اثار اهتمامي تعقيب الكاتب الاستاذ سالم ايليا على مقالي المنشور في موقع البيت الموصلي بتاريخ 41 2013 بعنوان (الحفاظ على التراث..بين مقتضيات الخصوصية وتحديات العصرنة) والذي اشار فيه الى انه (كلما زار بلداً تحسر على ما آل اليه التراث وأدواته المادية في بلدنا، الذي خرجت منه الحكايات والأساطير،والتي كانت مدعمة بالصروح المادية والحسية لتجسيد تلك الوقائع ، فلم يحظى بلد بهذا الكم الهائل من التراث الموغل في عمق التاريخ غير العراق،ولم يفقد بلد تراثه نتيجة عدم إكتراث أبنائه بكنوزهم التراثية غير العراق).
على ان مداخلة الكاتب الفاضل الاستاذ سالم ايليا بهذا الوصف العاطفي المؤثر،تعكس قلقا جديا على مصير التراث بجانبيه المادي والمعنوي،بل ولعل من المؤلم الاشارة الى ان الامر وصل الى مسخ معالم طبيعية، بعوامل التوسع المدني،والعمراني،والصناعي،حيث كانت تلك المعالم قد اخذت بوحدتها المكانية مع انسان بيئتها يوما ما،صفة التراث الذي غالبا ما كان يستلهم في تفريغ الهموم.فقد كان الانسان بالأمس غير البعيد يصدح بأعلى صوته الشجي،محاكيا تلك الاطلال،والشواخص،بنايل مؤثر(كل علو نركاه اندور فضاة البال..مسعد بدنياه الما مس دليلو ضيم)..و(العلو)بلهجة ابن الريف،هو المرتفع من الارض،من الهضاب والتلال، التي اعتاد ان يصعد الناس عليها سابقا في اوقات معينة،وخاصة عند الاصيل للتفسح، والابتعاد عن صخب الحياة..ويعرف الجميع كم هو موحي،ومؤثر هكذا مشهد بديع..لكن الكثير من تلك المعالم اليوم،شانها شان عناصر التراث الأخرى طالها العبث،والمسخ،لأسباب كثيرة،ومنها ما تم ذكره في اعلاه.
ولعل اطلالة الاستاذ سالم ايليا المتمعنة بالصورة الشجية،التي اجتزأت منها ذلك النص الذي تصدر هذا المقال،قد حدت بي للتحليق بعيدا في ذاكرة تراث الامس..الذي يجد فيه جيلنا انفسهم اسيري اخاديده السحيقة،رغم كل مغريات المعاصرة،التي لا أخالهم يجدون في ذاتهم روح الانسجام معها، بنفس الدرجة التي ينسجمون فيها مع التراث الجميل،رغم كل المحاسن المتطورة التي تجلت لهم بها المعاصرة.