يشكل الحديث عن مفهوم المرحلة في العراق من الأحاديث الأكثر إيلاما ، فالمرحلة التي يعيشها العراق كدولة و شعب ، تعتبر من أصعب و اقسى المراحل التي عاشها في تأريخه المعاصر ، و بغض النظر عن وجهات النظر المتباينة بخصوص هذا التوصيف ، إلا أن نظرة سريعة على الوضع ألامني و الاقتصادي و الخدمي و الاجتماعي العراقي يعبر بشكل واضح قسوة المرحلة التي نعيشها … تتحمل الإدارات في العراق مسؤولية ليست بالقليلة عن كل ما حصل و ما يحصل ، و تعتبر المشاكل البنيوية في هذه الإدارات هي مصدر هذه المسؤولية ، و في الادبيات المنقولة عن منظري فلسفة الدول يعتبرون أن السلطة القضائية في أي دولة تعتبر الحصن الاول و الامل الاخير ، ومنها ما ينقل عن رئيس الوزراء البريطاني الاسبق ونستون تشرشل عندما كانت مئات الطائرات الألمانية وعلى مدى أشهر متواصلة تفرش المدن البريطانية بعشرات الآلاف من أطنان القنابل. وكان للندن النصيب الأكبر منها. البعض قابل تشرشل وقال له: لقد تخّربت البلد ، فسألهم : ما وضع القضاء والتعليم ؟ فقالوا له: مازال القضاء والتعليم بخير فقال لهم : إذا البلد بخير فلا تخافوا ، و عندما قامت ناظرة مدرسة بريطانية باقامة دعوي أمام القضاء البريطاني تطالب فيها بنقل مطار حربي قريب من المدرسة الي مكان آخر لأن أزيز الطائرات عند اقلاعها و هبوطها يحدث صوتا يزعج الطلبة و فيه تعطيل للدراسة فضلا عن أن المطار الحربي يجعل من المنطقة هذفا للعدو لضربه بالقنابل مما قد يسبب خسائر في أرواح الطلبة الصغار و يصيبهم بأذي جثيم وبناء عليه :: قضت المحكمة البريطانية بنقل المطار الحربي الي جهة أخري بعيدة عن العمران مما أحرج السلطات البريطانية الحربية و بذلوا جهدا لإيقاف هذا الحكم و لكن دون جدوي ، و أخيرا لجأوا الي رئيس مجلس الوزراء المستر ونستون تشرشل ليوقف تنفيذ الحكم بدعوي أن نقل المطار سيضعف الدفاع الجوي البريطاني عن أداء رسالته ضد العدو النازي ، رفض تشرشل هذا الطلب قائلا : خير لنا أن تخسر بريطانيا الحرب و لا أوقف تنفيذ حكم قضائي … ليس هذا تطرفا في التعامل مع الحكم القضائي و دور القضاء في الدولة إلا إنه الحقيقة التي ينبغي على العراقيين ان يلتفتوا اليها في وظيفة السلطة القضائية في تجاوز المرحلة الراهنة التي يعيشها العراق ، و هذا ما سنأتي عليه في الحلقات القادمة من سلسلة المقالات الجديدة ( القضاء و المرحلة )
