هنالك مجموعة من الأفكار يشعر المرء أن عليه في كل وقت أن يعيد نشرها و الحديث عن و توكيدها ، و هي تلك التي ترتبط بعمق الحق و الحقيقة ، و لذلك نجد القرآن الكريم يمدح تكرار بعض الأفكار عبر قوله : ( فَذّكْر ) ، و هنا يطيب لي أن ألفت نظر القراء الكرام إلى الأبعاد غير العسكرية في المعارك الجارية في محافظة الانبار ، و تحديدا الساعية لتحرير الفلوجة ، فهذه المعارك قد تحمل للوهلة الاولى العنوان الامني و العسكري ، على أساس أنها تهدف الى القضاء على مقاتلي تنظيم داعش الذي أستطاعوا إغتصاب هذه المنطقة منذ أكثر من سنتين ، و صاروا يحكومنها وفقا لايدولوجيتهم ، و أستعملوها لموقعها المتميز في القيام بعمليات إرهابية في العاصمة بغداد و الكثير من المناطق المختلفة ، إلا أن العمليات العسكرية التي تحقق إنجازات كبيرة على المستويات كافة ، لم تحقق النتائج العسكرية و إجمالا الامنية فحسب ، بل أنها ساهمت بشكل جيد في إيجاد حالة من التضامن و الوحدة الاجتماعية ، فضلا عن تهدئت الاضطرابات و الخلافات السياسية ،
و هو أمر لفت نظر الكثيرين الى مقولات لم تكن تستوعب بهذا العمق في العراق سابقا ، من قبيل ( الجيش عنوان وحدتنا ) ، وأخذ الكثير من المحللين و الخبراء ؛ يستعيرون تجارب قريبة كالمصرية و التونسية ؛ و كيف أن المؤسسة العسكرية شكلت ضمان حماية الوحدة الوطنية ، و حماية الدولة ؛ و هذه مناسبة طيبة للإشارة إلى معنى عمق مؤسستين في الدولة الحديثة ، فالدولة تشريعيا و تنفيذيا تتسم بدينامية تتأثر بعوامل سريعة ، و لهذا تتسم الدول بتحولات تصل حد الانعطافات الحادة في هاتين السلطتين ، خاصة التنفيذية ؛ و على الرغم من مساحة المرتكزات الثابتة ؛ إلا أنها دائما عرضة لتأثرات التحولات الحتمية ، خاصة في الدول الناشئة و غير المستقرة ، إلا أن المؤسستين العسكرية و السلطة القضائية ، يتسمان بسعة الثبات في بنائهما الوظيفي ، و هو أمر غير متكلّف بل تفرضه الطبيعة الوظيفية القضائية و العسكرية ،
و لافرق بين هاتين المؤسستين سواء في البلدان المتقدمة أو النامية ، و هذا الثبات فضلا عن عناصر القوة و الارتكاز و الاحتراف يشكل عنصر الضمان و الحماية لوجود كل دولة ، و لذا نجد أن في هاتين المؤسستين تنتشر الكثير من الاعراف و التقاليد و الاخلاقيات الذاتية و الجماعية ، طبعا بالاضافة الى العمق المضموني الذي نتحدث عنه ، و الذي يشكل أساس التميز القضائي و العسكري .