اليوم في عراقنا الجديد.. صار الكلام في أروقة ساسته ودهاليز مسؤوليه ومعتلي المناصب الرفيعة سلعة يدلل بها وعليها.. او فلنقل أداة يُسخَّر بها موزون الكلام وشفيفه، ورصين اللفظ ومسبوك المعاني، الى حيث قلب الحقائق وتشويه الصور او تزويقها أحيانا، كذلك تطلق البيانات والخطابات على بساط المكر والخديعة، للوصول الى غايات لاتخدم غير الباطل فتلبسه لبوس الحق. وإنه لمن المؤلم حقا أن هناك مستمعين واقفين على قدم وساق، وكلهم آذان صاغية يصغون الى لغو الكلام وباطله فيأخذ فيهم مأخذ التصديق والاعتقاد، نائين كل النأي عن “الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه”. والكلام، هذه النعمة التي خص الله بها الإنسان يأخذ أحيانا شكلا من أشكال الفنون، إذ يتعدى كونه وسيلة تعبير او مخاطبة، حينها يتحكم المتكلم بما يمتلكه من أفانين في صياغة كلامه بما يمكّنه من إدارة دفه الحديث. والكلام يختلف عن باقي الفنون.. ذاك أن مؤديه مسؤول عن كل تفاصيل ما ينطق به، وقد أوصانا سيد البلغاء عليه السلام بإيلاء كلامنا اهتماما خاصا فقال:
واحفظ لسانك واحترز من لفظه
فالمرء يسلم باللسان ويعطب
ولايخفى على الجميع أن صياغة الخبر والبيان والتصريح في مؤسسات الدولة، يمر بسلسلة من التنقيحات والتمحيصات والتعديلات، سواء أمقروءًا كان أم مرئيا أم مسموعا! لكي يصب بصياغته الأخيرة فيما ترنو اليه الجهة المصدرة له، لاسيما إذا كان كلاما في قضية حساسة يُستشف منه موقفها ووجهة نظرها فيه. وهلم جرا، يأخذ مفهوم الكلام صاحبه الى حيث يفهمه الناس الأسوياء، فيكون الحكم على ناطقه من خلال ماتفوه به، فإن كان خيرا فالحكم حتما يكون خيرا، وإن كان شرا فشرا. وكما يقول مثلنا الشعبي: (كل لعب ومنّه بس) فقد آن الأوان ليلتفت ساسة البلد المتعب الى عهدٍ قطعوه بالكلام لشعبهم الذي سوَّدهم على نفسه، وحكّمهم بحاضره ومستقبله وبخيرات بلده، فالفرصة مازالت مواتية -بعد أن نفد كلامهم- للعمل الجاد والمثمر لرسم صورة جميلة للمسؤول والرأس بعد ان شوهوها أمام الرعية والمرؤوسين.
اليوم ونحن في غرة شهر محرم الحرام، يسعى أغلبنا الى نيل رضا شخص اختط لنا منذ قرون مضت طريقا من دمائه، للخوض فيه في لج بحر تتصارع فيه أمواج الزيف والمكر والخذلان، طريق ان سرنا على نهجه ولم نحد عنه؛ وصلنا بر الأمان في الدنيا والآخرة. شخص لم يكتفِ برضا الله عنه فحسب، بل سعى ان ننعم نحن ايضا برضاه تعالى، فدلنا على سبل مرضاته بجعل أنفسنا نظيفة وخلائقنا شفافة وأخلاقنا حميدة ونوايانا خالصة للخير، باذرين بذور الحب والوئام والصدق مع بعضنا، وقد قدم دمه كأقل قربان من أجل السلام والأمان، ومن المؤكد ان سياسيي بلدنا ومسؤوليه في أول قائمة المدعين بحبه والقوالين باتباع خطاه والسير على نهجه، وهم أيضا على رأس قائمة المحاسبين على كل ما يقولونه ومايفعلونه، فهل هم حقا يعملون ما يقولونه بما يرضيه؟ أم ستكون أعمالهم -كسابقاتها- زيفا وتصنعا ورياءً!.
[email protected]