تعقد القمة العربية المقبلة في بغداد منتصف الشهر المقبل وسط ظروف عربية وإقليمية بالغة التعقيد، ما يمنحها أهمية استثنائية مقارنة بالقمم السابقة.
كذلك وسط انقسام واضح ومعلن يتعلق بدعوة الرئيس السوري لحضور القمة.
أولاً، انعقاد القمة في بغداد بحد ذاته حدث رمزي كبير، يعكس محاولة العراق استعادة دوره التاريخي كلاعب محوري في المنظومة العربية بعد سنوات من العزلة والصراع الداخلي.
ثانياً، تأتي القمة في ظل تصاعد الأزمات الإقليمية: من الحرب في غزة، إلى الانهيار في السودان، والأزمات السياسية في لبنان وليبيا وسوريا، إضافة إلى تحديات الأمن الغذائي والطاقة بعد الحرب الأوكرانية.
هناك احتمال محدود أن يؤدي الانقسام حول دعوة الرئيس السوري إلى توتر أمني في بغداد، خصوصاً إذا استغلته بعض الأطراف لخلق حالة من التصعيد الإعلامي أو الجماهيري.
مع ذلك، لا يتوقع المحللون أن يتحول إلى انفجار أمني واسع، لأن القمة محمية بإجراءات أمنية مشددة جداً، والكتل السياسية الكبرى حريصة على منع أي انهيار في العاصمة خلال حدث بهذا الحجم، لأن فشل القمة أمنياً يعني خسارة جماعية للجميع وليس طرفاً بعينه.
ربما نشهد بعض التحركات الرمزية، احتجاجات صغيرة، بيانات شديدة اللهجة، أو محاولات لاستفزاز إعلامي، لكن الوضع الميداني سيظل مضبوطاً غالباً.
المؤشرات الأولية تشير إلى أن مستوى الحضور سيكون مرتفعاً نسبياً، مع مشاركة غالبية القادة العرب أو تمثيل رفيع المستوى، وهو ما يعكس رغبة عربية في دعم استقرار العراق، وفي فتح حوار مباشر حول الملفات الشائكة.
ورغم أن بعض الدول قد تكتفي بإرسال رؤساء حكومات أو وزراء خارجية لأسباب سياسية أو أمنية، إلا أن الزخم العام يوحي بقمة ذات طابع كامل، وليست قمة مصغرة أو شكلية.
هل ستكون قمة استثنائية حقا ؟
هناك توقعات واقعية بأن تكون القمة “استثنائية” بالمعنى الرمزي أكثر من المضمون. بمعنى أن مجرد نجاح بغداد في جمع العرب في هذه المرحلة يعتبر إنجازاً.
ومع ذلك، قد يصعب الخروج بقرارات حاسمة أو حلول جذرية، نظراً لتعقيدات المواقف وتباين المصالح، خصوصاً في الملفات الكبرى مثل سوريا، اليمن، والتطبيع مع إسرائيل.
لكن هناك احتمالية للخروج بـ بيان سياسي قوي يدعم القضية الفلسطينية، ويؤكد على وحدة الدول العربية ورفض التدخلات الخارجية، إضافة إلى الاتفاق على آليات تعاون اقتصادي وأمني جديدة.
أستطيع القول ان قمة بغداد لن تحلّ كل الأزمات العربية، لكنها قد تشكل نقطة بداية لعودة لغة الحوار بدل التصعيد، وتفتح الباب أمام تنسيق عربي أكبر في الملفات الإقليمية الحساسة. نجاح العراق في تنظيم القمة سيكون رسالة مزدوجة: للعرب بأن بغداد عادت إلى المشهد، وللعالم بأن العرب رغم خلافاتهم قادرون على الجلوس إلى طاولة واحدة حين تشتد الأزمات.