يراهن بعضهم على “القوة” في دعايته الانتخابية، من دون ان يبين طبيعة هذه “القوة”، وعلى من يريد ان “يستقوي” ، وضد من يفرض “قوته”.
اعلان كبير، يغطي مساحات واسعة من شوارع بغداد، ويختار واجهات المباني المرتفعة ، والجسور ، يختزل من خلالها السيد المسؤول، والمرشح عالي المقام، برنامجه البنيوي ، من البناء طبعاً، وليس من النقد الأدبي، وحاشاني وحاشاكم من كل نقد، في كلمتين وسط صورة جماعية من اطياف مختلفة من الشعب : “رجل قوي .. ودولة قوية”.
بالتأكيد ، كلنا نتطلع الى بناء دولة قوية ، ذات سيادة كاملة، ومكانة مرموقة بين الدول، تلمسها من خلال الزيارات الرسمية على اعلى المستويات، حيث لا يفرض ضيف “ثقيل الدم والوزن” علينا زيارته من دون مقدمات ولا قواعد بروتوكولية، وكأنه من “أهل البيت” او من جماعة “يا ضيفنا لو زرتنا…”، او العكس عندما يزور مسؤولنا الرفيع وعالي الجناب، دولة من دول العالم الكبرى والصغرى وبين بين، فلا يستقبل بمستوى حجمه، وهذا مع الاسف تكرر مرارا، وكان على الدولة العراقية ان تنتفض لكرامتها البرتوكولية وتستنهض كل معاني القوة التي يبدو أنها لاتشمرعنها سواعدها الا على أبناء جلدتها، تأسياً بالشطر الثاني من البيت الخالد : “…. ولكن على أبناء جلدتهم أسود”، وحذف الشطر الأول لضرورات السلامة الوطنية.
وبعيداًعن نوع وشكل الاعلان، والنيات التي يحملها السيد المرشح ، فإن القوة على اطلاقها تعني العنف والبطش والقسوة، مالم يحكمها ضابط العدل.
لذا، ليس ممدوحا الرجل القوي، الا اذا كانت قوته لحق ينتصر له، او ارض يدافع عنها ، او شرف يصونه، وبخلاف ذلك، لا تصبح هناك قيمة للقوة، بعد ان تكون مجرد سطو وتجبر.
ربما التهديد السياسي، او اعمال الدهم المستمر لبيوت المواطنين، او فرض الحصارات على مدن ومناطق واحياء ، وزج الابرياء في السجون، والقصف المدفعي والجوي والبرميلي تحت اي مسوغ، تخيف الناس او ترعبهم ، لكنها لم تكن ابدا مؤشرا على القوة، كذلك لا يمكن ان نتصور ان وجود جيش عرمرم وقوات متعددة الصنوف واسلحة مختلفة المناشيء ، ورجال رسميون وغير رسميين مدججين بالسلاح، يكفي لاضفاء القوة على مركز القرار او السلطة او النظام، والشواهد لا حصر لها في الحاضر والماضي، والتأريخ يزخر بالنماذج، لكن لمن يعتبر.
ولعلكم تذكرونها جيدا مقولة ذلك الامير الفارسي ، عندما وقف امام خليفة المسلمين عمر في أوج قوته وانتصاراته ، وهو نائم تحت ظل شجرة، بلا حراس ولا قواطع كونكريتية او اسلاك شائكة تحوطه، ولا موانع تحجز بينه وبين الرعية :”عدلت .. فأمنت .. فنمت”.
اذاً، ما تحتاجه بلادنا ، العدل، من اجل ضمان امن وأمان الوطن، وليس القوة المفرطة.. ولا طائرات من الشرق والغرب .. ولا مدفعية تدك بيوت المواطنين.. نعم نحتاج الى ذلك لعدو يريد الشر ببلادنا ، لكن في غياب العدل، يضيع الدم ، وتضيع الحقوق.
العدل اساس الملك، هكذا تعلمنا .. لكن ليس العدل مجرد وزارة لإنزال القصاص بالمتهمين أو المدانيين، كما يفهمه بعضهم، وأعنيك ياجارة، أما ان تكون القوة اساس الملك، فهذا لمن يريد ان يبني دولة الخوف من اجل عيون الكرسي ، والله يستر منك يا “لساني”.