فشل ذريع آخر تسجله الولايات المتحدة الامريكية على مسرح الاحداث في العراق الذي يمثل اهم موقع نفوذ لسياسة الولايات المتحدة في مناطق نفوذها على مستوى العالم ذلك من خلال اعلانها المسرحي بانها ستقوم بمحاربة داعش المصنعة من قبل اجهزة مخابراتها بواسطة القصف الجوي للطيران الامريكي ويتفق جميع الخبراء والمختصين بالشؤون العسكرية بما فيهم المختصون والمراقبون داخل الولايات المتحدة على ان القصف الجوي الامريكي لا يكفي وحده للقضاء على عصابات داعش او غيرها من الجماعات المسلحة مالم يرافقه تحرك وجهد عسكري ميداني على الارض من قبل قوات برية يكون الجهد الجوي العسكري غطاءا قويا لها الامر الذي يمكنها من سحق داعش التي تعتبر واقعيا مجموعات وعصابات مافيوية تكفيرية لاتمتلك مقومات الاستمرار في بقاءها على اراض شاسعة ولا تستطيع المطاولة على احتلالها لهذه المواقع اذا ما تمكن الطرف الاخر ونقصد به قوات الجيش العراقي والحشد الشعبي من ترتيب اموره واعداد المقدمات الموضوعية السليمة لتطويق زحفها وانزال الهزيمة بها.
لقد استشعرت ورأت الولايات المتحدة بدايات انهيار التقدم الداعشي وبدايات هزيمة داعش اثر الانتصارات المتلاحقة التي حققتها جموع الحشد والاسناد الشعبي والقوات العسكرية العراقية وكان من ابرز ثمرات هذه الانتصارات المبينة فك الحصار عن مدينة آمرلي وغيرها من المناطق التي شكلت علامات بارزة على اخذ زمام المبادرة والمبادءة من قبل قوات الجيش وحشود الاسناد العراقية في سبيل اكمال الخطة المتبعة لانهاء احتلال داعش للموصل وانهاء وجودها على الاراضي العراقية وقطع دابر وجودها الاجرامي وما تبعه من قتل الاف العراقيين الابرياء وتهجير ونزوح مئات الاف العراقيين من ديارهم وما جريمة سبايكر وسجن بادوش وقرية بشير وتلعفر الا بعض الشواهد على حجم الجرائم النكراء التي ارتبتها عصابات داعش الصهيونية بعد توفير مقدمات مجيئها واحتلالها للموصل اثر صفقة خيانية مريبة تكشفت الكثير من صفحات تدبيرها في ليلة ظلماء قامت بتنفيذها قوى سياسية عراقية مثلت الوجه الارهابي القذر في العملية السياسية المشلولة كي تصل الى اهدافها الحقيقية من وراء هذه المؤامرة الدنيئة وهو تقسيم العراق وتفتيته الى ثلاث مناطق وفق رؤية نائب الرئيس الامريكي جو بايدن عراب موضوعة تقسيم العراق منذ عام 2007 وحتى يومنا هذا والتي تاكد للقاصي والداني ان الولايات المتحدة ماضية في تطبيقها على الواقع الجيوسياسي العراقي بخطى ثابتة وعن طريق الحروب بالنيابة والتي تعتبر الاسلوب المتبع الافضل للولايات المتحدة في الكثير من مناطق نفوذها في العالم ومنها بلدان العالم العربي حين لا تريد ان تظهر بمظهرها العسكري المباشر
ولذلك وبعد ان وجدت الولايات المتحدة ضالتها في داعش وهي التسمية البديلة لتنظيم القاعدة التكفيري الوهابي الذي يعتبر انتاجا امريكيا صرفا وبعد ان امرت الدول الخاضعة لامرتها وعلى راسها تركيا والسعودية وقطر والاردن التي مولت ودعمت وقدمت كل انواع الاعداد والدعم المالي واللوجستي لعصابات داعش بالتعاون والتضافر مع القوى العميلة لامريكا داخل العراق
وحواضنها الاجتماعية امرت داعش ان تبدا فصول احتلالها للموصل وتكريت بعد ان بدات داعش بمشاغلة الجيش العراقي في الانبار والفلوجة وجرف الصخر وبعد ان رات ان العراق هو الخاصرة الضعيفة الرخوة في جسد المنطقة الاقليمية ضمن مشروعها الجهنمي لتقسيم المنطقة من جديد والمعروف بالشرق الاوسط الجديد والذي يتضمن تفتيت المفتت وتجزئة المجزء وصولا الى ضمان اضعاف دول وشعوب المنطقة من جهة وضمان امن الكيان الصهيوني وتدفق النفط العربي واحتكار سريانه الى الابد من جهة اخرى .
ولذلك فان فشل الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة من اسقاط النظام السوري جعلها تلعق جراح فشلها وتبدأ فصلا جديدا من فصول جريان وسفك دماء الابرياء في العراق من خلال تمكين داعش من احتلال الموصل بعد ان نكثت وعودها من خلال غض الطرف عن مضامين اتفاقية الاطار الستراتيجي الامنية المشتركة بين العراق والولايات المتحدة والتي تلزمها بالدفاع عن العراق اذا ما تعرض الى اعتداءات من اية جهة او جماعة او دولة اخرى وهذا ما جرى عليه عرف الاتفاقات الدولية في الجانب الدفاعي الامني المشترك بين الدول.
