8 أبريل، 2024 1:08 م
Search
Close this search box.

القلادة

Facebook
Twitter
LinkedIn

تحسست القلادة المرصعة بأحجار العقيق المتآلفة بشكل متداخل كضفيرة  العصاري تخطف الأبصار ، ملتفتة بدلال على جيدها منذ أمد بعيد، ربما نامت هناك منذ خمس او سبع سنوات حتى تركت بعض الاثارالمائلة الى الحمرة منبسطة كوشم لا يعلن التوبة. هو من بقايا لحظة توجت فيها.
     لحظة بعينها تجمد الحاضر كليا ودخلت في آلة الزمن السحري لتنقطع كليا عن المستقبل ويبقى الماضي رذاذ الورد لا تلمه سوى الذاكرة.
     في ظهيرة  تموزية بدا كل شيء رقاقا وقابل للتأقلم ، ومنفذا لاشتعال الرغائب التي خبأتها منذ قرون. طوى يديها بيديه ممسكا بالحلم الممتنع فأشعل قناديل الصوم في عينيها ..
    احست ان قدماها لا تطأ الارض يراقصها كرقصة التانغو وتحت ابطها نبت جناحان بلون الفضة وكم من العابرون مروا أمامها لم تفقه لماذا أغدقوا ابتساماتهم لها فهي لم تمنحهم رذاذ الورد او تغدق عليهم سلعا مجانبة .. ربما كانت مشعة في جلالها وجمالها مما أيقظت حواس المارة وفضولهم المتزايد وظلت وجنتها مخضبة بالأحمرار المائل الى البرتقالي…
    همس في أذنها المتأهب لكل ما يدور حولها والمتوسد بحرارة أنفاسه فأمدته بالدفء من خفقة قلبها .. ( لا ترحل) .
    قال لها: هناك في اخر السوق محلاً له نكهة الاحتفال ومزدانا بالحلي بأشكال غريبة انها مصوغات قديمة . تنتصب هناك على الرف بالعشرات لكن واحدة فقد ظلت في خيالي قلادة مطعمة بالعقيق متداخلة الحلقات.. سبعة حلقات وفي كل حلقة تستقر في وسطها حبة عقيق مررت عليها مرات وحان اليوم شراءها.
    تذكرت أمها الماهرة في تفسير الأحلام / القلادة .. طالعها هو انها ستحصل على زوج يحبها ومنزل جميل، اما العقيق فهو حجر مبارك ينفي الفقر… ضحكت في سرها وانقطع استرسال ظنونها حينما حط القلادة على جيدها وتعمد ان تمر أنامله ببطء ليكتشف قارته المجهولة بينما ازدادت هي في الانكماش ونطت عروق رقبتها نافرة وحارة.
    التصق بها يحرق المسافة او يختزلها ما بين يده وجيدها.
    مجرتان لا تحتاج الى جسور .. فهل يمكن ربط البروش على صدر الليل؟ سبعة حبات من العقيق / بنات الثريا تلألأت حددت خطوتهم نحو الشمال عابرين صحراء العمر من الضيق الى الرحب.
    لكن أمها لم تقل لها انفراط العقد يعني الموت ليس موتا طبيعيا بل موتا يدخل في صنف الفجيعة.
    كانت تنتظره دوما وهو ذاهب للحرب وكلما يعود تراه قد تغيرت ملامحه ،عيون غائرة وجسم واهن.. واحيانا يجلس معها جسدا بدون روح وفي الصباح يحمل حقيبته العسكرية ويطبع قبلة خاطفة دون ان يلتفت لوداعها.
    انتظرته طويلا وفي دوامة القلق ضغطت على عقدها لتنفرط حباته السبع محدثة ارتطاما ملحوظا على الارض.. ظلت تحدق في الفراغ .. يوم  كان حبيبها قد رجع اليها قتيلا .. ذبل العقيق وارتطم بالأرض .
    هذا العقد من النجوم كيف حُمل بخيط من حرير
    ربما كان يجب ان يكون سلكا ليقاوم القسوة.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب