18 ديسمبر، 2024 8:23 م

القومية العربية … بين مطرقة حقائق الواقع وسندان المشروع الصهيو – أمريكي!؟

القومية العربية … بين مطرقة حقائق الواقع وسندان المشروع الصهيو – أمريكي!؟

عندما نتناول قضايا الحركة القومية العربيه في الوطن العربي ، ونحاول استبصارها بطريقة معرفية سياسية واضحة، وعندما نضع الخطوط تحت السلبيات ونحاول إظهار الاخطاء، حتى تكون نقطة الارتكاز والانطلاق،لاشتقاق الرؤى والممكنات، لبعث فكرة النهضة والمقاومة المستديمة في الأمّة من جديد، والسعي من جديدٍ لاحياء قيمها وربطها مع ممكنات الواقع ، فما الوحدة العربيه بالنهاية إلّا تعريف تاريخي لهوية وخصوصيات، الأمّة، وهي ماهية للأمّة، وعنوان ومحتوى لتكونها التاريخي، وحافظ لهذه الماهية في كل الأطوار والمراحل، ومن هنا لنعترف إنّهُ بالمرحلة الأخيرة مرّت مسيرة الحركة القومية العربية بانتكاسات عدّة.

اليوم، هناك واقعٌ مؤلم، و هناك حقيقة لا يمكن لمتابع لمسيرة الحركة القومية العربية منذ انطلاقها، ولليوم أن ينكرها ، وهي إنّ مساحة المناورة، أصبحت ضيقة امام الحركة القومية العربية بهذه المرحلة، وهذا الموضوع لم يعد يخفى على احد، وخصوصاً بعد سقوط أهم قلاعها بمصر الناصرية، والعراق العروبي ، وبعد الكثير من الانشقاقات عن هذه الحركة، والسبب أموال البترودولار التي أشترت الكثير من الاراء والمواقف، بل هؤلاء الذين أشترتهم هذه الأموال أصبحوا من ألد الاعداء لهذه الحركة ، وما تبقى وهو الذي نراهن على صموده اليوم، وهو الحصن الأخير وهي سورية العروبة، ولهذا فإن مساحة المناورة لاحياء المشروع العروبي، اصبحت تمر بمخاضٍ عسير، نتيجه لعدّة متغيرات عشنا تفاصيلها جميعاً، ليس أوّلها ولا أخِرها إن وقتنا الحاضر، وقتٌ ارتفع فيه الصراع الى مستوى المذهبيات وصراع القوميات والطوائف والأفكار المتطرفة، ولم تعد فيه مكان ومساحة لمناوره واسعة لاحياء المشروع القومي العروبي، وفق معطيات الواقع المعاش، والطموح الذي يوصل الى بناء واحياء المشروع العروبي من جديد .

اليوم المشروع الصهيو-امريكي ، تغلغل بعمق الكيان العربي، وأصبح هو القائد لمسيرة الحراك العربي، وهو الموجه لها ليتبدل العدو، وتتبدل القيم، وتصبح الطائفة عنوان الوجود والقومية هدف للاستقلال والمذهبية هي الحزب والوطن،وو… ألخ ، وهذه الحقيقه لاينكرها إلّا إنسان يعيشُ بعصرٍ أخِر على وجه هذه المعمورة.

إنّ مفاهيم القومية العربية أو العروبة في مفهومها المعاصر، وفق تعريف قوميي العروبة الجدد الذين نسوا للأسف تطبيق اصل مشروع الوحدة الأكبر ، وبنوا تعريفهم على المصطلح التالي وهو “الإيمان بأن الشعب العربي شعبٌ واحد، تجمعهُ اللغة والثقافة والتاريخ والجغرافيا والمصالح، وبأن دولة عربية واحدة ستقوم لتجمع العرب ضمن حدودها من المحيط إلى الخليج”، وللأسف الكلّ تحدث عن هذا الإيمان، ولم يعمل به أحد، وللأسف أيضاً، أقول إنّهُ منذ اتفاقية كامب ديفيد، تبنت معظم الأنظمة العربية والعروبية، منها شعارات جديدة تمجّد الانتماء القطري، وتضعه في مقدمة الأولويات ، وازداد هذا الشعار ظهوراً بعد الفشل الذريع الذي مُنيت بهِ بعض الأنظمة العربية على صُعد تتعلق بانهزام مشروعها امام المشروع المتكون من التحالف من قبل بعض الأنظمة العربية والأنظمة المتأسلمة مع المشروع الصهيو – أمريكي، والذي ترافق مع فشل على صُعد الديموقراطية والتنمية والاقتصاد، وزيادة البطالة ومشاكل التعليم والصحة، فأصبحت الأنظمة تُنمّي مشاعر التفرقة وتقيم الجدران بين قطر وآخر .

