23 ديسمبر، 2024 6:50 م

القوة بين الصراخ والتأثير

القوة بين الصراخ والتأثير

مهما تراجعت حدة الصراع في الشرق الأوسط، تعود مرة أخرىللإشتعال، وتستمر المواجهة بين إسرائيل وقوى المقاومة الشيعية فيلبنان..

هذه المواجهة المستمرة تؤثر في تشكيل المشهد الجيوسياسي، فيمنطقة لطالما تم تصوير إسرائيل فيها كقوة عسكرية واستخباراتيةهائلة، تدعي امتلاك قوة لا مثيل لها، لكن ما الذي أظهرته الأحداثالأخيرة، بين ما يدعيه الكيان وما يحدث فعلياً على الأرض؟

الكيان المحتل يتفاخر، بامتلاكه لأجهزة استخبارات متقدمة، وقدراتعسكرية ضخمة، مع شبكة واسعة من الأسلحة عالية التقنية، مع سجلطويل من الضربات والاستهدافات.. لكن على الرغم من هذه القدرات،أظهر أداؤها خلال الأحداث الأخيرة محدودية واضحة، كاشفةًمؤشرات لتصدعات بنيوية في هذا النظام، الذي كان يُعتبر غير قابلللاختراق..

من هذه المؤشرات حاجتها لإستخدام قوة تفجيرية هائلة، بعملية حملتمخاطر عالية، في محاولة اغتيال الشهيد نصر الله، فإستهدفت مبنىسكنياً بهدف اغتياله، ومع ذلك، وبالرغم من تدمير عدة مباني بواسطة٨١ طن من المتفجرات، لم يُقتل نصر الله في الهجوم، بل استُشهدلاحقاً نتيجة مضاعفات الهجوم، وهذا الفشل في تحقيق الهدف، علىالرغم من القوة النارية الهائلة، يبين عجز الكيان عن تحقيق نتائجدقيقة.

امر اخر يظهر عجزاً استخباراتيا، من خلال عدم القدرة على تأكيداستشهاد السيد صفي الدين الهاشمي، أحد الشخصيات البارزة فيالمقاومة الشيعية، والذي كان قد استشهد منذ سبعة عشر يوماً، لكنأجهزة المخابرات الإسرائيلية، فشلت في تأكيد هذه الوفاة المهمة لهم،على الرغم من المراقبة المستمرة والجهود الاستخباراتية البشرية، وبقيهذا الحدث الكبير غامضاً، حتى أكده حزب الله.

ثالث الإشارات المهمة تتعلق باغتيال يحيى السنوار، زعيم حركةحماس، الذي ما كان ليحدث، لولا خيانة أجهزة استخبارات دولةمجاورة، فقامت الطائرات الإسرائيلية المسيرة بالتأكد من وجوده قبلتنفيذ الهجوم.. لكن نجاح العملية لم يعتمد كفاءة الاستخباراتالإسرائيلية، بل  تحقق بتعاون خارجي، وهذا يوضح اعتماد إسرائيلعلى الفساد والخيانة الداخلية، بدلاً من قدراتها الخاصة.

هذه الأحداث لا تنكر إمتلاك إسرائيل قوة عسكرية قاتلة، لكن لنتساءلهل لهذه القوة العسكرية تأثير؟

يشير مختصون في العلاقات الدولية، إلى أن نجاح أي شكل منأشكال القوة، يعتمد على مستوى تأثيرها.. فالقوة التي بدون تأثير،هي مجرد صراخٌ في الفراغ، كما يصفها بعضهم.. وفي هذا السياقفإن العمليات العسكرية للكيان الغاصب، على الرغم من كونها مدمرة،لكنها تفشل في تحقيق أهدافها الرئيسية في حالات كثيرة، مما يقللمن تأثيرها الفعلي على الأرض.

اعتماد إسرائيل على شراء الولاءات، واستغلال الخونة في صفوفأعدائها، يكشف اعتمادها على التلاعب بدلاً من التفوقالاستخباراتي، في المقابل يبدو أن قدرات حزب الله الاستخباراتية قدعادلت نظيرتها الصهيونية، كما حصل عندما تمكن الحزب من تحديدمكان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، ثم أرسل الحزب طائرة بدونطيار، والتي كان واضحاً أنها لا تهدف للقتل، بل هي رسالة رمزية،وكأنها باقة ورود تحمل رائحة البارود، وصلت إلى نافذة القاتل، مفادهاأننا نستطيع قتلك متى ما نريد..

هذه الرسالة تؤكد مستوى التأثير والقدرة التي يمتلكها الحزب، وتوضحأن قوته ليست فقط عسكرية، بل نفسية واستراتيجية أيضاً، وعلىالرغم من تفوق إسرائيل في الأسلحة، فإن أفعال الحزب تُظهر أنتأثيره العميق، يتردد صداه في جميع أنحاء المنطقة، وأن التأثير أقوىمن القوة.