23 ديسمبر، 2024 11:06 م

القول الحســـم .. في (التطبيــــر) و (اللطـــم)

القول الحســـم .. في (التطبيــــر) و (اللطـــم)

الزواج حق.. وحاجة انسانية .. ويرافقه حفل وأكل – غالبا – وهرج ومرج، احيانا.

والموت حق.. ونهاية لكل انسان.. ويرافقه بكاء وأكل.. ومعارك ومشاكل ، احيانا..!

الا ان الزواج (قضية).. والاحتفال به قضية (ثانية).. واحياء الذكرى السنوية للزواج.. هي قضية اخرى..

كذلك، موت الحجي (قضية).. والفاتحة هي قضية (ثانية).. واحياء الذكرى السنوية للوفاة.. هي قضية اخرى..

تصور..حبيبي القاريء ..لو أن أحدنا اعترض على زواج (فلان) من (فلانة) لان حفل (العرس) كان كذا وكذا..! أو ظل ينتقد طريقة الاحتفال.. التي تمت حسب تقاليد وعرف اهل منطقة (العريس) .. !

في البصرة، في منطقة الزبير، يخرج اهل (الميت) لدفنه ليلا، في اقرب مكان، دون بكاء أو عويل.. ودون فاتحة.. واذا سالتهم ، مستغربا.. قالوا لك: ابونا (الوالد) راح حك داره.. ولا اعتراض عندنا..!

كذلك، في البصرة، في منطقة حي الحسين (الحيانية)، يخرج اهل (الميت) عن طورهم.. وتنقلب حياتهم.. بعض النساء تشق (زيجها).. وأخرى (تتبعثر) على التراب.. ويصعد البكاء والعويل الى عنان السماء.. وتنعى (الام) ولدها بقصيدة (تبجي) الحجر.. وتنفق الملايين لاجل الدفن في النجف الاشرف، بين استغلال (الدفان).. وقساوة صاحب المطعم.. وضيافة (المشيعين) للجنازة.. وينصب (الجادر) لمدة 3 ايام ولمدة 24 ساعة..(انظر هامش رقم 1)

واذا سالتهم ، مستغربا.. قالوا لك: هل تريد منا ان نقصر في فاتحة الحجي ودفنه..!

اليوم، وفي صفحات التواصل الاجتماعي، تركيز على الشعائر الحسينية.. أكثر من التركيز على الثورة الحسينة.. وأقصد التركيز في النقد والاعتراض..

البعض يعترض على اداء افراد ..او يقترح بديلا لها.. مثلا توزيع مواد غذائية على العوائل الفقيرة بدلا من مواكب الاطعام.. او التبرع بالدم بديلا عن (التطبير).. وهذه اشياء مفيدة.. لكنها لا تغني عن شعائر احياء الثورة ..

وقبل ان ارد على الاخوة المعترضين، اثبت النقطة التالية: وهي ان الشعائر والمواكب كافة، تحكمها ضوابط عقلية وشرعية، اهمها:

الضابط الاول: عدم ازعاج الاخرين، بالصوت العالي، اذا لم يكن منسجما مع ذوق وعرف وقبول (اغلبية) الحي والمنطقة .

الضابط الثاني: عدم التسبيب بالضرر للمجتمع والمارة.. فلا يصح اقامتها في الطرق السريعة لانها عامة للشعب. اما في الحي والمنطقة، اعلم ان اقامتها يتطلب موافقة اهل المنطقة (2).

الضابط الثالث: عدم الانحراف عن الذوق العام للمنطقة والحي. اما اذا كانت (الشعيرة) تنقل فضائيا، وجب ان يحكمها الذوق البشري الغالبي، والاخلاق العامة (3).

فضلا عن التزامات اخرى وضوابط تفصيلية، الا ان اي خلل، يفترض ان ينظر له على انه حالة شاذة، لا يلتفت لها، لان المواكب تقام باعداد كبيرة، بالالاف او بمئات الالاف، منسجمة مع الارث الحضاري لكل منطقة، ومع المستوى الثقافي لافرادها. فتواضع يا اخي الناقد..!