علاوة على ذلك، وأصبح ترديد شعارات تُمجّد الأنفصال والنزعة القطرية شيئاً عادياً ومألوفاً، وأصبح كل نظام عربي، يحاول العثور على انتماء غير عربي سواء كان فرعونياً أو فينيقياً أو إفريقياً و…ألخ، والسؤال الأهم هنا : أين كانت الحركة القومية من كل هذا؟ ببساطة ستكون الإجابة هي، الانغلاق وعدم الانفتاح مع إن هذا التوجة الانغلاقي الضيق لم يجلب سوى المصائب على المستوى القطري والمستوى القومي، فلم تستطع الأنظمة التي تتبنى العروبة حلّ مشاكلها الداخلية أو الحفاظ على أمنها، أو تحقيق النمو والازدهار لشعوبها، وقد عانت دول مثل مصر والعراق ولبنان من عنفٍ دموي أو انقسامٍ طائفي وصل أحياناً حدّ الحروب الأهلية، ولم تستطع معظم الأقطار العروبية، تخفيض معدلات البطالة العالية أو الفقر أو الجهل أو الأمّية.

إنّ الحديث اليوم الذي يتحدث به أغلب المعارضين لهذه الحركة القومية هو كالتالي ، لقد كانت الهزائم التي تلقاها العرب بحروبهم مع اسرائيل صفه تلازم الحركة القومية العربية، لقد كان سبب دخول امريكا إلى العالم العربي ، هي الإنظمة القومية العربية ، لقد كانت دائماً للأسف صفة الانظمة الاستبدادية، تلازم الحركات القومية العروبية ، وهذا للأسف بسبب الانغلاق الذي عاشتهُ هذه الأنظمة وهذه الحركات على أنفسها، فمن اليوم علينا أن نعرف حقيقة أنهُ ليس كل من ينتقد إيديولوجية القومية العربية، وينتقد آراء أو مواقف القوميين بمختلف فصائلهم هو عدو لها، بل قد يكون هو الناصح والصديق ، والذي يبحث له عن مكان بين الحركة القومية العربية، ولكن يريد أفكاراً جديده تتماهى مع خطورة المرحلة .. تتماهى مع طبيعة التغير الحاصل بقواعد عروبتنا ، والتي أصابتها حالة من الانكسار بالمرحلة الأخيرة.

اليوم لسنا بحاجه للتذكير ، أن عبد الناصر قد ذهب لغير عوده ، ولم تعد مصر هي مصر عبد الناصرفقد كانت وانتهت وهذه حقيقة، وفلسطين لم تعد قضية جامعة لكل العرب، ولم يعد العراق هو عراق واحد موحد بل أصبح عراق الطوائف والملل والاعراق وهذه حقيقه أيضآ ، وسورية اليوم ليست سورية الامس مع علمنا انها تواجه اليوم أكبر ازمة معقدة ومركبة بتاريخها الانساني والحضاري والبشري ولكن مازلنا للأن نراهن ونقف بصفها لانها أخر قلاع العروبة ، ولسنا بحاجة ان نذكر ان المشروع الصهيو -امريكي وصل الى مراحل متقدمة بخطط التنفيذ ، وهنا لابدّ من ذكر هذه الحقيقه ولإنصاف الحركة القومية العربية ، فقد عارض المدّ القومي مجموعة من المفكّرين الليبراليين المتعلقين بالغرب، والذين يدعون إلى الحفاظ على السيادة الوطنية، بحجة وجود هوية أو هويات قطرية، نابعة من حضارات مرّت على الوطن العربي، واندثرت الآن من فينيقية وفرعونية وكنعانية وبابلية و … ألخ، و يبرز هذا التيار بأقوى صوره في مصر ولبنان ، كما لاقت القومية العربية معارضة من بعض رجال الدين الذين يتسترون بستار الإسلام، وبخاصة من التيار الوهابي الذين شككوا بنوايا مؤسسي الفكر القومي، واتهموا الفكر القومي بافتقاره الأيديولوجية اللازمة للتعامل مع الإنسانية والمجتمع سواء في بلاد الإسلام أو خارجها، واتهموا القوميين بأنهم تلقوا أفكارهم من أحضان الغرب والماسونية، و برز هذا الفكر أساساً في السعودية كجزءٍ من حالة الاستقطاب التي كانت سائدة بين الأنظمة القومية من جهة والأنظمة الملكية المرتبطة عموماً بالغرب، والتي يصفها القوميون واليساريون بالرجعية.

ختاماً، عندما نتحدث عن واقع الحركة القومية العربية، فهذا الحديث ينبع من غيره، ولسنا ناقدين بل نريد البناء وتصحيح الاخطاء التاريخية، فنحن نؤمن بالقومية العربية المشتقة من وحي الإسلام المحمدي المُعتدل لأنها الأصل في الوحدة العربية ، لأن الوحدة المنسجمة هي خير مخلّص لنا كعرب، وإنّ التجزئة القطرية عارضة ومصطنعة بدأها الاستعمار واستكملتها بعض أنظمة الحكم العربية المعادية لمفاهيم الوحدة العربية،وسعت لتعزيز مفاهيم الشعور القطري وواقع التجزئة، للحفاظ على عروشٍ أغتصبتها وكراسي لم تستحقها .