إن الثقافة السياسية هي المحرك الاساسي لدى الشعوب، لقد بتنا ندرك بأن تصاعد التوترات السياسية هي السبب المباشر في تشبث الناس بالماضي في محاولة يائسة للهروب من الواقع الحاضر وصعوبته أو التخفيف من حدته مما يخدم بعض المصالح السياسية من خلال طرحها لرسالة ذات أبعاد مختلفة او حتى مغايير لواقع الحضارة البشرية .
ومن هنا تأتي المشاركة الجماعية كروح للعملية السياسية ولأي قوى تريد أن تستند إلى القاعدة الشعبية وهي الطريقة الوحيدة للبقاء وتقليل تحكم الصفوة فقط في اتخاذ القرارات السياسية، كما أنها الأداة الفاعلة لتحقيق الإرادة العامة ومصلحة المجموع، والكفيلة لحل المشكلات اليومية والخلافات التى قد تنشأ بين الأفراد أو الجماعات فى المجتمع. فالمشاركة الاجتماعية ظاهرة اجتماعية تحدث نتيجة تفاعل الفرد وتعامله مع أفراد مجتمعه وجماعاته ومنظماته ومؤسساته، وتختلف درجة استجابة المواطن لتلك المشاعر وفقاً لعدة عوامل بعضها نفسى كسماته وقدراته النفسية والعقلية وبعضها اجتماعى كظروف التنشئة الاجتماعية، كما تخضع المشاركة للظروف والعوامل الاقتصادية والسياسية والتربوية لشخصية الفرد ومجتمعه والمشاركة الجماعية تعد من الأركان الأساسية التي تستند عليها النظم السياسية في تحقيق شرعيتها، فكلما اتسعت رقعت المشاركة الجماهيرية في اي عملية كان ذلك نجاحاً لها في المجتمع اذا كانت مبنية على فهم الاخر والتسامح معه .
إن الكثير من المجتمعات لا تزال تعاني من غياب هذه الثقافة ، خاصة السياسية ، منها لانها تأثرت بالأطراف االحاكمة العربية فالنفي السياسي وعدم الاعتراف بحق الآخر في الوجود ومنع العمل السيّاسي، أو الديني، أو الكتابي أو الإبداعي أصبح موضة جديدة عندهم ، بالرغم من أن معظم هذه الحكومات يتبنى أصحابها احترام الاخر وقبوله بالقول لا بالعمل مع الاسف ،إن حرية ممارسة الحقوق الاجتماعية والثقافية والسياسية هي من إحدى دعامات المجتمعات اذا ما كانت تفكر بالمستقبل وهذا مسؤولية يجب أن يضطلع بها ويفهمها القادة من القوى سياسية والمنظمات المجتمعية والمؤسسات الثقافية وحتى علماء دين. إن الاعتراف والإقرار بثقافة التسامح بالمطلق و”قبول الآخر” والاعتراف به هو أمر جيد ومقبول نظرياً ولكن يجب العمل من أجل ترسيخ قيمة هذه الثقافة وتطبيقها في الحياة اليومية بشكل يعود بالفائدة على الجميع دون استثناء .
وقد يحاول البعض في سياق الحديث عن مفهوم التسامح أن يحدد بعض الشروط النفعية ، ما يعني ذلك أن يتخلى الآخر عن ما هو عليه كشرط معه وقبوله . وهذه من المفارقات العجيبة التي قد يرفضها الكثيرمن الناس بلاشك ، فليس من أحد أن يتخلى عن قناعاته من أجل أن يقبله الطرف الآخر ويتسامح معه. فللجميع حق رفض قناعات الآخر والتعبير بوسائل سلمية عن هذا الرفض ولكن ليس من حقهم تهوين آو تهويل أو تشويه القناعات والأفكار، كما لا يجوز أن يطلب من الآخر تغيير قناعاته كشرط لقبوله. التسامح اصلاً لا يعني الغاء الحق في امتلاك وجهة نظر نقدية عن أفكار وقناعات الطرف الآخر. ولكن في ذات الوقت فإن مقتضى هذا المفهوم هو القبول به كما هو يريد وليس كما يراد له. وهنا يتجسد الفارق العقلي بين قناعات الإنسان وضرورات التسامح مع الآخرين بصرف النظر عن قناعاتهم وأفكارهم . مع الاسف ان هناك دائما حكم مسبق يدعو لإلغاء الآخر ورفض وجوده لا لشيء إنما فقط لأنه مختلف، فحين يعادي الإنسان صديقه أو جاره أو زميله أو حتى أخاه لمجرد أنه يختلف معه بالرأي أو المعتقد فهذا يعني بأنه لا يؤمن بالحرية والديمقراطية، وحين يؤيد رفضه وعدم الإعتراف به أو الإعتداء عليه لمجرد الاختلاف فهذا يعني تهديده في كينونته الإنسانية ووجوده مما يحرض على قبول الاخطاء ويزرع الكراهية بين أبناء المجتمع الواحد.. إن من يتحلى بالأخلاق الإنسانية الرفيعة لا يمكن أن ينتهج وسائل الضغط والفرض بالقوة للدفع بالآخر نحو تغيير قناعاته، فمفهوم قبول الآخر المختلف بالفكر أو الرأي أو الدين أو العرق أو غيره، يعني القبول به كما يريد لنفسه وكما هو وليس كما نريد نحن له أن يكون وذلك بما يكفل حقه بالمساواة مع الجميع.