اشغلت الحكومة الشيعية في بغداد نفسها وجماهيرها ، طيلة الايام الماضية ، بأمر دخول وحدات من الجيش التركي الى ضواحي مدينة الموصل التي يسيطر عليها داعش منذ حوالي عام ونصف . وقيل ان رئيس الوزراء السيد العبادي وجّه انذارا الى الحكومة التركية بوجوب الانسحاب خلال 48 ساعة ، واعقب الانذار بالطلب من ( القوة الجوية ) ان تكون في حالة من الانذار القصوى ، واراد بذلك ان يقنع جماهيره ان العراق لازال بلدا يمتلك السيادة وله قيادة تستطيع الدفاع عنه ، لم يحرك الانذار ولا التهديد باستخدام القوة الجوية ساكنا لدى الحكومة التركية ، بل ان الرئيس التركي اعلن بكل وضوح ان مسألة تراجع تركيا عن موقفها غير واردة . بعد انتهاء المهلة الخائبة التي حددها السيد العبادي للحكومة التركية ، قيل ايضا انه طلب من وزير خارجيته اقامة شكوى في مجلس الامن ضد تركيا لاخلالها بما وصفه سيادة دولة العراق . وبكل تأكيد لن يصدر عن المجلس قرار بادانة تركيا او شئ من هذا القبيل ، ربما قد يكتفي مجلس الامن بدعوة البلدين الى الحوار والتفاوض لحل ما تقول عنه حكومة بغداد انه ازمة ، وما تراه تركيا انه بداية لمشروع تدرك بغداد كل تفاصيله وهي موافقة عليه طوعا او كرها .
قبل ايّام كشفت بعض المصادر النيابية الشيعية ان نائب الرئيس الامريكي جون بايدن ابلغ العبادي في زيارته الاخيرة ، انه يجري الاستعداد لادخال قوات برية اقليمية وامريكية الى العراق وبحدود مائة الف عسكري ، وعلى ذمَ ة المصدر النيابي ان العبادي اظهر بعض الانزعاج الاّ ان بايدن اوضح له ان القرار قد صدر ولا نقاش بصدده .
قلنا ان حكومة بغداد الشيعية قد تكون موافقة على المشروع الشرق اوسطي الجديد طوعا لانها هي ذاتها التي اوجدت المبررات لمثل هذا المشروع الذي سنتحدث عنه لاحقا . حكومة بغداد هي التي فشلت في بناء دولة مواطنية ، واصرّت ان تكون طائفية بامتياز، وافهمت المكون
الكردي والسني ان لا امكانية لهما بالعيش في ظل دولة معممة لا تحرص على شئ غير اقامة المواكب المتنوعة وتسخير كل اجهزة الدولة لانجاحها ، وتم مشاهدة الشعب لرئيس وزراءه وهو يلطم ويعلو عويله ، وسمع عنه ان رجل الدين الفلاني يرفض الالتقاء به ، ويصدر اليه اوامره من خلال ممثليه اثناء خطب ايام الجمعة .
اما عن المشروع فربما سيتحدث عنه الرئيس الامريكي اوباما يوم غد الاثنين ، ولكن قبل ان نسمع اوباما ، سمعنا العديد من ساسة امريكا وحتى اوربا يقولون ان العراق وسوريا لن يعودا الى ما كانا عليه سابقا . اخر من تحدث عن هذا الامر هو (جون بولتون) السفير الامريكى لدى الامم المتحدة في عهد الرئيس بوش فقد كتب مقالا نشره قبل يومين في صحيفة ( نيويورك تايمز ) قال فيه ( ان سوريا والعراق اللتين نعرفها قد انتهيا وان البديل عن دولة داعش هو اقامة دولة سنية من قبل الولايات المتحدة وحلفائها العرب في موازاة دولة كردية . وجون بولتون يعمل حاليا باحثا في معهد ( انتربرايز ) وهو من اهم مراكز البحوث الامريكية المقربة من الادارة الامريكية .
الدولة السنية التي تتضمنه مشروع الشرق الاوسط الجديد ، تشمل محافظات غرب العراق وصولا الى الرقة السورية وربما الى محافظة حلب . اما الدولة الكردية فانها تشمل كردستان الجنوبية والغربية معا .
يبدو ان هذا المشروع الذي بوشر بتنفيذه بدخول القوات التركية والتي ستتعقبها قوات سعودية واماراتية وقطرية وينظم اليها قوات البيشمركة الكردية وقوات برية امريكية ، لم يعد يواجه تحديات كبيرة ، فيمكن ان يسقط داعش ( بكش ملك) فحسب ، وربما يختفي بين تنظيمات حزب البعث ويصهر فيها ، وحكومة الشيعة في بغداد لا تمانع ان لا تتمدد سلطتها لاقاليم حرّمت سكانها من حقوق المواطن . اما ايران ، وكما يظهر ، تبدو مقتنعة بان الحرب في سوريا يكلفها الكثير من الارواح والاموال ، ولذلك هناك انباء عن انسحاب الحرس الثوري الايراني من سوريا تزامنا مع دخول الدبابات التركية اطراف الموصل ، تاركة مهمة الدفاع عن الاسد
لروسيا ومنصرفة لانجاح الاتفاق النووي مع الغرب ورفع الحصار والعقوبات عنها ،اضافة الى انها اصبحت ليست مهيمنة فحسب على العراق الشيعي انما تديره كاقليم تابع.
روسيا من جانبها تركز جهودها كما يقال ليس لتدمير داعش ، وربما تترك هذه المهمة لامريكا وحلفائها ، انما لتأمين مرفأ لاسطولها الحربي على شواطئ اللاذقية وانقاذ حليفها بشار الاسد، وقد تكون الدولة العلوية هناك حلا يروق لها .
وستحصل تركيا على النفط والغاز بسعر مناسب من الدولة السنية ومن كردستان لسنوات طويلة يبعد عنها شبح التهديد الروسي بقطع الغاز عنها في اية لحظة .
طبعا الدولتان الجديدتان تحتاجان الى تمويل في بداية التأسيس ، وقد تسربت انباء عن تخصيص ملك السعودية لمليارات الدولارات للحكومة الكردية، انباء نفتها حكومة كردستان .
المهم ان المشروع الامريكي التركي الخليجي لم يعد سرا وهو يحظى علنا بتأييد اغلبية الكرد والسنة ، والاهم ان لا تصاحبه حرب او حروب في المنطقة .