23 ديسمبر، 2024 2:40 ص

القول الحَـراق في سجايا بخلاء العراق !!

القول الحَـراق في سجايا بخلاء العراق !!

كنت أنصت الى حوار عراقيين إثنين بمقهى شعبي، بعد الإعلان عن إرتفاع إسعار النفط الى 85 دولارا للبرميل الواحد في خبر عاجل ونحن جلوس أمام صالة العمليات السياسية التي تبث أمامنا على الهواء مباشرة بإنتظار وﻻدة “رئيس الجمهورية” ومن عساه يكون ،قبل أن تنتهي العملية القيصرية المتعسرة بإنتخاب برهم صالح رئيسا للعراق خلفا لمعصوم .
المتقاعد اﻷول سأل الثاني ” أبو فلان بشرني أمورك المادية شلونها ؟؟”.
أجاب الثاني مانصه ” مادام من يدك المؤجر بابي أنطيه الإيجار كاملا من غير نقصان أول الشهر ..فأنا بـ 1000 خير !!
دمعت عيناي وتجسد أمامي واقع الحال وكيف أصبح المال دولة بين اﻷغنياء من دون الفقراء هاهنا في العراق النفطي ، منع الزكاة والصدقة وكيف تحولت الى سجية ببلد الـ 10 ملايين تحت خط الفقر ، الـ 1000 مليار دولار التي ذهبت أدراج الرياح ببطون الإنتهازيين وكيف تناسى الناس شأنها وسراقها ، وقلت ” لقد أصبح سقف طموح العراقي دفع الإيجار بموعده ومن دون تأخير عن منزل مستأجر متهالك ربما بلا سقف نظامي داخل بقايا وطن هلامي فهذا وﻻشك أفضل بنظره من خيمة نازح .. عشوائية مهجر ..رصيف مشرد ..قارب مهاجر ..كوخ فقير !
إستدعيت الى ذاكرتي الحبلى ﻻ إراديا مواقف بخلاء العراق وطفيلييهم ، ولي معهم قصص و ونوادر ﻷنني محاط قدرا بالعديد منهم في حياتي المهنية والاجتماعية ربما لتمتعي ببعض خصال الكرم وسجاياه التي يطمعون بها وﻻ أزعم الكرم إﻻ أنني أجزم بكوني لست بخيلا ولم أكن ولن أكون يوما كذلك ، ومن خلال خبرتي الطويلة تلك بأحوال الطفيليين والبخلاء المحليين فبإمكاني أن أوجز أبرز ما يميزهم عن سواهم ولله في خلقه شؤون في نظرات خاطفات وغير مقتبسات عن بخلاء العراق !!
لقد علمتني الحياة ، أن”البخيل هو من أشد الناس مهاجمة للبخلاء وفضحهم على الملأ..أتدرون لماذا ؟ﻷن البخيل إنما يجد ضالته في الملبس والمأكل والمشرب – بلوشي – عند الكرماء فحسب ، أما البخلاء أمثاله فلن يجد عندهم سوى الصد والإعراض ووالوجوه الكالحة ولذلك فهو يكرههم ويفر من مجالسهم ، وبناء عليه فإن صادفك من يكثر الطعن في البخل والبخلاء صباح مساء ، بمناسبة وغير مناسبة ، بمجالس الكرماء وغيرهم على سواء فإعلم أنه أحدهم ..بل قل سيدهم علما أن البخيل العراقي ينتقد البخلاء من حوله بطريقة استعراضية لمجرد الاستعراض أو التسقيط الوظيفي والاجتماعي وبالاخص عند الوجبات الثلاث – فطور ، غداء ، عشاء -!
وأنوه الى أنني ﻻ أتناول البخل كحالة فردية وإنما كظاهرة إجتماعية استشرت بشكل مخيف بعد الحصارالغاشم الذي فرض على العراق 13عاما ، صفة مذمومة أشخصها كمرض إجتماعي خبيث ذمه الاسلام الحنيف وشن الحرب عليه ووضع أسسا وقواعد لمكافحته والتحذير من عواقبه الوخيمة وشخوصه اللئيمة وعلى مختلف الصعد.
ومن صفات البخلاء أن احدهم يهاجم اﻵخر بنفس الحدة ومن ذات الزاوية وبعين العبارات بل ويستذكر كل منهم قائمة البخلاء في حياته أحياء وأمواتا ويشتمهم حتى انني حفظت من اسماء البخلاء العراقيين وطرائفهم ما يصلح ان يضاف الى ” بخلاء الجاحظ ” وربما يتفوق عليهم ونصيحة للجميع ” فر من البخيل فرارك من الثعبان ” ﻷنك لو احتجت الى حبة تحت اللسان في لحظة حرجة تقرر مصيرك فإنه لن يمنحك إياها إلا بمقابل ، مادي أو معنوي ،وأن البشرية جمعاء من بغداد الى الصين ستعلم بأنه اعطاك تلك الحبة وانقذ حياتك لتظل مدينا له مدى الحياة !!”
