23 ديسمبر، 2024 7:59 ص

القوى المحافظة للرجعية العربية والشرق اوسطية في معركة كسر العظم

القوى المحافظة للرجعية العربية والشرق اوسطية في معركة كسر العظم

عادة ما توضع الاستراتيجيات المرحلية للاستراتيجية العامة الكونية لقوى الهيمنة الدولية في ادراج سرية لا يصرح لأي جهة بكشفها ولا الأشارة اليها غير انه بعد وقوع الاحداث التي تنجم عن تطبيق احدى تلك الأستراتيجيات ،يقوم بعض الأشخاص ذوي الأختصاص والمهتمين بأجراء تحليل سياسي لتلك الاحداث مما قد يؤدي الى كشف جانب او جوانب تلك الستراتيجية . هنا مثلآ ، يتبادرالى الذهن التساؤل التالي : لماذا انقلبت امريكا و حلفائها الغربيين وغير الغربيين على من كان يدعى ب “شرطي الخليج” وهو محمد رضا شاه بهلوي ايران في السبعينيات مما ادى الى خروجه من ايران ” مؤقتا ” اتضح فيما بعد انه طرد نهائي ولم يسمح له بالبقاء في امريكا ولا دخول اية دولة اوروبية فلجأ الى ” صديقه ” انور السادات ليموت ويدفن في القاهرة . اعقب ذلك فوضى عارمة في طهران والمدن الكبرى الاخرى ثم شيئا فشيئا برز الدور الكبير لملالي طهران بعد ان وضعت وسائل الاعلام العالمية على خميني صاحب نظرية ولاية الفقيه المشهورة هالة لم تضعها لأحد من قبل ، والتساؤل الأكثر اهمية هو لماذا حدث كل هذا في العام 1979 وليس قبله ولا بعده ! . قبل تلك السنة ، اثناء قيام المظاهرات الصاخبة في اغلب المدن الايرانية المقترنة باعمال عنف ، جرى حادث مأساوي غامض اثار كثيرا من الشبهات والشكوك عن احتمال تورط جهات خارجية ” اسرائيلة او امريكية ” فيه . ملخص هذا الحدث هو اضرام متعمد للنارفي سينما تم اغلاق ابوابها باحكام في مدينة عبادان ليموت اكثر من مئتي شخص حرقا وخنقا في داخلها و لم يستطع السافاك ولا المؤسسات الامنية للنظام منحل لغز هذا الحريق وظل هذا الحادث سرا دفينا لم تكشف تفاصيله لحد الان . الاحداث كثيرة في تلك المرحلة وليس هناك ضرورة لسردها جميعا الأن ، لكن سيتم هنا تناول تطور الاحداث التي لها علاقة بموضوع هذه المقالة .

1: بعد ان تمكن ملالي طهران من القضاء على حزب تودة ومنظمتي مجاهدي خلق وفدائيي شعب قتلا واعداما و اعتقالا وهم اللذين قدموا تضحيات جمة في محاربة نظام الشاه ، اعلنوا ان جمهرية ايران هي جمهورية اسلامية شيعية وفقا للمذهب الامامي الاثني عشري وهو ما نص عليه الدستور وبذلك اصبحت ايران هي الدولة الاسلامية الوحيدة التي تضمن دستوراها ليس كونها اسلامية فقط بل شيعية على المذهب الامامي . صاحب كل ذلك هستيريا مذهبية وصلت ذروتها بقرار رسمي معلن بتصدير الثورة .

2: في العام 1968 تمكن حزب البعث العربي الاشتراكي من استلام السلطة في العراق بواسطة انقلاب عسكري – مدني فأقدم في السنبن الاولى من استلامه للسلطة ، بغض النظر عن طبيعة النظام ،

