أوشكت معركة الموصل على وضع لمساتها الأخيرة، وستُعاد الأرض ويُطرد الإرهاب، وبعد التحرير تحتاج لتطهير، وتنتهي معركة من حرب لا تتوقف بمجرد إنتصار القوات العراقية على إرهاب متعدد الجنسيات والأساليب القذرة، وأن شهد العالم بقدرة العراق على المجابهة والتحدي؛ لكن الأسباب قائمة دون إيجاد حلول تقلعه من الأرض عسكرياً وفكريا وسياسياً وإجتماعياً.
ما يجري من أعمال يتركز على الجانب الأمني، ورغم تحققيه ما أبهر العالم، إلاّ أن مؤشرات المخاوف محتملة في المرحلة القادمة.
أدت أسباب كثيرة الى تنامي الإرهاب، ولا أحد ينكر الخلافات السياسية والتخندقات الطائفية وذرائع الإعتراض على الحكومة، وبجملة المؤثرات فسحت مجالات لدخول الإرهاب، أو إيهام الشعب بفشل الحكومة، ورغم قناعة كل الأطراف السياسية، على أن الإرهاب يستغل الفراغ السياسي لخرق أمني، وكل تناقض فكري هوّة بين المكونات؛ لكن الأطراف السياسية لم تمتنع معظمها على الإصرار في ممارسة دورها المتعصب المتشنج، الذي يكسب ويناغم ويحرك الجماهير؛ بإفتراض مظلوميات وتهميش او عدوانية بقية الطوائف.
من يتحدثون يهربون الى الأمام من المسؤولية، ومن عار وجود الإرهاب ودمار الفساد السياسي، يتنصلون عن كونهم أداة التناحر الطائفي في مجتمع متعايش، لا يعرف الطائفية في حياته السياسية والإجتماعية، ولا شك أن رمي النار في ملعب الطرف الآخر، هو غباء سياسي او تعمد لإذكاء فتنة، وكأنهم ينتظرون إحتراق الوطن، ويجتمع المتناحرون لتقاسمه كالوليمة؛ إذْ لا تقع المسؤولية على السنة فقط لأنهم ينادون بالتهميش، ولا الكورد الضاغطين على الحكومة بالمطالبة بالتقسيم، بل على الشيعة مسؤولية أكبر، لأنهم أكثر تمثيلاً برلمانياً وتنفيذياً، وأكثر ظهور إعلامي.
إن الوقوف على عتبة الإنتصار، في أشرس معارك الشعوب وأكثر الأعداء شيطانية وإنحراف، يتخذ من الموت وسيلة لتحقيق أهدافه؛ لا تعني إعلان النصر النهائي، ومن المبكر زفاف بشائر النصر، والمشكلات السياسية قائمة، وعدونا يعتاش على التناقضات والخلافات، ويتمدد اماكن ضوضاء الحسابات الضيقة، ومقابل النصر في المعارك يحتاج العراق الى نصر سياسي، يوازي روحية وبسالة وعقيدة شباب العراق، وكيف كانوا يد واحد لم تفرقهم طائفية ولا حساب ضيق، فكان الوطن نصب أعينهم، وتحرير أرضه أمنيتهم.
تقع المسؤولية الحقيقية، على عاتق القوى السياسية المتصدرة للمشهد على قدر عناوينها، في بلد يتصدر الأحداث الدولية، والتقارب يُبعد المؤثرات الخارجية.
وصل الوضع السياسي العراقي الى مرحلة الإختناق في عنق زجاجة، وأمامه تعقيدات أمنية وخدمية وأكثر من مليون نازح، وعقول جرح وطنيتها وشرفها الإرهاب، وإقتصاد بحاجة الى قرارات شجاعة بعيد عن المزايدة الإنتخابية، وخدمات متردية وهياكل حكومية متصدعة، وتكلس بيروقراطي يحكم المؤسسات، وفوق التحديات الداخلية؛ منطقة أقليمية ملتهبة، وتقاطعات تمر من أرض عراق كأنه قلب أحداثها، والفرصة ما تزال قائمة لبناء عقد إجتماعي في إطار دستور العراق وحاجة المرحلة، على إعتماد المواطنة الصادقة كمعيار بين العراقيين، وتحمل مسؤولية وصوله الى بر أمان يضمن وصول قيادات سياسية جديدة، تسطيع ضمد جراحات المراحل السابقة، وتوشيج العلاقات السياسية والإجتماعية، وإذا كان النصر على وشك أن نتذوق حلاوته، فهناك شروط اهمها وجود أرضية سياسية مناسبة وتخطيط لمستقبل يضمن التقارب الإجتماعي والسياسي، ومنها نحتاج تسوية سياسية وثورة إدارية.