النصيحة الثانية: اياك ان تتصدق على فقير وانت بصحبة بخيل ﻷنه سيضع أمامك العراقيل تلو اﻷخرى وسيتهمك بالغباء وتبديد المال وسيشمت بك ان مررت بضائقة مالية مستقبلا وينسبها الى كرمك الذي يعشقه ان كان يصب في صالحه ، ويمقته ان كان يصب في مصلحة اﻵخرين !!
النصيحة الثالثة : من أساليب البخلاء في العراق ، أنك وبعد 100 وجبة إطعام مجانية ﻷحدهم فإنه سيدخر جزءا من وجبة مجانية أهديت له – قد تكون من فضلات الطعام – ليأتي بها اليك على انها من حر ماله وأنه إشتراها من السوق إكراما لك وفي نيته المبيتة تجديد البيعة للولائم والعزائم المجانية من مالك الخاص ليتناول 100 وجبة جديدة مقبلة – براسك – لحين القيام بخدعة مماثلة من النوع اﻷول بعد الوجبة المئوية التي ستلقمها إياه !!
النصيحة الرابعة : من احابيل البخلاء في العراق انه يحاول دعوتك الى عزائم – فواتح وأعراس ومناسبات – يقيمها غيره لتكون بالنسبة له بمثابة عزيمة قدمها لك ودعاك اليها ، وعليك سدادها مستقبلا بعزيمة مماثلة واﻻ فأنت كذا وكذا وكذا !!!
النصيحة الخامسة : من اباطيل البخلاء في العراق ، انه اذا دعي الى وليمة فانه سيأتي بصحبة عدد من الاشخاص وﻻ يأتي لوحده مطلقا لتكون الوليمة التي دعى اليها غير المدعويين ، دينا في رقابهم وفضلا بذمتهم عليهم سداده له في القريب العاجل !
النصيحة السادسة : من خدع البخلاء في العراق ، انه اذا تورط بعزيمة أو وليمة جبرا – عرسا او مأتما او مناسبة – فأنه سينزعج من اي مخلوق يأتي ولو بصحبة عزيز لم يسبق له دعوته بخلاف ما يقوم به هو من دعوة غير المدعويين بالجملة الى كل المناسبات وبتصرف فردي سيكون تبريره حاضرا لديه قبل مد اﻷيادي الى الطعام !!
النصيحة السابعة : البخيل العراقي يجد صعوبة كبيرة على الدوام بإخراج محفظة نقوده في جيب البنطلون الخلفي ، لحين سداد الحساب من قبل رفاقه ، هنا فقط تنساب المحفظة بكل يسر وسهولة ومن غير عوائق ليردد على مسامع من دفعوا حسابه وحسابهم ” يا إخوان ليش دفعتوا الحساب ..مو اني محضر الفلووووس !!”
النصيحة الثامنة : البخيل العراقي يعاني بزعمه على الدوام من افتقاره للعملات الصغيرة – الخردة ..الفكه – ويدعي ان مابحوزته كلها عملات صعبة أو من الفئات الكبيرة ” 25 – 50 الف دينار ” ليتولى من بمعيته دفع الحساب في أي مكان وأي زمان !!
النصيحة التاسعة : البخيل العراقي عادة ما يأتيك بزيارة مفاجئة على غير موعد سابق شريطة ان تكون الزيارة المباغتة وقت تناول الطعام ، ليدخل عليك خالي الوفاض ( ايد من ورا وايد من كدام ) ثم يدعي بمجرد ان يشم رائحة الطعام بإنه اشترى 3 كيلو لحم غنم هرفي مع الفواكه اﻻ انه نسيها كلها في سيارة اﻷجرة ..ليس هذا فحسب ..بل وسيبدأ بالمقارنة بين اللحم الهرفي – الشبحي – الذي فقده بالمشمش ، مع اللحم المطبوخ الواقعي الموضوع أمامه على السفرة ويبدأ بالسخرية من الحقيقي الثاني لصالح المزعوم اﻷول وما يصدق على اللحم يصدق على الفواكه والخضار والحلويات والعصائر والمشروبات ..بل وسيحملك مسؤولية اللحم المفقود وخسارة النقود المدفوعة ثمنا له !!
النصيحة العاشرة : اياك ان تطلب من بخيل قرضة حسنة الى حين ميسرة وان كنت على شفير الهاوية – سيذلك – ولن يقرضك مع الإهانة البتة ، ثم يشيع بين الناس خبرك ويتهمك بأنك انت من ورطت نفسك بتجارة خاسرة او صفقة فاشلة او تبذير او اسراف ما ادى في نهاية المطاف الى افلاسك ..بمعنى انه لم يعطك قرضا وفضحك !!