وكما ان حصول حالة (قتل) في حفلة زواج، بسبب اطلاق نار، من احد الحاضرين، لا يعني بطلان (الحفلة) او (الزواج) او نقده والتشهير به.. والمهم ان يكون (الناقد) منصفا، ومراعيا للاحداثيات الزمانية والمكانية لفعاليات احياء الثورة الحسينية، مع الالتفات الى العوامل المجتمعية والثقافية المرافقة لتلك الفعالية.. واقول:

اولا: البعض منا، ينتقد حبا وحرصا للاصلاح.. واخر يضع نفسه (حاكما) على الكون..دون تواضع ودون (حسن ظن) بالاخرين.. فضلا عن فقدانه للموضوعية في الحكم على تصرفات الاخرين.. ولا يراعي الجوانب العاطفية لمن يقيم الشعائر.. بفطرته.. راجيا الثواب.. حسب فهمه المحدود..

ثانيا: ان الثورة، عموما، حالة ايجابية في تاريخ البشرية، واول الثورات هي ثورة (سبارتكوس)..الا انها كانت محدودة، تخص (العبيد)..ولاسباب طبقية.

اما عن اول ثورة شاملة، كانت ، هي ثورة الامام الحسين عليه السلام، وهي ثورة عالية المضامين والقيم، تطالب بحكومة عادلة صالحة، وهذا ما تحتاجه البشرية في مسيرتها التكاملية نحو (مجتمع سعيد) و (دولة عادلة).. لذا، يكون مفيدا – جدا – للبشرية احياء هذه الثورة، كلا بحسبه، وامكانيته، بما يخدم (استمرار الثورة) ..وبما لا يعارض الذوق العام.. او يخل بالمصالح العليا (4).

ثالثا: يفترض ان نفصل بين قضية (الثورة الحسينية) و قضية (احياء الثورة) .. وقضية (ادوات) الاحياء.

رابعا: هنالك اسس علمية ومنطقية للتحليل والاستقراء لاية قضية، يفترض ان يفهمها المعترض.

اقول: ان الشعائر الحسينية تطورت بوعي.. مثلا ، شعيرة التطبير، وعليها اعتراضات كثيرة، لكنها هي الاقرب الى عناصر الثورة الحسينية، لانها تتضمن الكفن والسيف والدم، وهي تجسد (التحدي) و (الاصرار) و (التضحية).. وهي الاكثر تاثيرا واحياءا لروح الثورة وعناصرها، مع تفصيل في وقت اخر.

وللتوضيح.. تصور استفادة متظاهرينا في العراق من استخدام الشعائر الحسينية، لازالة الطغمة اليزيدية الحالية التي دخلت مع المحتل وسرقت قوت الشعب وقتلت ابناءنا واعتقلت مثقفينا.. وللحديث بقية

…… هوامش:

(1) انا لا اعترض على مجالس الفاتحة، بل أويدها، لاني افهم تلك الرابطة الاسرية.. والعاطفة الجياشة.. فضلا عن تلك الفوائد الاجتماعية في التواصل اثناء الفاتحة وتطبيق مباديء التكافل الاجتماعي.. واعترض فقط على تشغيل (القران الكريم) دون الانصات له..وهو شائع للاسف جدا..

(2) لكل منطقة عرفها، الواضح اجمالا من اقرار وقبول المنطقة دون ضغط واكراه.. وليس كما يحصل في (…) ..حيث تفرض المواكب بمساعدة الجهات الامنية.. وهذا لا يجوز شرعا.. الا بموافقة اهل المنطقة او اقامتهم لها طوعا..ودون اكراه.

(3) للاسف، يسارع البعض الى النقل التلفزيوني لشعائر حسينية، تناسب الذوق الخاص لمنطقة ما، ويعرضها بشكل واسع، مما يثير الازعاج والاستغراب، وهؤلاء (خدمة الحسين) يتوهمون الاجر والثواب، وحصتهم اللعنة والعذاب، لانهم تصدوا لامر مع القصر والتقصير.

(4) تحددها المرجعية الدينية الفعلية، التي لها قواعد شعبية معتد بها، ترجع اليها، وفي العراق ، تتجسد بالسيستاني والصدر.