18 ديسمبر، 2024 9:45 م

القوات الأمريكية والجيش التركي بينَ الإنتشار , الإنسحاب , وَ إعادة الإنتشار

القوات الأمريكية والجيش التركي بينَ الإنتشار , الإنسحاب , وَ إعادة الإنتشار

منذ عام 2011 سنة انسحاب القوات الأمريكية من العراق ولغاية اليوم , ولربما الى يوم يبعثون ! فما برحوا وما انفكّوا ارفع او اغلظ ساسة القطر يؤذون لنا المسامع , ويعكّرون لنا الأمزجة , ويطبّلون ويهوّلون بأنهم هم الذين ارغموا الولايات المتحدة على سحب قطعاتها من العراق , بل وهددوها بضربها وقصفها في حالِ عدم الأنسحاب .! , فغادرت الجحافل الأمريكية وكأنها تجرّ وراءها ذيول الخيبة .!

أيَّ مسوّغٍ وأيّ مبرّرٍ وراء الضحك على الأنفس والذقون وغيرها .! , فأمر الأنسحاب كان محسوماً اصلاً , فمنذ حملته الأنتخابية للرئاسة الأولى , تعهد الرئيس الأمريكي السابق باراك اوباما بسحب القوات الأمريكية من العراق في حالة فوزه بالرئاسة , ومن الطبيعي أنّ كافة العوائل الأمريكية تتمنى سحب ابنائها المشاركين في حرب العراق , ولم يكن بوسع اوباما مخالفة تعهده حتى لو طلب المسؤولون العراقيون إبقاء قواته في العراق حفظاً لأمنهم وبقائهم في السلطة , وكان الذي كان .!

الرئيس ترامب الذي اعتبرَ احتلال العراق خطأً , والأنسحاب منه خطأً ايضاً ! وهو يصرّ على إبقاء وحداتٍ عسكرية في العراق وبعناوينٍ عدة , كمدربين وخبراء ومستشارين ومرادفات ذلك , ومن المحال أن لا يكون من ضمنهم اعداد من ضباط الأستخبارات العسكرية الأمريكية , فمهمة هذه الوحدات على مستوى أمن المنطقة , بالرغم مما يشوبها من بعض علائم الإستفهام وخصوصاً الوحدات المتواجدة جنوب اربيل , وهي للدفاع الأضافي عن حكومة البرزاني والبيشمركة , أمّا مسألة التدريب فأنها محاطة بأسلاكٍ من إبهام واستفهام , فالأمريكان اوقفوا تصدير دبابات ابرامز الى العراق بعدما شاهدوا بعضها لدى الحشد الشعبي , كما انهم امتنعوا مسبقاً عن تزويد العراق بأية طائراتٍ مروحيةٍ قتالية ” ولهم حساباتهم في ذلك ” , ولكن على ماذا سيدربون الجيش العراقي وهو تحت التدريب منذ اكثر من عشر سنين , وخاض اشرس المعارك مع القاعدة وداعش , الا يستطيع الضباط العراقبون تدريب ضباط الصف والجنود .!

موضوع الأتراك وال PKK يبدو وكأنه اكثر غموضاً من التواجد الأمريكي في العراق , بالرغم من المرحلة التمهيدية لتدخّل عسكري تركي مفترض , ولعلّه في حالة عرض السيناريو والإخراج , ودونما جزمٍ في ذلك .! , وهنا ينبغي تأشير وتسجيل نقطتين ستراتيجيتين في هذا الصدد , فلا يمكن أن تبقى وتستقر عناصر ال PKK داخل الأراضي العراقية وطوال هذه السنين لولا وجود دعم لوجستي – عرقي من اطراف كردية عراقية ! , وكيف يوفّرون سبل المعيشة والحياة الطبيعية ومتطلباتها .! والسلطات التركية على دراية مسبقة بذلك , لكنّ مصالحها الخاصة مع تلك ” الأطراف ” متشابكة ومتداخلة والى الحدّ الذي لايمكن التطرّق لذلك في الإعلام .! , ثمّ هنالك فرقٌ شاسع بين منع عناصر حزب العمال الكردستاني التركي من القيام بأعمال مسلحة ضدّ الأتراك , وبين بقائهم وانتشارهم داخل الأراضي العراقية وهم يرتدون الزيّ الكردي ويتحدثون بذات اللغة ولعلّهم يمتلكون اوراقاً ومستمسكاتٍ ثبوتية تحمل شعار الأقليم .!

