لعل واحدة من أبرز سمات القضاء العراقي بعد العام 2003، هو وجود تخصص في المحاكم بالاعتماد على اسس وقواعد قانونية، ما يعدّ تجربة فريدة للعراق وصفت من بعض الأوساط بأنها نقلة للعالمية.
ظهرت حديثاً ثمّة اسماء ضمن هيكلية المحاكم تعتمد على الجانب الفني والتقني بغية مراعاة مواكبة التطور العلمي في حسم الدعاوى سواء كانت مدنية ام تحقيقية.
وبالتالي جاءت محاكم متخصصة بالنزاهة وغسل الاموال والجريمة الاقتصادية، وأخرى للجرائم الواقعة على الاطباء، وثالثة لجرائم النشر والاعلام، ورابعة للمنازعات الرياضية، إضافة إلى محاكم اخرى.
لعل أبرز تلك المحاكم، هي المحكمة الجنائية المركزية المتخصصة بالإرهاب والجريمة المنظمة، كونها استطاعت بطاقمها القضائي محاربة اعتى هجمة ارهابية تعرضت إليها البلاد خلال التاريخ المعاصر.
هذه المحكمة تستند في تشكيلها إلى قانون مكافحة الارهاب، وتعتمد ذات القواعد الشكلية والاجرائية لمحاكم الجزاء الاخرى بالاستناد إلى قانون اصول المحاكمات الجزائية سواء في مرحلتي التحقيق أو المحاكمة أو الطعن بالقرارات.
ان تحقيقات المحكمة المركزية اسهمت في التوصل إلى كبار الإرهابيين ولعل ابرزهم هو زعيم ما يسمى بتنظيم القاعدة في العراق ابو عمر البغدادي وقائده العسكري أبو ايوب المصري، اللذين استهدفهما قصف للطيران بعد معلومات تحصلت عليها المحكمة نتيجة اعترافات متهم مثل امامها منتصف العام 2010، وادى ذلك القصف إلى مقتلهما.
كما نظرت هذه المحكمة قضايا مسؤولين كبارا في الدولة وبعضهم نواباً وجهت اليهم تهم جنائية أو ارهابية وأصدرت بحقهم احكام بدون أن تنظر إلى هوية الماثل أمامها، انما استدلت فقط بالأدلة، ولا ننسى أنها من أصدرت احكام الإعدام بحق المدانين بجريمة “سبايكر”.
أن العمل التحقيقي للمحكمة يعتمد الدقة العالية والعلمية والتكنولوجيا وظهر ذلك واضحاً من خلال اسهامها في الحد من جرائم الخطف عندما اسندت اليها بموجب أمر مجلس القضاء الاعلى في 2014، حيث تم القاء القبض على العديد من المتورطين بهذه الجرائم واكتملت قضاياهم وتم الحكم عليهم وفقاً للقانون.
منذ مدة اخذ بعض قضاة هذه المحكمة على عاتقهم مسؤولية إعلام الجهات الامنية بالمخاطر المحدقة التي تحيط ببغداد، حيث صرحوا صحفياً بأن حزام العاصمة يعاني من مشكلات امنية ينبغي معالجتها من قبل الجهات المختصة، كما طرحوا من قبلها قضية البحيرات ومقدار ما تدره من اموال على تنظيم داعش الارهابي.
وفي مقابل ذلك لم نسمع من الجهات المختصة أي رد على تلك التصريحات، حيث استمرت الخروق الامنية، مع وجود تسريبات بأن التنظيم الارهابي يستغل ذات الثغرات التي تحدث عنها القضاة في تنفيذ الهجمات بحق المدنيين العزل.
مؤخراً، اعطيت لهذه المحكمة وبالنظر لإمكانياتها صلاحية النظر في دعاوى تعاطي والمتاجرة بالحبوب المخدرة، وقد حققت ايضاً نجاحا على هذا الصعيد وفقاً لمعدلات الحسم.
جميع تلك التحديات تجعلنا ننظر باعتزاز لمحكمة يبذل طاقمها جهودا كبيرة في سبيل ارساء السلم المجتمعي ابعاد الاخطار الامنية عن المدنيين، فهم قضاة فوق الخوف.