ما بعد اجتماعات الأمم المتحدة، يلاحظ ان قياس الرأي العام في إيران والولايات المتحدة على حد سواء، من خلال ما تداولته وسائل الإعلام في كلا البلدين، يمكنه أقول بثقة إن كليهما تحاول ان تلعب مع الأخرى لعبة القط وهو يصطاد الفأر، بل هناك بعض المتهكمين من يصف مداولات الوفدين وبقية وفد الدول دائمة العضوية وبعض القوى الإقليمية البارزة، بكونه أفضل من مطاردات فيلم الكرتون “توم وجيري”الذي أحب متعة مشاهدته.
والسؤال: لماذا لم ينته حوار الطرشان في نيويورك الى إعلانات فصيحة عن تطور المواقف بين البلدين؟
الجواب المحشور برؤية قمة جبل الثلج، يؤشر صعوبات واجهت الرجلين في تجاوز أعراف البرتوكول، فيما ترك لدبلوماسية الاتحاد الأوروبي ومدبرتها المنزلية مدام اشتون فرصة إعداد مائدة الطعام المناسبة، ولأنها بريطانية، بنكهة ألمانية – فرنسية، فإن إعدادها لوجبات دبلوماسية يحتاج الى تفاصيل دقيقة، احتملت فجاجة المأكولات السريعة الأمريكية لاسيما في ترتيب مشهد الجلوس ليكون الاجتماع لدول مجلس الأمن الخاص بمناقشة ملف إيران النووي أقرب الى اجتماع بين ظريف وكيري، وزيري خارجية طهران وواشنطن.
أما الجواب الأكثر تفصيلاً، فيأتي في ثنايا استضافة الأمريكان لحسن روحاني في احد أكبر مصانع السياسة، وهو مجلس العلاقات الخارجية معقل ال روكفلر، وعقليات كبرى مثل كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكية، وزبينغيو بريجنسكي، مستشار الرئيس كارتر، وفي جلسة آسيوية لمتخصصين في هذا المجلس أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني ان “لاده تقبل بالحل الذي يقبل به الفلسطينيون”، في اشارة الى إمكانية الاعتراف بإسرائيل، وجاء التصريح في سياق رد الرئيس الإيراني على أسئلة الحضور، فقال في معرض إجابته على سؤال حول عملية السلام في الشرق الأوسط الرامية الى تشكيل دولتين مستقلتين، فلسطين وإسرائيل جنباً الى جنب، إن “الشعب الفلسطيني هو الذي يقرر مصير فلسطين ومصيره بنفسه”، مؤكداً ان “إيران تدعم ما يقبل به الشعب الفلسطيني”.
ويعد هذا التصريح تراجعاً ملحوظاً في شعارات المسؤولين الإيرانيين خلال ما يزيد عن 3 عقود حول محو إسرائيل من خارطة الشرق الأوسط، بعد دان روحاني الثلاثاء الماضي في مقابلة مع محطة “سي إن. إن” الأمريكية المحرقة اليهودية على يد النازيين، خلافاً لسلفه محمود أحمدي نجاد الذي كان يشكك فيها. وكانت فكرة الاعتراف بدولتين مستقلتين من خلال القبول بالحل الذي يقبل به الشعب الفلسطيني طرحت في عهد الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي، ولكن استبدلها أحمدي نجاد بشعارات نارية ضد إسرائيل طبقاً لأدبيات الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وقال روحاني «إن حكومتي تدين بقوة استخدام الأسلحة الكيماوية في سورية»، وتعتبر إيران الرئيس السوري بشار الأسد أقرب حليف اقليمي لها ورفضت معلومات الاستخبارات الامريكية بأن النظام قتل 1400 شخص في هجوم بالأسلحة الكيماوية الشهر الماضي.
وأضاف روحاني “انني قلق أيضاً لانتشار العقيدة المتطرفة في أنحاء من سورية التي أصبحت نقطة تجمع للإرهابيين ما يذكرنا بمنطقة اخرى قريبة من حدودنا الشرقية في تسعينات القرن الماضي”، موضحاً “هذا مصدر قلق ليس فقط بالنسبة إلينا بل لدول اخرى ويستلزم ذلك تعاوناً وجهوداً مشتركة للتوصل الى حل سياسي دائم في البلاد”.
كل ما تقدم، يؤشر بما لا يقبل الشك، ان الكثير من التساؤلات التي طرقت اسماع روحاني ربما على جلسة المشاورات غير الرسمية، تتطلب اجابات تطبيقية، بعد أن رسمت أجوبته طريقة التعامل معها في المستقبل المنظور، ومن أبرزها موضوع الحل السوري، ومن دون ان تنجح طهران في إقناع واشنطن بحلها الذي سبق أن سوّقت اليه عبر المحطة العراقية، فإن استمرار الفجوة السورية، يدخل البلدين في دائرة مطاردة روتينية، أقرب الى القط والفأر، وهو ما حذرت منه الصحف الإسرائيلية وانتقدت موقف نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي فشل في احتواء الآثار الإيجابية في الموقف الإيراني، أمريكيا، ناهيك عن الفشل الآخر في تسويق الحل الأممي عبر الفصل السابع للأسلحة الكيماوية، مادام كل من روحاني واوباما مستمتعين بلعبة “توم وجيري”!