18 ديسمبر، 2024 8:14 م

القوة الناعمة وجه الهيمنة الأمريكية الجديد

القوة الناعمة وجه الهيمنة الأمريكية الجديد

لم يكن صعبا على المراقب السياسي إكتشاف نزوع الولايات المتحدة الأمريكية للهيمنة على مقدرات العالم بأي شكل من الأشكال، اذ ان الهدف الاستراتيجي لأمريكا هو تحقيق الهيمنة من خلال إدامة السيطرة والتفوق واستخدام القوة العسكرية متى ما رأت ان ذلك يصب في مصلحتها، وزرع الخوف والرهبة والرعب في نفس الخصم، وجعله قانعا من عدم تردد أمريكا من استخدام القوة العسكرية في أي وقت تشاء، من أجل إحداث تغيير في النظام العالمي تقوم أمريكا بقيادة خطوطه ومساراته، واستثمار المتغيرات الجيوسياسية التي أفرزها التباين الكبير بين الإمكانيات الهائلة للنفوذ الإقتصادي، والقوة العسكرية، والتطور العلمي والتكنولوجي لأمريكا، وبين حاجة بعض الدول الى الحماية والأمن والحصول على المساعدة في تخطيط استراتيجيتها، وتحسين إقتصادها، ما يدفع أمريكا الى إعادة تشكيل سياسة تلك الدول وبنائها بشكل يجعلها تدور في فضاء السياسة الأمريكية.
وإذا كانت سبعينات القرن الماضي قد شهدت تركيزا كبيرا للاستراتيجية الأمريكية في استخدام كل انواع القوة، واضعة نصب عيونها منطقة الشرق الأوسط، أو ما يسمى بـ (منجم الذهب)، أو(قلب العالم)، الذي يحتوي على مصادر الطاقة الرئيسية والمهمة، وعدّت أي تهديد للشرق الأوسط بمثابة تهديد للأمن القومي الأمريكي.
ويقول الباحث علي محمد امنيف الرفيعي في كتابه الموسوم (القوة الناعمة وأثرها في مستقبل الهيمنة الأمريكية): “سرعان ما دخلت العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي (السابق) بحقبة جديدة في مرحلة الثمانينات، لا سيما بعدما أعلنت الولايات المتحدة عن برنامجها المشهور (مبادرة الدفاع الإستراتيجي) أو(حرب النجوم)، عبر إقامة قواعد لإطلاق الصواريخ في الفضاء الخارجي، وأصبحت الولايات المتحدة بصدد إعداد لإستراتيجية عسكرية جديدة قادرة على إستخدام القوة المسلحة، بما فيها الأسلحة النووية، علاوة على التأهب لخوض حروب دولية في الوقت نفسه، لتصبح متحكمة في تفاعلات النظام الدولي”، لتهيمن أمريكا على مقدرات العالم بوصفها قوة ذات قطب واحد، ومع التطور والتقدم التكنولوجي الذي شهده العالم، والإنتشار الواسع للمعلوماتية، ووسائل التواصل الإجتماعي ، ذلك جعل العالم قرية صغيرة عبر العولمة ، والإنفتاح بين المجتمعات على المستويات كافة، ما جعل الهيمنة الأمريكية تفكر في إستثمار قوة جديدة بأقل الخسائر، وإستخدام قوة هائلة خفية جديدة تسمى بـ: (القوة الناعمة)، على شكل مشروع يخطط بشكل استراتيجي، ما يجب أن يكون عليه العالم، من منظار الإستراتيجية الأمريكية، وإعادة توجيه المسارات الإقليمية والدولية، وحساب البعد المستقبلي وما يطرأ عليه من إحتمالات، إذ ” ان الأحداث اللاحقة لإنهيار الإتحاد السوفيتي (السابق) وصولا الى أحداث 11 أيلول 2001، ثم تجربة الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب في العراق وافغانستان، سوغت الميل الأكاديمي والرسمي لإلتماس البحث في القوة الناعمة وآلياتها، والإستمرار بالقيادة وتفاعلاتها، وهو ما يعني تجديد وديمومة الهيمنة الأمريكية على العالم.”
ويرى الباحث علي الرفيعي ان القوة الناعمة هي: “القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلا من الإرغام أو دفع الأموال، وهي تنشأ من جاذبية ثقافة بلد أو سياسته، فعندما تبدو سياسته مشروعة في عيون الآخرين تتسع عندئذ القوة الناعمة” ذات القدرة على الجذب والإستقطاب اللذين يؤديان الى الرضا واحترام المثل والقيم، ما يدفعهم الى ان يفعلون ما تريده.
ومن هنا تكون للقوة الناعمة قابلية الإقناع والتعاون، بدلا من إستخدام القوة المسلحة، واذا كان للقوة الناعمة القدرة على الإحتواء الخفي، والجذب اللين، بحيث يرغب الآخرون في فعل ما ترغب فيه القوة المهيمنة، من دون الحاجة الى استخدام القوة.
ويقول مؤلف الكتاب الأستاذ علي الرفيعي “حينما تبدو السياسة الأمريكية مقبولة أو مشروعة في أعين الآخرين، يتعاظم دور القوة الناعمة أكثر، وبموازاة ذلك تتراجع الحاجة الى استخدام القوة الإكراهية”، وذلك يسمح لها بتوجيه أفكار الآخرين والتحكم في رؤاهم وتوجيه مسالكهم الخاصة بسهولة ويسر، ودفعها للدوران في الفلك الأمريكي، كل ذلك دفع القيادة الأمريكية الى دمج عناصر القوة الصلبة والناعمة مع القدرة على التكيف وفق منهج جديد، يصهر المفاهيم في قالب واحد، يمنح القدرة والتكيف مع القدرة والضرورة في كل موقف وكل ظرف.