17 نوفمبر، 2024 7:37 م
Search
Close this search box.

القضاء النزيه صمّام الامان

القضاء النزيه صمّام الامان

-1-
اذا كان الاختلاف والنزاع بين مختلف الاشخاص والأطراف، أمراً طبيعياً تفرزه مفارقات الحياة ، فانّ القضاء العادل هو صمام الأمان في إرساء قواعد العدل والانصاف، وحسم دابر الظلم والاجحاف .

-2-

لقد نُقل عن (ابن سيرين قولُه) :

{ كان أبو عُبيده بن حذيفة قاضياً ، فدخل عليه رجلٌ من الأشراف ، وهو يستوقد ناراً ، فسأله حاجة ، فقال له ابو عبيدة :

أسألك أنْ تُدخل اصبعَك في النار ،

قال :

سبحان الله

قال :

أَبخِلْتَ عليّ باصبعٍ من اصابعك أن تدخله في هذه النار ،

وتسالني ادخال جسمي كله في نار جهنم ؟ }

وهكذا يجب ان يكون القاضي حَذِراً يَقِظاً نزيهاً بعيداً عن الانحياز، خائفاً من عقوبة الله تعالى .

-3-

وقد روى عن رسول الله (ص) قولُه :

( الناس كإبلٍ مائة لاتجدُ فيها راحلة ،

قال البَيْهقي في سُنَنِه، باب انصاف الخصمين في الدخول على القاضي والاستماع منها والانصاف لهما :

( هذا الحديث يُتأول على ان الناس في أحكام الدين سواء لافضل فيها لشريف على مشروف ،

ولا لرفيع على وضيع،

كالأبل المائة لايكون فيها راحلة وهي الذلولة التي ترحل وتُركب )

ليس ثمة من خيارات عديدة للقاضي، وانما هو خيار واحدٌ، يتمثل بأنْ يحكم بالحق، متجاوزاً كلّ الضغوط المسلّطة عليه، مهما عظمت، من أجْلِ الوصول الى تلك الغاية ، والاّ فان مصيره الى النار …

-4-

وهناك قضية معروفة يتداولها الكُتاب، وقعتْ ابّان الحرب العالمية الثانية في بريطانيا .

لقد رَفَعَتْ مديرة احدى المدارس ، دعوى قضائية على الحكومة البريطانية، مطالبةً بالزام الحكومة بنقل مطار عسكري قريب من المدرسة الى مكان اخر بعيد عنها، ذلك أنَّ طلبة المدرسة ،تزعجهم كثيراً أصوات الطائرات اثناء الاقلاع والهبوط، وقد يؤثر ذلك على دراستهم، هذا فضلاً عن أنَّ المطار العسكري المذكور يضع المنطقة كلها لا المدرسة وحدها في موقع الخطر حيث يكون هدفا للعدو ويمكن ان يضرب بالقنابل ، الأمر الذي يهدد أرواح الطلبة وينذر بالخسائر الفادحة والأضرار الكبيرة …

وبالفعل :

جاء قرار المحكمة البريطانية حاسماً وملزماً للحكومة البريطانية بنقل المطار العسكري الى مكان آخر بعيد عن المناطق المأهولة .

وحاولت السلطات العسكرية البريطانية تعطيل هذا الحكم ، ولكنها مُنيت بالفشل …

وقد لجأت في نهاية المطاف الى رئيس مجلس الوزراء ( ونستون تشرشل ) ليتولى المهمة بنفسه – اي ايقاف تنفيذ الحكم القضائي –، وبذريعة تقول :

ان نقل المطار من مكانه سيضعف الدفاع الجوي البريطاني أمام العدو النازي ،

وكانت النتيجة في نهاية المطاف أنَّ (تشرشل) رفض ذلك، وقال :

(خير لنا ان تخسر بريطانيا الحرب ، ولا أوقف تنفيذ حكم قضائي)

-5-

وفي العهد الملكي البائد (1921-1958) قال نوري السعيد لأحد اصدقائه الذي استنجد به لاطلاق سراح ابنه :

لا أنا ،

ولا جلالة الملك ،

نستطيع التدخل في شأن القضاء .

-6-

وفي أيام الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم أصدر الاستاذ (حمزة بحر) –وكان حاكم بداءة الحلة – حكماً في غير صالح الحكومة ، فامتعض رئيس الوزراء ، وعاتب رئيس محكمة تمييز العراق الراحل محمد شفيق العاني ، فأجابه قائلاً :

انّ عليك ايها الزعيم أنْ تفرح بَدَلَ ان تغضب ، حيث أصبح القضاء في العراق مستقلاً لا يحابي حتى الحكومة …

-7-

وأما القضاء العراقي في ظل الحكومة السابقة فقد أصدر من الأحكام ما أثار الاستغراب .

ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر :

الحكم بالسجن على الدكتور سنان الشبيبي والاستاذ محمد توفيق علاوي وهما من المشهود لهما بالنزاهة العالية ..!!

بينما اسقط الأحكام القضائية بحق بعض اللصوص المختلسين لأموال الدولة …

ومن ذلك أيضا :

جَعْل الهيئات المستقلة مرتبطة برئاسة مجلس الوزراء فما معنى استقلالها اذن ؟

ومن ذلك أيضاً :

تجريد مجلس النواب من حق التشريع، المساوق لالغاء صلاحياته الأساسية ..!!

-8-

إنّ الدكتاتورية البائدة هيمنت على كل السلطات في البلاد ، ومنها السلطة القضائية، فجعلتها تدور مدار ارادَتِها ، وأية ثغرة في هذا المضمار تعني عودة الدكتاتورية بوجهها القبيح، وهذا مالا يرضاه الله، ولا ترضاه الموازين والقيم العادلة، ويرفضه العراقيون المخلصون جميعاً .

 

*[email protected]

أحدث المقالات