19 ديسمبر، 2024 9:21 ص

القلعاوي في محرابه الجديد

القلعاوي في محرابه الجديد

يعكف الفنان التشكيلي المغترب سلام القلعاوي على إنجاز لوحته التي تحمل عنوان ( المحراب ) وتحمل هذه اللوحة قيمتين في آن واحد من حيث كونها تحمل مضمونا ً روحيا ً يتمثل في البعد الإنساني للحالة الدينية والقيمة الأخرى هي  القيمة الجمالية للشكل الفني وطريقة مزج الالوان ومعالجتها التي حاول الفنان تحريرها من مفهومها الديني التقليدي لمفهوم إنساني أرحب من خلال التلاعب بالدرجات اللونية وآلية الخطوط المستخدمة التي إقتربت من خط الثلث ، والخط الفارسي ،  والمتابع لأنساق اللوحة يمكنه معرفة حجم تأثر الفنان المذكور بعناصر البيئة الاجتماعية الإسلامية التي تعد لدى الكثير من الفنانين التشكيلين معينا ً مهما ً  الأمر الذي يجعلهم في حالة إنجذاب مستمر لسحر هذه البيئة وعمقها وأصالتها وتراثها ، ويبلغ طول اللوحة 22 قدما ً فيما يبلغ عرضها 25 قدما ً ، ومن المؤمل أن ترتدي هذه اللوحة إحدى مداخل قاعات المركز الإسلامي في ديترويت الذي يعتبر من أقدم المراكز الإسلامية في المدينة والذي أسسه العلامة الشيخ محمد باقر شري ،   لتظهر واجهة تلك القاعة بحلة جديدة وهي تستقبل شهر رمضان المبارك ، ولاشك أن الفن التشكيلي بأدواته وطرق تعبيره يمكن إعتباره لونا ً أدبيا ً يضم بين جنبات لوحته الكثير من الصفحات التي   تروي لنا قصصا ً لشخوص وأمكنة وأزمنة خلت أو ربما نكون قد عاصرنا فصولا ً منها ، وفي لوحة المحراب تضرب الفرشاة ومواد الألوان على الفضاءات والسطوح لتنبثق أبعاد ومدلولات من واقع تاريخي معين لم ينفصل عن نبي الرحمة محمد ( ص ) وآله الطاهرين ( ع ) وذلك من خلال محاكاة ، جسدت بمنظورها المرئي خيال البعد الثالث بآلية غرائبية فيها مزيج من شذرات الكون الإنساني ، ومن الملاحظ في تفاصيل اللوحة أن الفنان القلعاوي تعامل ببراعة مع عناصر الزركشة الفنية التي لم يكن وجودها لغرض ملئ فراغ ما ، أو لإبراز حالة من الزخرف الفني بل هي مفردات تمثل أنساقا ً لكيان فني تفاعلت من خلاله أبعاد الهندسة الزخرفية مع التكوين و اللون لتعكس هوية وإنتماء الفنان الذي حاول المزاوجة بين الأصالة والتحديث والإنفتاح المتقن لتجديد الدم لموهبته الفنية التشكيلية ، لاشك أن فناننا كرس ريشته منذ زمن لحفظ الذاكرة الانسانية في موضوعات مختلفة ومنها موضوعات بيئته الاجتماعية حيث نرى نتاجاته على جدران  القاعات وغيرها المنتشرة في ولاية ميشيغن ومدنها ، وهو في هذه التجربة يخوض في لوحات الإيقونات ذات الطابع الديني الروحي التي تعمدت أن تبدو العناصر والمفردات الموجودة في الخلف أكبر حجما ً من الأمام ، عكس السائد وبقية التكوينات في مقدمة الوجه ضمن ما يعرف بتحطيم النسب المادية ، وهو ما يصب في إستخدام الالوان الباردة في جانب الإرتقاء الروحي ، إنطلاقا ً من أن الفن في أحد أهم أدواره الإنسانية أنه يسمو بالروح ويخلص النفس من شوائب كثيرة ، والقلعاوي يحث الخطى في مسيرة إبداعه الفني على إعتماد آلية جديدة في توظيف إبتكاري لأفكاره المطروحة ومنها فكرة المحراب التي تعني الكثير على المستوى الفلسفي ومع تنوع اساليب التعبير يبقى المعنى منفتحا ً على آفاق متعددة مطلقا ً العنان لتجليات مشهدية معبرة ومدلولات بصرية من شأنها جذب المتلقي لجدل فكري وجمالي ، ومن الجدير بالذكر أن هذا المشروع الفني أطلق برعاية من السيد باسم الشرع وهو مرشد المركز المذكور ، ولابد من الإشارة أن هذه التجربة الفنية التي تندرج فيما يعرف بلوحة الإيقونة الدينية هي ليست الأولى للفنان المذكور فسبق للفنان أن زينت لوحاته جدران العديد من الكنائس في ولايات أمريكية مختلفة ويشكل الترحال في حياة الفنان سلام القلعاوي الذي تنقل بين مدن كثيرة بين أطراف المعمورة المترامية يشكل واحد من مصادر ثقافته المتنوعة بين غرب وشرق ومن المؤكد أن ذلك سيدفع بإتجاه إيجاد تجربة أكثر نضجا ً وشمولية .

أحدث المقالات

أحدث المقالات