يمضي الأردن في استعداداته وتحضيراته لاستضافة القمة العربية نهاية الشهر المقبل. والقمم العربية، كما درجت العادة، مناسبة احتفالية، يتطلب انعقادها تحضيرات تمتد لعدة أشهر، وتُرصد لها مخصصات بالملايين، على العكس تماما من القمم الأوروبية التي تنعقد مرتين في السنة على الأقل، ولا يشعر سكان البلد المستضيف بانعقادها إلا من الأخبار.
المهم؛ القمة ستنعقد في ديارنا، وتحديدا في أخفض بقعة على سطح الأرض؛ منطقة البحر الميت. ولا شك أن حضور الزعماء العرب إلى هنا، وتولي الأردن مسؤولية الرئاسة العربية لسنة كاملة، يمنح القيادة الأردنية دورا مهما على الساحة الدولية، يمكن لزعيم بمكانة جلالة الملك وحضوره الدبلوماسي العالمي، أن يستثمره بشكل مميز خدمة للقضايا العربية.
أكثر ما يريده الأردن من القمة العربية هو إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية بوصفها قضية العرب الأولى، وبناء موقف عربي صلب وموحد لمواجهة محاولات نسف ودفن حل الدولتين.
وإلى جانب ذلك، سيسعى الأردن إلى توحيد المواقف العربية على نبذ الإرهاب والطائفية، والمساعدة قدر المستطاع في احتواء الأزمة السورية، ووضع نهاية لمعاناة الشعب السوري، وتخليص المنطقة من شر الجماعات الإرهابية، إضافة إلى تحريك ملف إصلاح الجامعة العربية، لتستعيد دورها الذي صادرته منظمات إقليمية أخرى.
لكن في الآونة الأخيرة، ومع تواصل التحضيرات للقمة، لاحظنا أن خطابنا السياسي والإعلامي يبالغ في توقعاته ورهاناته على القمة المقبلة.
الأردن أكثر من عانى من تردي واقع العمل العربي المشترك، واكتوى بناره. في ظروف عربية أفضل ألف مرة من ظروفنا الحالية، كانت القمم العربية عاجزة عن إحداث أي فرق في واقعنا العربي، ومرت من تحت أقدامها خطط ومشاريع دولية ولم تكن قادرة على وقفها.
اليوم، العمل العربي في أردأ أحواله؛ دول محورية منهارة وخرجت فعليا من الخدمة، بانتظار سيطول قبل عودتها. وأخرى مسكونة بهمومها الداخلية، وصنف ثالث يكاد يتلاشى عن خريطة العالم العربي التي عرفنا لعقود طويلة.
علينا أن نكون حذرين جدا، ولا نحمّل أنفسنا ما لا نستطيع عليه، فنسجل على أنفسنا فشلا سياسيا ودبلوماسيا لسنا مسؤولين عنه أبدا.
وينبغي على خطابنا في الفترة التي تفصلنا عن القمة، أن يتسم بالواقعية والحذر، ويتجنب التقديرات المبالغ فيها لفرص الاختراق، فيما نحن نعلم أن النجاح يكاد ينحصر في انعقاد القمة ليس إلا.
الخلافات حول الأزمة السورية، والتجاذبات حول الموقف من اليمن وليبيا، وعلاقات الدول المتشنجة مع بعضها بعضا، والحسابات المرتبطة بالتغيير في سياسة الولايات المتحدة في عهد ترامب، وسواها من الحساسيات، ستفرض نفسها على القمة، وتحول دون خروجها عن المألوف في القمم العربية.
ولنتذكر: نحن دولة مستضيفة، واجبنا، وسنقوم به، يتلخص في تهيئة الظروف المناسبة لانعقاد القمة. لكننا لسنا المسؤولين عن نتائجها، ولا يجوز أن “ندق” صدورنا فيما لا نقدر عليه.
ثم إن الواقع العربي المزري والنظرة الشعبية المتشائمة حيال القمم العربية ودورها المخيب، يفرضان علينا تقدير الحال، وتخفيف المظاهر الاحتفالية في خطابنا وسلوكنا ونحن في الطريق إلى البحر الميت.
نقلا عن الغد الاردنية