كتبتُ ذاتَ مرةٍ مقالاً عن (ستراتيجيةِ القطِ الميتِ) التي يمكنُ تلخيصُها بما يلي:
“ستراتيجيةُ القطِ الميتِ (Dead Cat Strategy) وهي من أهمِ طرقِ إلهاءِ الناسِ عن واقعِهم، وتؤكدُ على أنَّ تقديمَ قضيةٍ تافهةٍ أو خبرٍ غيرِ مهمٍ بشكلٍ درامي، أو بقدرٍ كبيرٍ من الإثارةِ أو الصدمةِ من شأنهِ أن يلفتْ انتباه الجميعَ، بعيداً عن القضايا المهمةِ والملحةِ.
فيتمُ تضخيمُ حدثٍ بسيطٍ وهامشي وربَّما مفتعلٍ، بواسطةِ الإعلامِ و(Social Media)، وتحويله الى (قطٍ ميتٍ) من الحجمِ الكبيرِ يجذبُ انتباه الناسَ، ويصبحُ نقطةً محوريةً للنقاشِ الحادِ يشتركُ فيه الجميعُ لينشغلوا عن قضاياهم المهمةِ المتعلقةِ بحياةِ المواطنِ وأمنهِ، وتنميةِ البلدِ واستثمارِ ثرواتهِ، وتحقيقِ العدالةِ الاجتماعيةِ، … ألخ، التي يتمُ تحويلُها الى (فأرٍ صغيرٍ) في حفرةٍ عميقةٍ يتمُ ردمُها بالعديدِ من قصصِ القططَ الميتةِ، وبهذا يتحققُ الهدفُ النهائيُ، بالحديثِ عما يُرادُ الحديثُ عنهُ والابتعادُ عما يُرادُ تجاوزُه ونسيانُه”.
ومناسبةُ ذكرِها هي حصولُ حادثتينِ خلالَ الفترةِ الماضيةِ تنطبقُ عليهما هذهِ الستراتيجيةُ، هما:
الحادثةُ الأولى: وقعتْ يومَ 2019/1/22 خلالَ مباراةِ العراقِ وقطر في بطولةِ كأسِ اسيا، وتحديداً تصرفَ اللاعبِ بسام الراوي، (طبعاً موضوعَ هذهِ المقالةِ ليس الحكمَ على صحةِ أو خطأِ عملِ الراويُ بلْ توظيفِ فعلهِ في هذهِ الستراتيجيةِ).
بالعادةِ عند خسارةِ أيَّ فريقٍ في مباراةٍ يتمُ القاءُ اللومِ ومحاسبةُ الاتحادِ المعنيِ أو المدربِ أو كليهما، لكنَ في هذهِ الحالةِ لمْ يحدثْ ذلكَ، والسببُ أنّهُ تمّ إلقاءُ (قطٍ ميتٍ) امامَ الناسِ هو (الراويُ) لإلهائِهم بهِ عن الفاعلِ الحقيقي، وفعلاً نجحوا في ذلكَ، فقدْ انشغلتْ وسائلُ الاعلامِ ووسائلُ التواصلِ الاجتماعي بهذهِ القصةِ، ووقعَ الجميعُ بالفخِ المنصوبِ لهم بما في ذلكَ المختصينَ فضلاً عن عامةِ الناسِ، ونسوا القضيةَ الأساسيةَ التي تمَّ دفنُها في حفرةٍ عميقةٍ لينجو الفاعلُ بفعلتهِ!
الحادثةُ الثانية: وقعتْ اثناءَ الاضرابِ الذي أعلنتهُ نقابةُ المعلمينَ يومي2019/2/19-18 ، وبالذاتِ مقارنةُ نقيبِ المعلمينَ في الرصافةِ بينَ المعلمِ والشرطي، (أكررُ: لستُ هنا بمعرضِ الحكمِ على صحةِ أو خطأ أقوالِ النقيبِ)، فقدْ تمَّ التركيزُ على هذا التصريحِ وتحويلهِ الى (قطٍ ميتٍ) من النوعِ الكبير ليصبحَ هو النقطةَ المحوريةَ للنقاشِ التي ينشغلُ بها الجميعُ، ومرةً أخرى تمَّ إلهائُهم عن قضيتِهم الاساسيةِ (حقوقُ المعلمِ) لينشغلوا بهذا القطِ الميتِ!
في كلتا الحالتيِن، وغيرُهما الكثيرُ، تمَّ النجاحُ في توجيهِ الناسِ للحديثِ عما يُريدون لهم الحديثَ عنهُ وابعادهم عن أمورِهم المهمةِ التي لا يريدون لهم الخوضَ فيها، والناسُ ينساقونَ لا شعورياً لما يريدُهُ الآخرونَ منهم.
أخيراً، أيها السيداتُ والسادةُ، عليكم الحذرَ فبلدُنا مليءٌ بالقططِ الميتةِ!