القطاع الخاص مطالب بمساندة (وليس محاربة) رؤية 2030. علينا وقف الزيادة المفرطة في استقدام العمالة الوافدة من الخارج وكشف أساليب التوطين الوهمي والقضاء على التستر التجاري.
أعَقِب في هذا المقال على تقرير صحيفة “العرب” اللندنية “دور محدود للقطاع الخاص السعودي في إسناد إصلاحات “رؤية 2030” بتاريخ السبت 15 أبريل 2017، بما يتعلق بموضوع البطالة وتوطين الوظائف في القطاع الخاص.
بداية علينا الاعتراف أن ما يسمى “برامج التوطين” بمختلف مسمياتها لم تأتِ بأي نتائج إيجابية تستحق الذكر. الحقائق تشير إلى أن وتيرة الزيادة المتسارعة في معدلات البطالة بين السعوديين لم يسبق لها مثيل منذ إتحافنا بهذه البرامج المثيرة للجدل. التحدي الرئيس في المملكة هو نفسه لم يتغير؛ ضرورة توفير الوظائف ورفع تنافسية القطاع الخاص مع تنويع القاعدة الإنتاجية.
منذ عشرات السنين والمسؤولون في وزارة العمل يرددون نفس الجملة “نواجه تحديات جسيمة وهدفنا تهيئة البيئة المناسبة لتوطين الوظائف وتصحيح سوق العمل”، وفي نفس الوقت كلنا شاهدنا على أرض الواقع الزيادة المفرطة في استقدام العمالة الأجنبية بكل أنواعها خاصة في قطاع البناء تحت أعين وبموافقة رسمية من الوزارة.
لاحظنا في الفترة الأخيرة ثلاث ظواهر لم تكن في الحسبان وكأننا بحاجة للمزيد من تأزم مشكلة البطالة. الظاهرة الأولى التسارع المتزايد والأساليب الملتوية في التلاعب بالنسب الوهمية للتوطين. الثانية زيادة حالات فصل السعوديين في القطاع الخاص والتي ربما تكون بسبب تعديل البند 77 من نظام العمل والذي تم اعتماده عام 2015. الظاهرة الثالثة هي استحواذ العمالة الأجنبية الوافدة على حصة الأسد في المناصب القيادية والتنفيذية في الشركات والمؤسسات الخاصة.
من ضمن المؤتمرات الاقتصادية التي حضرتها خلال العشرين عاما الماضية، كان توطين الوظائف المحور الرئيس الذي أثقل هم الحضور في الجلسات العامة والخاصة. لكن كيف وصلنا إلى هذه النتيجة؟ البعض يقول إن تباطؤ الاقتصاد الوطني أدى إلى ضعف خلق فرص عمل للمواطنين، وبالتالي فإن النتيجة هي الزيادة في نسب البطالة.
الإحصائيات الأخيرة، رغم تضاربها في الأرقام والمنطق، لا تبشر بالخير. حجم البطالة في تصاعد مطرد بين جميع فئات المجتمع الذين يبحثون عن لقمة عيش شريفة. ارتفعت النسبة “الرسمية” والمتواضعة لبطالة السعوديين من 11.6 بالمئة إلى 12.3 بالمئة خلال آخر تسعة أشهر من عام 2016. علينا التحرك سريعا، علينا الدفع بالمؤسسات الصغيرة نحو المزيد من التمكين والمنافسة، فعشرات الألوف من المبتعثين والمبتعثات الذين سيعودون للوطن خلال السنوات القليلة القادمة ربما سنرحب بهم في طابور البطالة الطويل بجانب إخوانهم العاطلين.
