يشعر الكثير من العراقيين بأنهم مديونين للمقاتلين من الأجهزة الأمنية و الحشد الشعبي ، و غيرهم ممن يضحون بأرواحهم و بمستقبل عوائلهم من آجل تحرير المدن من جماعة داعش الأرهابية ، و فرض الامن في عموم البلد ، لذا نجد الكثير من الفعاليات التي تصب في رد الاحسان لهؤلاء الابطال تقام بطرق مختلفة و اساليب شتى ، فالفنان يرد فضل الجهاد بفنه و هكذا الاعلامي و الطبيب و الفئات الاخرى ، فضلا عن الفعاليات الشعبية التي تتمثل بصور جميلة جدا كتقديم الطعام او الملابس و الخ ، فالقتال و إن كان شأن تخصصي يقوم به مقاتلي الاجهزة الامنية و هي وظيفتهم التي يتقاضون عليها مرتباتهم الشهرية ،إلا أن وظيفة فرض الامن ليست وظيفة الامنيين فحسب ، و ليس فضلا من الاخرين عندما يساندوهم و يدعموهم بالطرق كافة و انما هو واجب ، و لا اتحدث هنا عن الجوانب الفنية في العمل الامني كتقديم المعلومات و البلاغات ؛ و إنما عن الواجب الانساني و الوطني ؛ الامر هذا لا يشمل الاجهزة الامنية فحسب بل كل الوظائف التي يقوم بها أفراد و نتائجها للجميع و من غير مساندتهم و دعمهم المفترض لن تتحقق هذا النتائج بشكل افضل ، تذكرت المسؤولية الجماعية و خاصة النخبوية و أنا أقرأ المقال المميز للقاضي فتحي الجواري ( عقوبة نشر ام عقوبة تشهير ) المنشور في موقع مجلس القضاء الاعلى الالكتروني ، و سأنقل عنه هذه القصص اللطيفة ( كانت تطبق في اوربا قبل (ثلاثة قرون) أحكام قضائية فقد كان بعض القضاة الامريكيين يحكمون على المتهم بعقوبات تتراوح بين الاعتراف امام المارة في الشوارع العامة ، بأنه سرق ، او أن يتجول في تلك الشوارع ، حاملا لافتة تتضمن اعماله السيئة التي قام بها ، او بنشر اسمه في الصحف ، بأنه أقام علاقة مع احدى المومسات .
ويقول القاضي (صموئيل داش) من جامعة (جورج تاون) في واشنطن : (ان هذا النوع من الأحكام يدخل في إطار السلطة التقديرية للقاضي ، وعادة ما يفرح المتهمون بمثل هذا النوع من الاحكام ، كي يفلتوا من السجن …) .
وأنواع التشهير كثيرة ، وللقضاة (خيال خصب) في هذا المجال . ففي ولاية (ايلينوي) حكم على مزارع ضرب جارا له ، بأن يعلق في رقبته (لافتة) ويقف حاملا إياها على مدخل مسكنه ، كتب عليها : (هنا يسكن مجرم عنيف .. سيروا امامه على مسؤوليتكم الخاصة …) . وفي (بوسطن) بولاية (ماشاتشوسيتس) حكم على زبائن مومسات بتنظيف أماكن لقاءاتهم من (الواقيات) التي تنتشر على الارض ، لأن الدعارة ممنوعة في الولايات المتحدة الامريكية .
وثمة امثلة كثيرة على عقوبات التشهير ، ففي ولاية (نيويورك) فوجيء مالكي منازل ترتكب فيها تصرفات فاحشة ، بــ (لوحة كبيرة معلقة على ابواب تلك المنازل ، تتضمن اسماءهم وشرحا للمارة بانهم يسهمون في الانحطاط الاخلاقي للحي) . وقد امر القاضي (لاري شاك) من ولاية (فلوريدا) بــ (كتابة كلمات بحروف كبيرة على باب مسكن متهم بأنه ثبتت إدانته بتعذيب فتيات صغيرات) . وفي (فلوريدا) أيضا ، قبض على سائقين في حالة (سكر) وحكم عليهم بوضع لوحات على سياراتهم (تنذر سائقي السيارات الاخرى بأنهم يمثلون خطرا عليهم) . وفي ولاية (اركانسو) حكم على لصوص (بالسير امام المحل الذي سرقوا منه وبوضع لافتات تلف حول اعناقهم تتصمن وصفا لجرائم السرقة التي قاموا بها )
هذه القصص تشير إلى مبدأ مهم يرتبط بالسمعة و تهديدها كإحدى و سائل الردع و الضبط القانوني ، فضلا عن تجسيد قوة و هيبة القضاء عندما يكون الحكم القضائي مشاعيا ، أي أن تطبيق العقوبة يأخذ منحى إعلاميا ؛ و حتما هذا لا يتحقق إلا عن طريق بيئة مناسبة يمكن للقضاء أن يحقق فيها هيبته و قوته ، و يفكر بوسائل ردع من هذا النوع ، و الان و نحن نتحدث عن القضاء العراقي في مرحلتنا الصعبة التي نعيشها ، هل سألت النخبة نفسها سواء السياسية أو الثقافية أي دور قمنا به تجاه الجهد القضائي ضد الارهاب و الجريمة و الفساد ؟ أي إعلام مساند وأي تشريعات و أي فعاليات مناصرة للقاضي الذي يحكم على عصابات الارهاب و الفساد و الجريمة وهي كما يعرف الجميع تملك ما يؤذي و يعرض حياة القاضي الى الخطر ؟ هذه الاسئلة لا تنتهي عند هذا الحد ؛ بل أن البحث عن دور مفترض للسلطة القضائية في مرحلتنا الراهنة سيشمل نواحي حتما أن الكثير من المعنيين سيعرفون أنهم لم يقوموا بواجبهم تجاه القضاء الذي يطالبونه بإداء دوره .