف القيادة الحركية..
مصادر:
(1) من المشايخ الذين حاول رجال الامن ان يستحصلوا منه على اعتراف الشيخ يوسف الكناني، والسيد خماس.
(2) وثيقة رقم (17)
(3) دور الائمة ، محمد اليعقوبي، ص 261.
(4) الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 406.
(5) المصدر والصفحة.
(6) بحار الانوار، ج 66، ص 232.
(7) بحار الانوار، ج 97، ص 99.
(8) نهج البلاغة، ج 4، ص 47.
(9) معاني الاخبار، الشيخ الصدوق، ص 79.
(10) الغيبة، الشيخ الطوسي، ص 184.