على اتخاذ عدة اصلاحات و قرارات كانت تصب بمجملها في مصلحة الشعب العراقي . ليست هناك ضرورة لتعداد تلك الاصلاحات والقرارات لانها معروفة و مثبتة مما لا ينكره اي متابع محايد حتى لو كان مختلف سياسيا مع النظام . جمبع العراقيين يتذكرون في السنين ما بين 1968 و 1979 وخاصة السنبن التي اعقبت قرار تأميم النفط كيف أنهم كانوا يعيشون في بحبوحة واضحة وكيف رافق تلك البحبوحة تقدم في الصناعة والتعليم والصحة والثقافة و …الخ من مستلزمات مجنمع في طريقه الى التقدم . تزامن تحقيق هذه النجاحات النسبية للنطام العراقي حتى وصلت ذروتها مع وصول ملالي طهران الى السلطة في العام 1979 . لم يمض وقت طويل على وصول ملالي طهران الى السلطة حتى جاهر هؤلآء الملالي بالعداء الحاد والسافر لذلك النظام متهمبن اياه بأنه نظام كافر بينما اقاموا الجسور مع النظام السوري الذي يحكمه حزب البعث العربي الأشتراكي – على ألأقل هذا ما هو معلن – فأصبح نظاما صديقأ ليصل الامر في علاقتهما الى حد قيامهما بعقد ” حلف ستراتيجي ” بينهما ظل مستمرا لحد الان . ولعل البغداديين لا يزالون يتذكرون سقوط صواريخ سكود اللتي سلمها النظام السوري لأيران لتدك بها بيوتهم ومدارس اطفالهم .

3: تصاعد العداء بين طهران وبغداد واتخذ شكل مناوشات عسكرية محدودة على الحدود غالبا ما كان الطرف الأيراني هو البادىْ فيها الى ان ادى الأمر الى نشوب الحرب بينهما التي استمرت ثمان سنوات لتكون اطول حرب بين دولتين جارتين في العصر الحديث . وقفت جميع الدول ومؤسسة الأمم المتحدة ، الا من اصطف مع هذا الطرف او ذاك ، اما لا مبالية واما ممتنعة عن بذل جهود جادة و حقيقية لأيقاف نزيف الدم والموارد لكلا البلدين . من المؤكد ان الدول الكبرى وخاصة امريكا والدول الأوربية الاخرى ذات النفوذ كان باستطاعتها ايقاف هذه الحرب ، لكن اصبح من الواضح ان ايقافها سيؤدي الى فشل ستراتيجيتها التى وضعتها لمرحلة ما بعد هزيمة الجيش المصري والسوري في حرب حزيران 1967 وكان من الواضح ايضا ان هذه الاستراتيجية متناغمة مع موقف الملالي المتمثل برفض اي مقترح او اية جهود لأنهاء تلك الحرب الى ان انقطع نفسهم في عمليات تحرير الفاو فقبلوا بأيقافها مع عدم نفي ان موافقتهم تلك قد تكون نتيجة لأستلامهم اشارات خاصة بان المستقبل القريب سيكون لنظامهم وليس للنظام العراقي .

ان قيام قوى رجعية دينية شيعية متطرفة يقف وراءها ملالي طهران باستلام الحكم في دولة كايران ذات الأهمية الأستثنائية من الناحية الحيوسياسية سيصب في النهاية لصالح قوى الهيمنة الدولية لأن هذه الدولة هي الدولة الوحيدة التي تنفرد بهذه الصفة في عالم اسلامي واسع رخو البناء متنازع يحتوي جميع انواع الانقسامات التي تنفخ في اوارها قوى التحكم الدولي لأبقاء ذلك العالم فقيرا وجاهلا ومنهوب الثروات ومسيطراعليه . وهنا ياتي دور ايران للأيغال في هذا المشروع وهي تبحث عن مصالحها الاقليمية ومجالها الحيوي بعد الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق باسم الدين والمذهب لتتحول بلاد فارس الى بؤرة توتر اضافية لما يشكله الكيان الصهيوني من بؤرة توتر محلي واقليمي ودولي منذ نشأته ولحد الان وكانت نتائج

وجود هاتين البؤرتين هي الحاق اشد الاضرار في حياة شعب المنطقة العربية على مدى السنين الماضية ولحد الان .

بعد احتلال العراق وقيام السلطة الموقتة بهدم اركان الدولة العراقية وحل مؤسساتها من جيش ودوائر امنية وتسليم السلطة لقوى واحزاب طائفية شيعية ظلامية ومنها الميلشيات الشيعية التي تعمل لصالح نظام الملالي في طهران والتي كانت تشارك القوات الفارسية في العمليات العسكرية ضد الجيش العراقي كمنظمة بدر وبعد اطمئنانهم على النفوذ الذي حصلوا عليه في العراق تشجع ملالي طهران انفتحت شهيتهم فأخذوا يبحثون عن مواقع للنفوذ والسيطرة في مناطق اخرى من المنطقة العربية . حدث كل ذلك في ظل صمت وتعاون ركيزة الرجعية العربية ” المملكة العربية السعودية ” ومعها منظومة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر مبارك واغلب النظم العربية الاخرى باسثناء نظام القذافي وما بدا ان نظام الحكم في سوريا الذي يرأسه الأسد الأبن معارض شديد للأحتلال الامريكي للعراق ، تبين فيما بعد ومع تطورالاحداث انه كان يلعب على الحبال لأنقاذ الحكم من الذي جرى وما سيجري من احداث كارثية في المنطقة العربية غير ان ما لم يفهمه النظام السوري ، الا اذا كان متواطئا ، ان امريكا وايران متساويان رئيسيان في المسؤولية عن هذه الأحداث .

