18 ديسمبر، 2024 7:25 ص

القول العلمي في الإعجاز العلمي ح3

القول العلمي في الإعجاز العلمي ح3

مناقشة القول بوجود الاختلاف بين القرآن الكريم والروايات في المجال العلمي والآراء العلمية الرصينة
بعد ان تعرفنا في الحلقة السابقة على الآراء في الإعجاز العلمي قبولاً ورفضاً، نناقش كما وعدنا كل رأي على حدة في مقال مستقل.
ومحور نقاشنا في هذه الحلقة الرأي الأول الذي يقول بوجود الاختلاف بين القرآن الكريم والروايات في المجال العلمي والآراء العلمية الرصينة:
القول بوجود عدم تطابق بين القرآن الكريم والروايات في المجال العلمي والآراء العلمية الرصينة، رأي يتبناه كل دعاة الإلحاد وبعض العلمانيين، ونجده في بعض الكتابات المسيحية التي تنتقد الإسلام والقرآن، كما نجده عند بعض المسلمين ممن يرون ذلك ولا يرون فيه منقصة على الدين باعتبار إن ما تم ذكره من آراء علمية في القرآن رأي يناسب فهم عصره أو باعتبارات أخرى، وكما ونجده عند بعض المسلمين في خصوص الروايات فقط باعتبار تمسكهم بما ينسب لرسول الله (ص) بمضمون “أنتم أعرف بدنياكم”!
فيكون دعاة هذا الرأي على أصنافٍ أربعة وهم:
 
أ-الملحدون وبعض العلمانيين:
يطرح الملحدون هذه الرأي ويشاركهم بعض العلمانيين كما قلنا بقوة كمنفذ للتشكيك في جدوى الاعتقاد بوجود الله أصلاً أو في صحة النص الديني (قرآن أو روايات)، ويذكرون أمثلة لتناقضات –وفقاً لزعمهم- بين الآراء العلمية والنصوص القرآنية أو الروائية!
ومن خلال ما يطرحونه من أمثلة على هذه التناقضات يمكن أن نفهم غاياتهم بوضوح والأخطاء التي يقعون فيها وهي-أي الأخطاء-:
1-الخلط بين الآراء العلمية المثبتة وبين النظريات العلمية التي لازالت محل جدل.
فالنظريات العلمية هي آراء علمية في طور الاختبار وعادة ما يتم التعديل عليها أو التخلي عنها، أما الآراء العلمية المثبتة لم نجد نص قرآني يطرح ما يناقضها وإن وجدت رواية تطرح ذلك فيمكن رفضها ما لم يكن هناك منفذ للتأويل أو الجمع أو التعارض.
 
2-الخلط بين النص القرآني أو الروائي وتفسيره.
فتفسير النص القرآني أو الروائي هو رأي شخصي للمفسر إلا في حالات التفسير الصادر عن أهل البيت عليهم السلام وفقاً للرؤية الشيعية، فمن الطبيعي احتمال إيجاد تناقض بين هذا التفسير والآراء العلمية المثبتة.
 
3-عدم معرفة معايير تقييم النص الروائي.
فمن غير المعقول التمسك برواية غير مقبولة سنداً أو متناً أو كلاهما واعتبارها مورداً للتناقض.
 
4-النظر للقرآن ككتاب علمي ينتظر منه أن يطرح الرأي العلمي بنفس اللغة العلمية الحالية، والحال إنه يتم طرح الآراء العلمية في القرآن الكريم باللغة في زمن صدوره.
ولهؤلاء نقول هاتوا مثالاً واحداً لتناقض بين نص قرآني ورأي علمي مثبت نسلم لكم وبخلافه-وهو الواقع- فادعاءاتكم لا قيمة لها.
 
 
ب-بعض الكتاب المسيحيين:
وينطبق عليهم ما ذكرناه بخصوص الملحدين ونضيف:
1-إن السعي لإثبات التناقض المزعوم يقع في مصلحة الملحدين لا في مصلحة الدين.
2-ينبغي أن يشغلكم التناقض الصارخ بين نصوص كتبكم المقدسة خاصة التوراة (العهد القديم) والآراء العلمية المثبتة بدل الانشغال بتناقضات مزعومة.
 
ج-بعض المسلمين ممن يرى إن الآراء العلمية في القرآن والروايات تناسب عصرها:
ولهؤلاء نقول إن خاتمية النبوة وخلود الرسالة المحمدية تنقض ما تقولون!
وهذا الانهزام أمام افتراض التناقض غير المثبت لا داعي له، فالقرآن الكريم كتب بلغة تناسب عصره نعم ولكنه لم يجاري الآراء على خطئها بل هو يتضمن الآراء الصحيحة فقط في المجال العلمي وفي غيره ولو جازت مجاراة القرآن لعلوم عصره في طرحه في المجال العلمي لجازت مجاراته لعصره في كل شيء ومنها القول بالشرك والقبول بكل الأخطاء الموجودة لمناسبتها لعصرها وهذا ينقض الغرض الذي من أجله بُعث النبي صلى الله عليه وآله.
 
د-بعض المسلمين ممن يرى عدم البأس بوجود التناقض في الروايات فقط عملاً بمضمون رواية “أنتم أعرف بدنياكم”:
العقل وآراء أغلب العلماء هي مع القول بعصمة النبي صلى الله عليه وآله، في التبليغ وغيره وقبل البعثة وبعدها، فلا فرق في البين بين ما يصدر منه عن حال الآخرة وما يصدر منه عن حال الدنيا لأنه متعلق لغرض الهداية (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى).
ثم لو سلمنا بصحة الفصل بين (دنياكم وأخراكم) فكيف يمكن الفصل من ناحية المتلقي بينهما وكيف يميز؟
ثم إن الرواية التي وردت بصيغ مختلفة جاء في بعضها عبارة ” أنتم أعلم بأمر دنياكم ” محل نقاش في سندها، إذ لم ترد إلا في كتب العامة وقد ضعفها كثيرون، أما متناً فالمؤاخذات عليها كثيرة ولا يمكن القبول بها والتأسيس عليها.
بهذا نكون قد انتهينا من مناقشة الرأي الأول لننتقل لمناقشة الرأي الثاني في الحلقة التالية بإذن الله تعالى.