الكل اليوم يدلي بدلوه لوضع حلول “سريعة” لإحلال العمالة الوطنية في الوظائف التي يمكن شغلها في القطاع الخاص، وهي بالمناسبة تتراوح بين 1.4 و1.6 مليون وظيفة على أقل تعديل. عدد المنشآت بالمملكة حوالي 920 ألف منشأة، يبلغ عدد المنشآت الصغيرة والمتوسطة منها حوالي 99.5 بالمئة. رد فعل بعض هذه الشركات والمؤسسات الخاصة على مبدأ (التوطين) لن يكون صادما، فهذه الشركات التي تفوق قدرتها المالية 516 مليار ريال، تفضل العمالة الوافدة السائبة ولا تحبذ أي تدخل “جراحي” ولو على المدى القصير في إجراءاتها الداخلية. ليس لدي أدنى شك أن حجج رجال الأعمال، بعضهم على الأقل، واهية ومضللة، وخاصة عندما يصل التحجر الفكري للاعتقاد بأن الموارد البشرية الوطنية هي مسؤولية المنشأة وحدها وليس لأحد التدخل بهذا الأمر. بمعنى آخر وبكل صراحة، القطاع الخاص يحارب رؤية 2030.
البطالة بين النساء معضلة أخرى. معظم الزيادة الكبيرة في أعداد العاطلات ربما يعود لبركات السعودة الوهمية التي رافقت برنامج “نطاقات” وألوانه البراقة. عدد النساء العاطلات ارتفع من 440 ألفا إلى حوالي 740 ألفا من يوليو إلى ديسمبر 2016. النساء استحوذن على أكثر من ثلاثة أرباع الباحثين عن عمل في جميع المراحل العمرية.
الإحصاء الرسمي الصادر عن هيئة الإحصاء العامة يؤكد وجود فارق كبير في نسبة الباحثين عن العمل بين الذكور والإناث. كذلك تأخرنا كثيرا في سعودة المستويات الإدارية العليا من نساء الوطن المؤهلات في شركاتنا وبنوكنا ومؤسساتنا الأهلية.
تقول زينة علي في تقرير نشرته صحيفة “الوطن” السعودية هذا الأسبوع إن رئيس لجنة الاقتصاد والطاقة في مجلس الشورى، عبدالرحمن الراشد، يرى أن توظيف النساء يعاني 3 مصاعب: وضع شروط صعبة للوظائف النسائية، وعدم تمكين النساء من بعض الوظائف، ووجود مصاعب لوجستية لتوظيف النساء في بعض القطاعات.
أستطيع أن أقول بكل ثقة إن بعض الشركات الكبرى، مثل أرامكو السعودية وبعض شركات سابك حافظت على مستوى عال من المهنية والمصداقية في رفع نسبة توظيف السعوديين. أما الشركات الأخرى وقطاعات المصارف والتأمين والاتصالات والعقارات فهي للأسف لا تزال تمارس الأساليب التعسفية “لتطفيش” المواطنين والمواطنات وإحلالهم بعمالة وافدة رخيصة. حجة رجال الأعمال واهية ولا ترقى للمسؤولية الاجتماعية المفترض أن يتحلى بها أصحاب المال والأعمال الذين أكلوا وشربوا من معين هذا الوطن.
رغم الفوائض الـماليّة الناجمة من الاقتصاد الريعي احتلت المملكة المرتبة 55 عالميا في مجال رفع كفاءة سوق العمل، متأخرة عن الكثير من الدول الأقل في حجم الاقتصاد والناتج المحلي. الوضع لا يحتمل الانتظار وعلينا اللحاق بالقطار. حسب وكالة رويترز، السعودية وجهت الوزارات والهيئات بمراجعة مشاريع غير منتهية بالبلايين من الدولارات، في البنية التحتية والتنمية الاقتصادية، بهدف تجميدها أو إعادة هيكلتها. هذه فرصة لإشراك القطاع الخاص بتمويل هذه المشاريع وتشغيلها لفترة من الزمن، لتحقيق أرباح ثم نقل ملكيتها إلى الحكومة لتخفيف الضغط عن المالية العامة.
القطاع الخاص مطالب بمساندة (وليس محاربة) رؤية 2030. علينا وقف الزيادة في استقدام العمالة الوافدة من الخارج وكشف أساليب التوطين الوهمي والقضاء على التستر التجاري. علينا القيام بدراسة علمية للأجور وتأمين الاستدامة الوظيفية للمواطنين. مواردنا البشرية هي مصدر قوتنا لرفع معدلات النمو وتعزيز القاعدة الإنتاجية.
نقلا عن العرب