لم يستوعب ملالي طهران درس دخول قوات درع الجزيرة البحرين لحماية النظام الملكي فيها و على الأغلب انهم كانوا يضنون بأنهم كانوا يخفون اوراقا هي اهم واكبر من ورقتهم في البحرين ومنها ورقة الحوثيين في اليمن ، وهكذا وقعت الطامة على رؤوسهم عندما فكروا بان الوقت اصبح مناسبا للعب هذه الورقة فقاموا بدفع الميلشيات الحوثية للتحرك عسكريا واحتلال كامل ارض اليمن بعد محاولات عدة للمساومة والتفاهم بين اطراف النزاع مجليا واقلبميا وحتى دوليا لم تؤدي جميعها الى حل للوضع السياسي في اليمن فأخذ الحوثيون بالتعاون مع قطعات صالح العسكرية في اجتياح المدن اليمنية واحدة بعد الاخرى وكادوا ان يصلوا عدن عندما انتفضت السعودية ومعها منظومة دول الخليج ودول عربية اخرى وحتى اسلامية كالباكستان و تركيا لتبدء بحملتها العسكرية ” عاصفة الحزم ” لأفشال برنامج الملالي .

ما يحصل في المنطقة العربية الان هو دخول القوى المحافظة الرجعية العربية وحلفائها في صراع اقليمي حاد مع القوى المحافظة الرجعية الفارسية ومن يحالفها بالداخل بعد ان غاب دور القوى الوطنية من تقدمية ويسارية ودينية التي تم سحقها بدون رحمة من قبل تلك القوى الضلامية فتطور هذا الصراع الى حد الدخول في معركة كسر العظم بينهما مما لن يترك فرصة لنجاح اية مساومات محتملة لأطراف النزاع للوصول الى حل لأطفاء لهيب تلك المعركة . ان الملام هنا هو ملالي طهران ايضا ، فبسبب ضيق افقهم السياسي الطائفي والقومي الضلامي ، رغم مهارتهم في التعامل السياسي ، فكر الملالي بان بأمكانهم التمدد في المنطقة العربية اكثر مما هم تمددوا فيها خلال سنوات ما بعد احتلال العراق في العام 2003 للحصول

على مكاسب سياسية واقتصادية تساعدهم كأوراق ضغط في مفاوضاتهم مع الامريكيين والإورييين حول برنامجهم النووي كما قد يكون في ظنهم ان ” معركة كسر العظم ” ستكون مقتصرة على طرفين فقط : هم و منظومة مجلس التعاون الخليجي ولم يدر بخلدهم بأن ” عاصفة الحزم ” ستحصل على ذلك التاييد الشعبي الواسع بل حصلت على تأييد ما تبقى من القوى العربية الوطنية من قومية ويسارية ديموقراطية ودينبة اضافة الى التأييد الدولي مما سيساعد على انهاء ظاهرة الحوثيين وامثالهم في اماكن تواجدهم في لبنان و سوريا والعراق و لربما في اماكن اخرى . الأدهى هو انه لربما لم يخطر ببال ملالي طهران بان امريكا ودول واوربا غير مستعدة للتفريط بالسعودية ومنظومة مجلس التعاون الخليجي لصالح ايران على النحو الذي فعلته مع العراق قبل اكثر من اجد عشر عاما وفي كل الأحوال من الناحية الموضوعية ، ان النهاية لن تكون تقدما خطوة الى الأمام اكثر مما هي ” مكانك قف ” او رجوع خطوات الى الوراء لن يدوم طويلا ما دامت الرجعية هي التي تتصدر المشهد السياسي سواء هنا في المنطقة العربية او في بلاد فلرس او في اي مكان اخر في العالم فالمستقبل سيظل بيد القوى التاريخية الحية مهما طال الزمن .