وبعد ان رأت الولايات المتحدة حجم التطوع والمشاركة الجماهيرية الواسعة والملبية لنداء المرجعية الدينية العليا في النجف باعلان الحرب الشعبية على داعش ودرء الاخطار التكفيرية الوهابية البعثية عن العراق وشعبه وبعد ان رات قطاف بداية الانتصارات المتتالية على عصابات داعش من قبل هذه الحشود واستبسالها بشكل منقطع النظير للدفاع عن العراق وحرمة شعبه واراضيه مع قوات الجيش العراقي بعد ن رأت كل هذه الافرازات وبدايات نهايات السقوط لداعش في العراق ابت الا ان تقحم نفسها بمسرحية القصف الجوي للطيران الامريكي مع حليفاتها لداعش من اجل افشال المساعي الحثيثة لقوات الحشد الشعبي في تحقيق الامل المنشود بالتخلص من هذه العصابات الاجرامية التي عانى منها الشعب العراقي الممتحن بما لم يعانيه اي شعب اخر طيلة اكثر من احد عشر سنة ناهيك عما لحق بالشعب السوري من كوارث وجرائم ارهابية تكفيرية هو الاخر.
وكانت الحملة الجوية الامريكية وما قامت به من قصف استعراضي ليس له اي تاثير على مجريات الامور على ميدان الحرب في الارض عبارة عن رسالة وجهتها الولايات المتحدة الى عصابات داعش بان لاخوف عليها من مستقبل الايام وقامت برفع معنويات افراد هذه العصابات من خلال هذه المسرحية الخبيثة ناهيك عن القرار المفاجيء الغريب لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بوقف القصف الجوي العراقي لطيران الجيش على داعش والذي اعتبره المراقبون شكلا من اشكال الضغط الامريكي على رئيس الوزراء العراقي الجديد ليصدر هذا القرار الذي يعتبر اولى سقطات العبادي في بداية تسلمه لمنصبه الجديد وهذا ما سعت وتسعى اليه امريكا من خلال اعلانها المسرحي المفضوح لمحاربة صنيعتها داعش
بل ان الامور اخذت مسارا اخر تمثل في ان داعش احرزت تقدما مشهودا على الارض افرزته النسب التصاعدية ميدانيا لهذا التقدم الداعشي على الارض خلال الاسابيع الماضية منذ انطلاق حملة القصف الجوي المسرحي الامريكي
بل ان المهزلة وصلت حدودا اصبحت مثارا لسخرية واستهزاء الكثير من المراقبين للمشهد الامريكي حين صرح احد المسؤولين الامريكيين بان الحرب على داعش قد تستمر الى اكثر من ثلاثين عاما الامر الذي يكشف ان الولايات المتحدة تريد استنزاف مئات المليارات من الدولارات من خزائن دول الخليج خدمة لمصالحها الاستكبارية الاستعمارية بالتضافر مع خدمة الاهداف الصهيونية للكيان الاسرائيلي السابقة الذكر.
الامر الاخر الذي اثار سخرية واستهجان المراقبين هو هذا الصمت المطبق والتفرج الامريكي الغربي على ما تتعرض له مدينة عين العرب او كوباني الكوردية في كردستان سوريا واللا ابالية التي اتخذتها القوات التركية وحكومة تركيا الاردوغانية الارهابية بعدم تقديم الدعم والاسناد لفك الحصار عن هذه المدينة والتي تعتبر شاهدا حيا اخر على عمق المهزلة والفشل في الاداء السياسي الميداني الامريكي وعدم الضغط على الجانب التركي للدفاع عن هذه المدينة الباسلة طيلة الاسابيع الماضية في الوقت الذي تقوم الحكومة التركية بتقديم كافة انواع الدعم لعصابات داعش وتوفير كل انواع الدعم اللوجستي والعسكري لها بل وتسهيل دخول هذه العصابات من الاراضي التركية وعلاج افراد هذه الزمر في المستشفيات التركية اسوة بالمستشفيات الاسرائيلية
وهكذا تثبت الولايات المتحدة الامريكية مرة بعد اخرى انها عازمة على تكرار اخطاءها الستراتيجية في العراق والمنطقة خدمة لاهداف الشر الصهيونية والكيان الاسرائيلي مع اهداف الشر الاعرابية وانظمة المشايخ الوهابية المتصهينة في الخليج وان الولايات المتحدة من خلال هذا الفشل تهدف واقعيا الى ان يعيش الشعب العراقي والسوري تحت ظل الازمات الامنية التدميرية الكوارثية مع بقية الشعوب العربية الاخرى في أسوأ فصل من فصول التطبيق العملي لنظرية الفوضى الخلاقة الهدامة سيئة الصيت المنبثقة من عمق نظرية الشرق الاوسط الامريكي الجديد والتي اعلنتها وزيرة الخارجية الامريكية غونزاليسا رايس ورئيسها السابق جورج بوش وروجوا لها منذ عام 2007 والتي يعتبرها المراقبون السياسيون انها تمثل الوجه المتكرر لفشل السياسة الامريكية العدوانية على شعوب المنطقة والعالم ووقوفها القميء بوجه تطلعات واماني هذه الشعوب في التلاحم والتضافر وفي نيل حقوقها والعيش الآمن والحرية والعزة والكرامة والسلام.