ومن خصال الطفيليين والبخلاء حضور مجالس العزاء في الساعة اﻷخيرة من اليوم الثاني أو الثالث تحديدا لضمان طعام الوليمة وقلما تجد بخيلا يحضر بغير هذا الموعد ، وان فاته الزاد فلن يقول ” هني ” وانما سيزعم أمام من بمعيته من اﻷصدقاء أنه لم يتناول طعام الغداء لإنشغاله بتمشية معاملة مهمة تخصهم ليتولى هؤلاء اطعامه على حسابهم – المهم مايرجع فارغ من مجلس العزاء – ليس هذا فحسب بل – سينعل سلفه سلافين- اصحاب مجلس العزاء كونهم لم يولموا لميتهم متهما إياهم بالبخل وهو يردد ( لك المن ؟ ..لك منو ابو باجر ؟) .
ومن خصالهم ان يري أحدهم عيناه مالم تريا في المنام لمداعبة عواطف الكرماء فيقول على سبيل المثال ” لقد رأيتك في المنام وانت ترتدي ملابس بيضاء او خضراء ،تمشي في الجنة ) او أنه يزف اليه خبرا سعيدا لا اساس له من الصحة للحصول على مراده ﻷن العراقي بطبعه اذا فرح أجزل العطاء بما يسمى عندنا بـ – البشارة – ، ومن خصالهم ابتزاز الناس في المناسبات الشخصية ، وباﻷخص في ساعات الفرح الغامر ” نجاح ، حج وعمرة ،ختان ، خطوبة ، زواج ، الحصول على وظيفة جديدة ، ترفيع ، علاوة ..الخ ” مع علمه أن ما أخذ بسيف الحياء فهو حرام ، فيما يتهرب هو من كل مناسبة فرح يمر بها شخصيا ويتكتم عليها كليا كيلا يطالبه احد بالعزيمة كما يطالب هو بها من حوله على مدار العام بذريعة تجنب العين والحسد – لك الحسد أم البخل والتطفل .. ابو الفتوك – !
ومن خصالهم المذمومة ان أحدهم ﻻيستقل سيارته الشخصية في تنقلاته ضغطا للنفقات – وينام بروس أصحابه – ولإغراء هؤلاء بإيصاله الى حيث يريد مجانا ، ذهابا وايابا فأنه يتعمد دعوتهم الى اي مكان يريد الذهاب اليه صدقا او كذبا في ذات الوقت الذي يوهم المقابل – المضيف – بأن من بصحبته خبير ستراتيجي ، تاجر كبير ، اعلامي معروف ، رجل اعمال ، استاذ جامعي ، شيخ عشيرة ، مدير منظمة مجتمع مدني – كلاوات – ليرحب المقابل به وبضيفه من دون إنزعاج !
ومن خصالهم التأخر في النهوض عمدا من المائدة عند دفع الحساب ليتم دفعه من قبل من يصحبهم قبل قيامه من مكانه ، كذلك الحال عند دفع اجرة السيارة فتراه يتجنب الجلوس الى جانب السائق اولا ، والنزول سريعا من السيارة ثانيا فور الوصول الى المكان المطلوب هربا من – الكروة – !
اما نصيحتي الى البخلا انفسهم فهي “ان كل من أعرفهم او سمعت عنهم من البخلاء ممن فارقوا الحياة ، تركوا اموالهم وعقاراتهم لمن خلفهم من دون ان يترحم أي من الورثة عليهم أو الدعاء لهم أو التصدق عنهم ..بل وكانوا يشتمونهم ايضا قائلين ” لك المن ضامهن ..لبخت النايمين للضحى ؟!!”
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إياكم والشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم أمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالظلم فظلموا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا».
علما أن البخل هو المنع من مال نفسه، والشحُّ هو بخل الرجل من مال غيره كما يقول الفقهاء فلو رأى الشحيح انك تصدقت على فقير متعفف لقال لك فورا ” ﻻتنسى اهلك ..او هذا رجل لايستحق ..أو لو انك ادخرت مالك لعيالك فلعل غدا يكون اسوأ من اليوم ..والقرش اﻷبيض ينفع باليوم اﻷسود ” وقد مررت بتجارب شخصية مريرة من هذا النوع ولن تتملص منها الا بأن تعطي مال الصدقة الى الشحيح الذي يصاحبك وتقول له ” تصدق على ذاك الفقير ..ليشعر اﻷفندي ..بأنه يلعب دور الكريم ﻷول مرة في حياته ” علما انه سيظل يذكر ذلك الفقير وكلما التقاه او ضعفت ذاكرته بأنه تصدق عليه ذات يوم وسيشيع الخبر في اﻷرجاء على انه تصدق على فلان بن علان ..مع ان المال ليس ماله والصدقة ليست صدقته !
وأتمنى من كل قلبي أن يضاف الى الدساتير العالمية كلها بند يجرم البخل والبخلاء ويعده جريمة اخلاقية توجب العقوبة ويصدر بحقهم قوانين رادعة مادية ومعنوية توازي نظيراتها من الجرائم المجتمعية والاخلاقية الاخرى !
ولله در القائل :

أمَّا الكَريمُ فيَمضِي مَالُهُ مَعهُ …ويَتركُ المَالَ للأعداءِ مَن بَخِلا
!اودعناكم اغاتي