يؤشر الكثير من المتخصصين بالفكر وفلسفة الديمقراطية ، على ان العملية السياسية العراقية بعد العام الفين و ثلاثة سارت بطريقة غير متوازية في شقيها السياسي و الاجتماعي ، ففي الوقت الذي إنتقل نظام الحكم من سيطرة حزب واحد و عوائل معينة على عموم شؤون الدولة ، إلى نظام يعتمد الانتخابات و يفصل بين السلطات و يتيح حرية تشكيل الاحزاب و حرية الاعلام ، أي أن الواقع السياسي انتقل من نظام ديكتاتوري الى نظام بناء ديمقراطي ، إلا أن هذا الانتقال لم يرافقه إنتقال إجتماعي يوازيه ، و لم تجري أي من عمليات ( التنشئة السياسية ) ، صحيح أن حرية الاعلام أُتيحت و كذلك أتيح تشكيل منظمات المجتمع المدني و المؤسسات الثقافية و المراكز التعليمية ، إلا أن هذا لم يكن بحجم عملية الانتقال ، ما نتحدث عنه ليس ترفا أو شيئا فوقي في تنظير الاجتماع السياسي … ( التنشئة ) عملية ضرورية جدا ، ومؤسسات التنشئة من أهم المؤسسات في المجتمع الحديث خاصة تلك التي تشهد تحولا وتغييرا في مساراتها التأريخية ، و ليس أوضح مما قاله الفيلسوف الفرنسي و عالم الاجتماع المؤسس أوغست كومت عقب إنتصار الثورة الفرنسية ، كومت قال يومها أن مجتمع الثورة ليس ذاك المجتمع الذي كنا نعرفه قبل الثورة ، وأن المعارف التي كنا نستخدمها في السابق لمعرفته لم تعد نافعة اليوم ، ومن أجل ذلك قدم لاول مرة في التأريخ مفهوم سوسيولوجيا ( علم الاجتماع ) ، و لاننا لا زلنا نتحدث منذ الحلقة السابقة عن مفهوم ( الوعي القضائي ) ، نكرر حاجة السلطة القضائية إلى إدراك أن حالة من الا وعي القضائي تشكل إحدى أكبر التحديات في التعاطي المتبادل بين السلطة القضائية بمعناها البنائي و الوظيفي ، وبين السلطات الاخرى و الجمهور العام ، و الجمهور العام هنا بصفته طرف أو متلقي ، ومن هنا فإن فلسفة الاعلام القضائي لا ينبغي لها أن تتحرك في منطقة الترويج النشاطي، بل الى منهج التثقيف القضائي ؛ و هذا يستلزم خطابا يستسقي من الثقافة والممارسة القضائية موضوعه ، إلا أنه يصبها في القوالب الاعلامية التي تعتمد كل وسائل الاتصال ، وهذه عملية ليست بالهينة ليست في أدائها و تنفيذها ، بل في تحركها في هذه الاجواء الملبدة بالصراعات الكلامية بين الاطراف ، و التي تشكل أبرز معالم الخطاب الاعلامي في العراق ، إلا أن ذلك يجب ان لا يمنع إعلام الوعي من أداء مهامه و الاستفادة قدر الامكان من كل الوسائل الممكنة في صناعة وعي يساهم في عملية التطوير المفترضة .