17 نوفمبر، 2024 1:31 م
Search
Close this search box.

القوة الجوية للحشد الشعبي… الواقع والدلالات

القوة الجوية للحشد الشعبي… الواقع والدلالات

مقدمة
ليس مستغرباً أن يثير الأمر الديواني الذي أصدره السيد “أبو مهدي المهندس” بتشكيل مديرية قوة جوية للحشد الشعبي العراقي وإناطة إدارتها -بالوكالة- إلى العقيد “صلاح مهدي حنتوش المكصوصي” لغطاً واسعاً وآراءً متناقضة، ما بين مهلّلٍ ومُكَبّر للحشد وإمكاناته المتعاظمة إستناداً على فتوى الجهاد الكفائي للسيد “علي السيستاني” عام 2014، وبين منتقِد بأن لا ضرورة لها، وهو تجاوز على صلاحيات القائد العام للقوات المسلّحة العراقية.
فما واقع هذه القوة؟؟؟ وما دلالات تشكيلها على العراق؟؟؟
رؤى منطقية
بإمكاننا إختصار هذا التشكيل ضمن نقاط:-
أن “أبا مهدي المهندس” هو الرئيس المتنفّذ والقائد الحقيقي للحشد الشعبي العراقي يتمتع بصلاحيات واسعة شبه مطلقة، من حيث إصداره أمراً ديوانياً بمستوىً عالٍ وخطير يتضمّن إستحداث قوة جوية خاصة بالحشد متعدّياُ صلاحيات رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلّحة.
ليس السيد “فالح الفياض” رئيساً لهيأة الحشد الشعبي إلاّ بالإسم.
لا ترتبط رئاسة هيأة الحشد الشعبي بالقائد العام (الدستوري) للقوات المسلحة العراقية سوى بالإعلام والشكل، ولا سطوة لرئيس الوزراء عليها.
وقد خطى الحشد الشعبي العراقي خطوات ميدانية وجدّية ليكون نِدّاً لجيش العراق وقواته المسلّحة بعد إمتلاكه أسلحة ثقيلة أفضل وبأعداد أعظم مما لدى الجيش، ويتحرّك كما يشاء وينفّذ عملياته وفقاً لما يرتأيه قادته الأعلون، وليس بإستطاعة أحد إيقافه وحتى إعتراضه.
ينبغي أن نعرف أن أية قوة جوية في عموم العالم هي مؤسسة إستهلاكية كبيرة لا تضاهيها جميع صنوف القوات المسلّحة، من حيث تكليفها خزينة الدولة صرفيات باهظة، حتى من دون إحتمالات الفساد وإرهاصاته في العراق وسواه… فهي ليست مجرد طائرات متنوعة بطيارين أم بدونهم فحسب -كما يتصورها الكثير من غير أصحاب الخبرة والمتابعين- بل تتطلّب لها قواعد جوية ومطارات واسعة ومناطق محاذية آمنة، وملاجئ محصّنة ومدارج وشوارع، وحراسات مشددة طوال 24 ساعة، ومخازن أعتدة وذخائر ووقود ومفارز إدامة وتصليح، وسيطرات جوية ووحدات إدارية وخدمات أساسية ومبانٍ وبُنىً تحتية، ومقرات يديرها طيارون أقدمون وضباط ركن يعملون نهاراً وليلاً، ورادارات ووسائل دفاعات جوية مُنذَرة على مدار الساعة، فتضيف كل هذه المتطلّبات إرهاقاً بمئات الملايين من الدولارات تُرصَد من موازنة الدولة ليس عند إنشائها فقط، بل في كل سنة.
لقد تصاعد الحشد الشعبي في العراق بتشكيلاته وأدواره وأضحى شبيهاً بالحرس الثوري الإيراني بمواقعه الرسمية والقانونية والميدانية والإعتبارية الأعلى من الجيش لدى النظام الإيراني.. لذلك ينبغي أن لا يُستغرَب وقتما يتم خلال المستقبل المنظور تحويل النظام السياسي العراقي الراهن تحت ذرائع الإصلاح والقضاء على الفساد المستشري إلى نظام ولاية الفقيه القائم لدى جمهورية إيران الإسلامية منذ أربعة عقود، وذلك إمّا بتعديل الدستور وسنّ قوانين محددة، أو حتى بإستثمار النفوذ السياسي والقوة المسلحة المتاحة بين أيدي الحشد.
كما يجب أن لا نستغرب أن تشكّل رسمياً رئاسة أركان منفصلة للحشد الشعبي توازي رئاسة أركان الجيش العراقي، ولربما وزارة خاصة بالحشد أسوة بوزارة الدفاع وشبيهة بوزارة البيشمركة لإقليم كردستان.
رؤى الأصدقاء الأعزاء
لقد بعثت تلكم النقاط لأصدقاء ذوي شأن، فكتبوا لي مشكورين -ومن حيث لم أتوقّع- عشرات المداخلات جلّها إطراءات… في حين وردتني أُخرَيات أفادتني كثيراً وذكّرتني نقاطاً لم تأتِ على بالي، فكانت رؤاهم جديرة بالإهتمام، أوجزها في نقاط:-
ما علاقة “العقيد صلاح المكصوصي” بـ”الجنرال قاسم سليماني” -وهو قائد فيلق القدس المرتبط عضوياً بقيادة الحرس الثوري الإيراني- بحيث تجمعهما صورة مع السيد “أبو مهدي المهندس” يوم صدور قرار تشكيل قوة جوية للحشد الشعبي العراق في “بغداد”؟؟!!
