23 ديسمبر، 2024 7:01 م

القول العلمي في الإعجاز العلمي ح1 مقدمة في الإعجاز العلمي

القول العلمي في الإعجاز العلمي ح1 مقدمة في الإعجاز العلمي

الإعجاز العلمي من الأمور التي كثُر فيها الخلاف والاختلاف وذهب فيها الناس مذاهب شتى، فبين مبالغٍ من جهة وناقدٍ مؤدلج  من جهة أخرى ضاعت الكثير من أوجه الحقيقة فيه.
في سلسلة مقالات بعنوان “القول العلمي في الإعجاز العلمي” وعدت بها قرّاء مقالاتي سأتحدث عن هذا الموضوع من عدة جهات أحاول فيها لملمة أطرافه لإيضاح الصورة.
 وهذه هي المقالة الأولى من هذه السلسلة وهي بعنوان “مقدمة في الإعجاز العلمي” سأتحدث فيها عن تعريف الإعجاز العلمي على وجهٍ يقلل من فرص الاشتباه.
وللحصول على تعريف دقيق لا بد من التعرف على شقي المصطلح وهما: الإعجاز ، والعلمي.
وبالنسبة للأول منهما أي الإعجاز فنقول:
الإعجاز لغة مشتق من العجز وهذا من الواضحات ومنه تشتق كلمة معجزة.
أما باصطلاح أهل الكلام فالمعجزة أو الإعجاز ” أمر خارق للعادة ، مقرون بالتحدي ، مع عدم المعارضة “([1]). وهناك عدة تعاريف أوردها كتاب الإعجاز بين النظرية والتطبيق لمحمود الجياشي علي سبيل المثال فيمكن مراجعته بهذا الخصوص، ولكن هذا هو التعريف المشهور  ونكتفي به في هذه المرحلة.
وهناك تعريف فلسفي أورده صاحب الميزان لعل من المناسب ذكره هنا حيث قال عن المعجزة إنها : “تحقّق الأمر الخارق للعادة الدالّ على تصرّف ما وراء الطبيعة في عالم الطبيعة ونشأة المادّة لا بمعنى الأمر المبطل لضرورة العقل”([2])
والهدف من إحداث المعجزة هو الهداية لتكون المعجزة دليل على صدق مدعي النبوة فتكون حافزاً على تصديق الناس به.
تنوعت المعجزات حسب ظروف نبوة كل نبي أو رسالته فما الذي ينبغي أن يميز معجزة خاتم الانبياء؟
معجزات الانبياء أغلبها حسية وهي حجة على من شاهدها أو سمعها مباشرة أو بوساطة موثوقة فهل يمكن الركون إلى معجزة حسية فقط لإثبات نبوة النبي الخاتم صاحب الرسالة الخالدة؟
وفقاً لمصادرنا كانت هناك للنبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم معجزات حسية ولكنها حجة على من شهدها ومن يثق بنقله-أي نقل من شهدها- فقط.
ما نريد الوصول إليه من هذا الكلام إن الرسالة الخاتمة الخالدة يجب أن تكون المعجزة المرتبطة بها خاتمة وخالدة، فتكون حجة على من شهد النبوة الخاتمة وعلى من جاء بعدها.
لذا فلا خلاف بين المسلمين على إن القرآن الكريم معجزة خالدة، ولكن الخلاف في أوجه ذلك الإعجاز، هل هي خصوص الإعجاز البلاغي والإخبار بقصص الأمم السابقة وبعض المغيبات أم تتعداه إلى غيره؟
وكذلك الأمر بالنسبة لروايات الرسول وأهل بيته الكرام صلوات الله عليهم.

وسنتحدث عن ذلك لاحقاً بعد أن نتعرف على الشق الثاني من المصطلح ونقصد كلمة “العلمي” فنقول:
العلم لغة أمرٌ واضحٌ أيضاً ولكن تعريفه الاصطلاحي أُختلف فيه كثيراً فبين قائل بأن العلم الحقيقي هو العلم المنحصر بالعلم التجريبي وما عداه علم زائف وبين من يقول خلاف ذلك، عموماً لا وجه لما يروج له البعض بأن الفكر الغربي حالياً لا يعترف بغير العلم التجريبي.
 
لذا ينبغي أن لا يقصد بالعلمي هنا في كلمة “الإعجاز العلمي” خصوص العلم التجريبي فقط، وأحد تعاريف العلم  إنه “إدراك الأشياء على حقائقها”.
فيكون تعريف الإعجاز العلمي وفقاً لما تقدم هو:
“إخبار القرآن الكريم أو النبي أو أهل بيته (عليهم الصلاة والسلام) تصريحاً أو تلميحاً بحقيقة علمية لا تناسب إمكانيات ومعارف عصر نزول النص أو صدوره”.
 
الفرق بين الإعجاز العلمي والتفسير العلمي:
التفسير العلمي “وهو محاولة تفسير بعض آيات القرآن الكريم أو روايات الرسول وأهل بيته (عليهم الصلاة والسلام) وفقاً للمعطيات العلمية للعصر الحاضر”.
وبذلك يتضح الفرق بين الإعجاز العلمي والتفسير العلمي وكثيراً ما يتم الخلط بينهما.