في سلسلة بغداد تراث وتاريخ كانت لنا محاضرة عن القهرمانات تلك الظاهرة التي شهدتها بغداد والتي تعد الوحيدة في تاريخ بغداد يظهر فيها دور النساء البغداديات في ممارسة السلطة والحكم من خلال الخليفة بحيث انهن صاحبات القول الفصل في امور الدولة وخاصة اثناء حكم الخليفة العباسي المقتدر في نهاية القرن الثالث الهجري وبداية القرن الرابع الهجري حيث كانت السيطرة على امور الدولة بيد أم موسى القهرمانة والسيدة شغب والدة الخليفة المقتدر والثالثة خالة الخليفة والقهرمانة من القهرمان وجمعها قهارمة وقهرمانات وهي مدبرة البيت والمسؤولة عن شؤونه او امينة الدخول والخرج وهي من الالفاظ اليونانية المعربة اي المستخدمة مع الالفاظ العربية وشاع استعمالها في العصر العباسي في بغداد في الفترة التي ذكرناها وما زالت اسطورة القهرمانة واللصوص والمتمثلة بالعمل الفني الجميل الذي تولاه النحات المشهور محمد غني حكمت قائما في الساحة الموجودة في مدخل الكرادة في بغداد والساحة سميت بساحة قهرمانة واصل عمل القهرمانة في بلاط الخليفة العباسي هو نقل رسائل الخليفة التي تتضمن اوامر الدولة الى الوزير لتنفيذها ولكن ضعف الخلفاء واحتجابهم في قصورهم او صغر السن كما هو حاصل للخليفة المقتدر ادى الى سيطرة القهرمانة سيطرة تامة على شؤون الدولة
ومن القهرمانات اللاتي اشتهرن في بغداد ام موسى وفارس وفاطمة وزيدان وثمل وعلم ونظم
حيث كان للخليفة المكتفي داية اسمها فارس نصبها قهرمانة لما استخلف وكانت تتدخل في نصب الوزراء وعزلهم وعلم قهرمانة المستكفي وكان اسمها حسن الشيرازية حيث أغرت امير الامراء توزون على خلع الخليفة المتقي ونصب المستكفي خليفة بدلا منه واصبحت علم قهرمانة الخليفة الجديد فسيطرت على جميع مرافق الدولة وامورها وعندما تم اعتقال المستكفي اعتقلت القهرمانة علم معه وسملت عيناها وقطع لسانها
وفي زمن الخليفة المقتدر أصبح للقهرمانة السيطرة التامة على امور الدولة بحكم صلتها بالخليفة وامه السيدة شغب فكانت القهرمانة تتدخل في ترشيح الوزراء وكبار موظفي الدولة العباسية وفي عزلهم واعتقالهم وقد تحضر القهرمانة عقوبة الوزير المعزول او يعهد الخليفة للقهرمانة تعذيب من يريد تعذيبة او يعتقل لديها من يريد اعتقاله
ومن شهيرات القهرمانات في بغداد فاطمة والتي كانت من ذوات الدهاء والنفوذ والسلطان وكانت توقع على مراسيم الدولة وتكتب ان امير المؤمنين اي الخليفة امر بكذا بما فيه استحصال اموال من بيت المال باعتبار ان هذا المال الى حضرته وكان توقيع الوزير في اخر الامر للامتثال على التنفيذ وقد غرق بها زورقها في يوم ريح عاصف تحت جسر بغداد عام ٢٩٩هج والقهرمانة الاخرى زيدان التي اعتقل عندها الوزير علي بن عيسى لما عزل عن الوزارة وكانت من ذوات النفوذ والدهاء في بغداد اشتد سلطانها في عهد المقتدر وبلغ من نفوذها ان كبار رجال الدولة كانوا يتقربون اليها ملتمسين منها الجاه والقوة وكان عيس البغدادي طبيبها الخاص الذي يحمل الرقاع- الطلبات- بين الوزراء او ليتم عرضها على الخليفة وكان دارها سجنا لأكابر موظفي الدولة ممن يغضب عليهم فقد وكل اليها الوزير بن الفرات وسلم اليها الامير الحسين بن حمدان
وثمل القهرمانة التي كانت موصوفة بالشر والاسراف في العقربة وكانت تجلس للنظر بالمظالم في كل جمعة وتصدر عنها التوقيعات والاوامر بخصوص الطلبات وكانت من ربات النفوذ والسلطان في عصر المقتدر وقد اعتمدت عليها ام المقتدر في ادارة سياسة الدولة وشؤونها توفيت عام ٣١٧ هج
اما صاحبة اكثر قهرمانات بغداد شهرة فهي ام موسى الهاشمية التي كانت واحدة من ثلاثة يتحكمن في السلطة في بغداد كما رأينا وتمكنت من الدولة واثرت ثراء فاحشا وقد بدأ نفوذها عام ٢٩٩ هج واستمر حتى عام ٣١٠ هج وقد سيطرت سيطرة عظيمة وانتهى امرها باللاعتقال والمصادرة واستخرج منها الف الف دينار اي مليون دينار حيث تم اتهامها في التآمر على المقتدر وازاحته من الخلافة لصالح محمد بن اسحاق الذي زوجته بابنة اخيها ومما عملته ان ابي القاسم علي بن محمد المعروف بابن الحواري الذي كان عظيم البدل واتصل بام موسى القهرمانة فأوصلته الى المقتدر واصبح اثيرا لديه وهو الذي اشار عليه باستيزار حامد بن العباس وعلى الاستيزار تقلد جميع العطاء في العساكر وقلد ابنه وعمره احدى عشر سنة فقط بيت مال العطاء بالحضرة وكان يصل اليه مال عظيم وهو لا يباشر شيئا من الاعمال ولما نكبت القهرمانة ام موسى اتهموه بالتآمر معها وقبض عليه وصودر على سبعمائة الف دينار ثم تسلمه الوزير المحسن بن الفرات فصفعه صفعا عظيما وضربه بالمقارع واخرجه الى الاهواز حيث تم قتله هناك .