تترقب الأوساط الشعبية العربية في أنحاء الوطن العربي انعقاد القمة العربية في بغداد وسط ترقب إقليمي ودولي ايضاً، خاصة وأنها القمة الأولى التي ستحتضنها العاصمة العراقية بعد فترة طويلة من الجفاف في العلاقات بين الأشقاء العرب.
ان الجميع يدرك بأن هذه القمة تحمل في طياتها الكثير من المعاني وربما ستدعو إلى التقارب العربي وسط انقسامات أصبحت واضحة للعيان بين بعض الدول العربية.
نعم، إنها ستبعث برسائل كثيرة ومتعددة على الصعيدين العربي والداخلي العراقي. فالحكومة العراقية اليوم بقيادة الرئيس السوداني تسعى لأن تكون بغداد جسرًا للتقارب بين وجهات النظر بين الأشقاء العرب، وهو يدرك جيدًا أن الساحة العراقية منقسمة داخليًا بشأن طبيعة ودلالات هذه القمة، خاصة المعارضة الشديدة لحضور بعض الرؤساء والملوك العرب إلى القمة، في الوقت الذي يراها البعض فرصة ذهبية لإعادة العراق إلى محيطه العربي. أما المعارض لهذه القمة فيراها مجرد استعراض دبلوماسي لا يفيد الواقع العراقي المنقسم بشيء، وأن الملاعق الذهبية وسيارات المرسيدس المصفحة ما هي إلا خسارة مالية جديدة يدفعها العراقيون من أموالهم العامة. لقد ذهب رئيس الوزراء السوداني إلى البعد السياسي للواقع المرير والعزلة التي يعيشها العراق دوليًا، وأراد أن يكون قائدًا عربيًا يسطر اسمه بين القادة أسوة بالأمير محمد بن سلمان أو أمير دولة قطر أو رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الذين شبههم الإعلام بفرسان العرب الثلاثة. ورغم اعتراض بعض الشعوب العربية على ما يقومون به والاختلاف الحاد في وجهات النظر، إلا أن الواقع السياسي يفرض علينا أن نتقبل كل الإفرازات الجديدة التي تحدث سريعًا في منطقة الشرق الأوسط، وآخرها زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمنطقة والقرارات التي اتخذها من داخل القصر الملكي في السعودية.
انه فعلا ليس بالأمر السهل أن تجمع رؤساء ووزراء عرب يوجد بينهم خلاف، والجميع يعرف الأزمات التي تمر بها البلدان العربية مثل السودان واليمن وسوريا والانقسام الداخلي العراقي، ولكن مظاهر الوحدة العربية ستعكسها مواقف القادة في القمة العربية بكل سلبياتها وايجابياتها
إن التأييد الشعبي والرسمي والرفض الصريح من بعض الأطراف السياسية سيكون حجر عثرة أمام الحكومة العراقية، لأن الرئيس السوداني كان يأمل أن تكون بغداد هي جسر التقارب الأول والأخير بين الغرب والشرق وبين الأشقاء العرب فيما بينهم، خاصة والجميع يشهد الكرم العراقي الأخير الذي وصل رغيف الخبز من الحنطة العراقية إلى المغرب العربي وبلاد الشام وربما إلى بلدان عربية أخرى.
ان الانقسام الواضح اليوم أصبح بين جهتين: جهة تعتقد أن العراق سيعود إلى الحضن العربي بعيدًا عن المحور الإيراني، والجهة الأخرى ترى أن هناك في الموضوع خنوعًا كبيرًا من قبل الحكومة العراقية وتتهمها بالتبعية لصالح الغرب.
ولكن القارئ للوضع السياسي بصورة عامة يرى أن القمة قد وفرت فرصة لإعادة العراق إلى محيطه العربي، رغم أنها كشفت أيضًا عن التحدي الأكبر للحكومة العراقية… ويبقى السؤال: هل تستطيع هذه الحكومة أن تنجح في توحيد العراقيين أنفسهم، خاصة مع غياب التوافق الداخلي، وخاصة التوافق السياسي بين المكونات السياسية الفاعلة في السلطة؟
والسؤال يبقى معلقاً على نتائج القمة وهذا هو الأهم، فهل ستعيد بغداد نفسها لتكون المرآة الساطعة للأمة العربية وتفتخر بانتمائها العربي من جهة وتعالج واقع الانقسام الداخلي من جهة أخرى؟ وكذلك هل ستكون النوايا لدى القادة العرب والشعوب العربية صادقة بعودة العراق إلى موقعه الطبيعي أم أن هناك مواضيع أخرى مخفية لا يمكن التنبؤ بها وستكشفها الأيام القادمة لنا؟