أمّا الإدّعاء والترويج بأنّ القوات التركية كانت تدخل الأراضي العراقية منذ ثمانينيات القرن الماضي ومتى وكيفما شاءت , فالأمر يجافي الحقائق , فقد كانت هنالك اتفاقية مبرمة بين الجانب العراقي والتركي آنذاك تحدد وتسمح لقوات الجانبين بدخول اراضي الطرف الآخر لمسافة عشرة كيلومترات لغرض مطاردة عناصر تخريبية عند الضرورة .

أمّا الوضع الحالي للتحرّك التركي والذي يبدو ” لغاية الآن ” متّسماً بحنكة ودبلوماسية , فلا يمكن إعطاء أحكامٍ مسبقة بشأنه , وهو وضعٌ قابل للتطوّر والمضاعفات ! مع ملاحظة تغيّراتٍ متباينة في صياغة تصريحات المسؤولين الأتراك خلال ال 48 ساعة الماضية , وملفتٌ للنظرِ كذلك الصمت الأمريكي تجاه تلميحات الأتراك بالتدخل العسكري , ومن غير المعروف اذا ما جرت اية اتصالات سريّة امريكية مع حكومة انقرة .

أصل وجذر المعضلة يتحمّله الجانب التركي , فقبل اربع سنواتٍ ونيف عقد الأتراك اتفاقيةً مع ” حزب العمال الكردستاني التركي PKK ” تنصّ على مغادرة عناصر هذا التنظيم للأراضي التركية والأنتقال الى داخل الحدود العراقية , وهذا ما حصل مذ ذاك وابتلى العراق بهذا التنظيم الأرهابي , وفي الحقيقة لولا وجود قوات البيشمركة التي تمنع انتشار الجيش العراقي لحماية الحدود العراقية , لما كان وبقي لهذا الحزب ايّ وجودٍ في الأراضي العراقية , وإذ تواردت انباء عن بدء هؤلاء المقاتلين لمغادرة جبل سنجار ” وهذا ما تطالب به انقرة ” , لكنهم باقون داخل الأراضي العراقية وسيعيدون انتشارهم بطريقةٍ او بأخرى , وقد يعودون لسنجار مرّةً اخرى في المستقبل القريب او بعد الأنتخابات .!

وعلى الرغم من أنّ حركة الأحداث بين تركيا والحكومة العراقية لا تبدو متسرّعة , إنما هنالك نقطتان تساؤليتان يتوجّب الإشارة لهما : – ألا ينبغي صدور أحكامٍ بالقتل والإعدام لكافة مقاتلي PKK طالما يتواجدون عنوةً داخل الأراضي العراقية ويتسببون بتأزيم العلاقات العراقية – التركية عبر قيامهم بأعمال مسلحة ضدّ الحكومة التركية .! , أمّا النقطة الأخرى فكيف لحكومة بغداد الحالية او سواها أن تتعامل مع سلطة الأقليم في تسببها لفقدان الأمن على الحدود العراقية مع تركيا , واجزاء من الحدود السورية – العراقية ! بالأضافة الى المعضلات القائمة الأخرى , فالمسألة لم تعد قابلة للتحمّل وتتطلّب الحسم مع الجانب الأمريكي بعد الأنتخابات القادمة وبأيّ ثمن .!