يُقال عن “العقيد صلاح” كونه موصوف أمريكياً بالإرهاب، لذا فإن تعيينه بهذا المنصب الرفيع ما هو إلاّ تَحَدٍّ جديد يُضاف إلى التحدّيات القائمة ضد “واشنطن” على أرض العراق.
لقد تراجعت رئاسة هيأة الحشد عن إعلان تشكيل مؤسسة تحت مسمّى “قوة جوية” شبيهاً بتراجعها عن تصريحات لـ”أبي مهدي المهندس” وتهديداته إثر قصفات جوية مجهولة لمستودعات أعتدة تابعة للحشد، ما يشير إلى محدودية تماسك رئاسة الهيأة عند إصدار قراراتها.
وعن موضوعة القوة الجوية، فقد أوضح أحد قادة الحشد والناطق السابق بإسمه، بأن الموجود الحالي ضمن المقر الأعلى لهيأة الحشد لا يعدو سوى شعبة أو دائرة صغيرة تُعنى بأمور مئات الطائرات المسيّرة (درونز) الإستطلاعية والقتالية المتوفرة لدى تشكيلات الحشد منذ أربع سنوات على أقل تقدير… أما الكتاب الرسمي بتوقيع “أبي مهدي المهندس” والذي إنتشرت صورته في مواقع الإنترنت، فإنه ((مدسوس ومُفَبرَك)).
ناهيك عن السلاح المنفلِت في الشارع العراقي، سواء لدى العصابات التي تعيث في “بغداد” خصوصاً وعموم المحافظات فساداُ وإرهاباً، وكذلك السلاح غير المرخص لدى ملايين المدنيين، ومجاميع الأسلحة الثقيلة والمرعبة التي تمتلكها العشائر المتنفّذة في مختلف بقاع الوطن حسب تصريحات أطلقها قادة شرطة وعمليات المحافظات، ويُضاف إليها عدد من الفصائل المسلّحة غير المسجّلة لدى أية مؤسسة للحشد الشعبي والتي أُعتُبِرَت خارجة على القانون… فقد أضحى لدى دولة العراق (ثلاثة) جيوش رسمية تتبع القيادة العامة للقوات المسلّحة قانوناً… فإضافة للجيش العراقي النظامي فهناك “جيش البيشمركة” النظامي الكردي التابع لحكومة الإقليم، قبل أن يُضاف إليهما “الحشد الشعبي” ويُطَوَّر ليضحى -حسب تصريحات قادته- أقوى بإمكاناته وأثقل في أسلحته من الجيش النظامي، وقد برهنت تصرّفات البعض من قادته الرسميّين أنهم لا يأتمرون بالعديد من الأوامر ولا يلتزمون بتوجيهات قيادة الدولة سوى ما يتلاءم مع رؤاهم وتوجّهاتهم.
لم يكن من المنطقي أن المرجع الأعلى “السيد آية الله علي السيستاني” قد إبتغى بفتواه الدفاعي الكفائي عام 2014 غير حمل السلاح الخفيف للدفاع عن مراقد الأئمة العظام (ع) ودرء الأخطار المحدقة بها في حينه، ولم يكن مقصده تشكيل العشرات من الفصائل والأفواج والكتائب والألوية المدججة بالدبابات والمدرعات وعجلات القتال المدرعة والمدافع والطائرات تكون نِدّاً للجيش والشرطة الإتحادية ومكافحة الإرهاب… وأكبر الظن أن المرجعية لم تكن تتمنى أن تتصاعد الأمور إلى مواقف تؤثر على مسيرة الدولة وتتحدى القرارات الصادرة من سلطاتها الرسمية.
كلمة لا بدّ منها
وأخيراً لا بدّ من أن نختتم مقالتنا بأنه ليس من قبيل القدح لإيران مهما إختلفنا أزاء توجّهاتها، أو كيل المديح لها إذا تطابقنا معها بقول الحق، فأنها حققت –حسب رؤيتنا وتصريحات كبار قادتها- إنجازات مشهودة بتوسيع مجالات أمنها القومي ونأي الأخطار عن أرضها وسمائها بوضه خطط متقنة والإقدام على خطوات ميدانية جريئة، وذلك بإخترقها “العراق” عنوة وبوسائل عديدة منذ عام 2003 أمام أنظار الإحتلال الرسمي للعراق وتمركز القوات الأمريكية والبريطانية في ربوعه لغاية عام 2011، قبل أن تنطلق “إيران” إلى “سوريا” مع أحداث عام 2011، وذلك بعد سطوتها المعروفة على “لبنان” منذ ربع قرن أو يزيد.
وبذلك فإن “طهران” لا تواجه “واشنطن” وحلفاءَها في مضيق هرمز وخليج عُمان وسواهما فحسب، بل تتحداها -ولو بشكل غير مباشر- وتُبعِد الأخطار عن بقاعها وأجوائها بإستثمار مؤيديها وأتباعها في العراق رغم التهديدات والتحذيرات الأمريكية… وهذه نقطة ينبغي أن تسجّل لصالح قادة “طهران” في تحقيقهم لغاياتهم الستراتيجية العليا التي لا يخفوها أو ينكروها، بل يفتخرون بها ويزهون ويُهَنَّأون عليها، فقد غدت دولتهم ذات سطوة وسط الشرق الأوسط ذي الأمواج المتلاطمة والمعضلات المتعاظمة بحيث يُحسَب لها ألف حساب، مثلما كان عليه حال العراق لغاية غزوه للكويت عام 1990.

أحدث المقالات