19 ديسمبر، 2024 1:44 ص

القنصل – القدوة

القنصل – القدوة

-1-
اذا كان من الصحيح القول :
بأنّ الدكتاتورية البائدة قد مارست مسخاً أخلاقيا فظيعا للمجتمع العراقي .
فمن الصحيح أيضاً القول :
ان المسخ الاخلاقي المذكور لم يشمل جميع العراقيين، فهناك من أستطاع ان يحصّن نفسه، من كل تلك البراثن، محافظاً على نقائه وصفائِه وسلامته النفسية والاخلاقية .
-2-
ومن أهم السمات الأخلاقية التي يتغنّى بها المرّبون والوعّاظ ، القدرة على مقابلة الاساءة بالاحسان .
انّ معظم الناس لايقابلون الإحسان، بالاحسان فكيف تُقابل الاساءة بالاحسان؟!
انها حقاً لمنقبة عظيمة ، تدّل على سمّو الذات ورفعتها .
-3-
ومن الأمثلة الحيّة ، التي تنعش النفس، وتجعلها تحلم بمستقبل أخلاقي واعد، ما حدّثني به مؤخراً احد الأعزاء من شبابنا، وهو قنصل العراق في احدى الدول المجاورة، وقد سرد لي حكايته مع أحد العراقيين الذين راجعوه في القنصلية فأمطروه بوابلٍ من الكلمات الجارحة، والمتضمنة لألوان من التطاول عليه، وبشكل وَقِحِ سافِرٍ قد يخرج الحليم عن طوره ..!!
استرسل هذا الصَلِفُ في وقاحاتِه وطعونِه ، وأنا صامتٌ استمع اليه دون ان أنبس ببنت شفة ..!!
وحين انتهى من كلامه ، قلتُ له :
ان العادة قد جرت أنْ يخاطِبَ صاحبُ الحاجة المسؤولَ عن قضائها باللطف والأدب الجمّ .
وانك على خلاف كلّ الأعراف، ابتدأتَ بتوجِيهِ البذئِ من الكلمات من دون ان يجرحك أحد ..!!
وأنا لاأريد أن أرّد عليك وحسبي :
(أنّ كل اناء ينضح بما فيه )
والسؤال الآن :
ماهو سبب انهيال صاحب الكلمات الجارحة على القنصل العراقي بالفاحش البذيء من الكلام ؟
ان السبب هو وجوب دفع المراجع المذكور رسماً مقداره 25 دولاراً لقاء الخدمة التي تقدّمها القنصلية .
ويزعم أنه صاحب أولاد سبعة، وهو عاجز من الدفع ، في حين ان العاملين في السفارة العراقية يتقاضون رواتب مجزية ..!!
يقول القنصل العراقي ، قلتُ له :
ان هذا المبلغ أدفعُه أنا أيضاً اذا احتجتُ الى ما احتجتَ اليه من خدمة ، فهو رسمٌ مفروض من قبل الدولة وليس من قبلي ..!!
ولكن المفاجأة كانت في ان القنصل العراقي ، لنبله وكرم طبعه ، كتب على الطلب المقدّم :
” على حساب القنصل “
اي أنّه سيقوم بدفع المبلغ المذكور نيابة عن المراجع الصلِف الوقِح الذي أدعىّ الفقر والعجز عن القدرة على الدفع ..!!
انه بهذا الخلق الرفيع استطاع ان يرتفع الى مصاف (القدوة) ،
واننا اذ نحيي فيه هذا المنحى الانساني الأخلاقي ، نأمل ان تتسع صدور العاملين في مؤسسات الدولة وأجهزتها المختلفة لحماقات الجاهلين .
انهم لايستطيعون اصلاحهم بالعنف والشدّة ولكنهم يستطيعون اصلاحهم بالخلق الرفيع ، والمعاملة السمحة، وسعة الصدر .
واخيراً فلنستذكر ما قاله ابو تمام في مثل هذا المورد :
مَنْ لي بانسان اذا اغضبَتُه
                     وجهلتُ كانَ الحِلْمُ ردَّ جوابِهِ
واذا افتقرتُ الى المدام شربتُ من
                     أخلاقة وسكرتُ من آدابِهِ
[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات