جميع المعطيات والمؤشرات الاقتصادية تؤكد بما لا يقبل الشك بان القطاع الخاص بما يمتلكه من قدرات كبيرة وخبرات ميدانية هو من يحرك عجلة النمو الاقتصادي العراقي، وما تحقق من تطور نوعي في بعض المدن العراقية سواء في مجال الاسكان وبناء المجمعات السكنية الضخمة وكذلك المولات والمشاريع الصناعية والغذائية منها والانشائية والقطاع المصرفي والبنوك الاهلية وعلى الرغم من بطئه الا انه عكس قدرات القطاع الخاص في بناء الدولة وفي مختلف الظروف.
وبالجانب الاخر مايزال القطاع العام بمؤسساته الحكومية عاجز عن انجاز مشروع واحد سواء خدمي او استثماري في اي مجال من المجالات الخدمية والاقتصادية ما ترتب عليه وجود الاف المشاريع المعطلة والمتوقفة وحشود من الموظفين العاطلين عن العمل (البطالة المقنعة) ، وذلك بسبب الفساد المستشري وغياب الارادة الحقيقية والحاسمة من الحكومة ومجلس النواب في تحريك عجلة الاستثمار والتنمية.
ان القطاع الخاص انقذ العراق الجديد من فضيحة الفشل التي تسببها القطاع الحكومي طوال الستة عشر عاما الماضية، ولكن الفشل الاكبر هو اهمال الحكومة للقطاع الخاص وعدم منحه مساحة اوسع لاعادة اعمار البنى التحتية التي مازالت تفتقد لاي مقومات النهوض، وحتى المشاريع التي تنفذها الشركات والمستثمرين تخضع لشروط ومعوقات عديدة فضلا عن اساليب الابتزاز المالي لتسهيل عملها.
اليوم يستطيع القطاع الخاص ان يؤدي وظيفتين مهمتين الاولى انجاز المشاريع الحيوية الكبيرة والشروع باعادة العمل بالمشاريع المعطلة والمتلكئة، والوظيفة الاخرى القضاء على البطالة التي باتت تتخم البلاد، فسوق العمل مع غياب الخطط والاستراتيجيات الحكومية لم يعد يتسع الا للقطاع الخاص الذي بامكانه ان يوفر الاف فرص العمل للخريجين والمهنيين وأصحاب الخبرات الخاصة وفق خطط تدفعه الى استقطاب العمالة المحلية على حساب العمالة الاجنبية من خلال منح الامتيازات المشجعة والداعمة للشركات من اجل توظيف العمالة المحلية من خلال تخصيص موازنة خاصة للعاملين بالقطاع الخاص ومنح نصف الاجور الشهرية للعمال الذين يعملون في مشاريع من ذات المحافظة او المدينة التي يسكنون فيها وهذا الامر ليس بالجديد وتعتمده العديد من البلدان التي يحتل فيها القطاع الخاص مساحة واسعة، فضلا عن تفعيل قانون الضمان الاجتماعية لضمان الحقوق التقاعدية لموظفي القطاع الخاص وخلق بيئة الثقة في العمل خارج اسوار التوظيف الحكومي.
اجهزة القطاع العام المختصة بالتنمية والاقتصاد عجزت لحد الان عن وضع رؤية فعلية للانطلاق بعمليات الاعمار والنهوض، وجميع الرؤى التي تم طرحها بالسنوات الماضية ما هي الا افكار وخطط وهمية لم يتقبلها الواقع الفعلي لذلك ظلت مجرد افكار مكتوبة على ورق ولم تترجم بشكل واقعي مع غياب تام للقيادة القادرة على ادارة ملف الاعمار والتنمية بشكل صحيح ما يؤدي بالضرورة الى تحسين وتوفير العيش الكريم للمواطن العراقي. فوزارات التخطيط والزراعة والصناعة والنفط والهيئات مثل هيئة الاستثمار والمجالس والهيئات الخاصة والان الحديث عن إعادة احياء مجلس الاعمار لم تتمكن من استيعاب متطلبات البلاد النهضوية على الرغم من اطلاقها مئات الخطط والبرامج بسبب غياب العنصر الاهم وهو القيادة والملاكات الماهرة القادرة على التنفيذ بكفاءة ونزاهة.
جميع الدول التي شهدت نهضة عمرانية واقتصادية اعتمدت على القطاع الخاص في جميع مراحل النهوض، والمطلوب من الدولة العراقية ان تركن القطاع العام والعقول الحكومية القديمة جانبا والاهتمام بالقطاع الخاص ومنح الثقة لرجال الاعمال الذين يمتلكون خبرة وتجربة ناجحة من اجل اعادة اعمار الوطن بالشكل الصحيح والقضاء التام على اكبر ثلاث مشاكل تعاني منها البلاد ( البطالة، الفساد، المشاريع المعطلة).