23 ديسمبر، 2024 1:11 ص

القصاص والثأر: ورطة ايران ووكلائها

القصاص والثأر: ورطة ايران ووكلائها

ايران، ناهيك عن وكلائها في العراق ولبنان واليمن، تعهدت بالرد. المرشد الأعلى بنفسه تعهد حرفياً بإنتقام قاسِ لضحايا عملية مطار بغداد الدولي فجر امس الجمعة وعلى رأسهم الجنرال الإيراني الأشهر، قاسم سليماني.

غير ان المراقبين لا يرون ان طريق الثأر ممهد أمام ايران ومطروق بسهولة ويسر، ويرون ان على النظام الايراني ان يمشي في هذا الطريق بكثير من الحيطة والحذر لتجنب استفزاز الولايات المتحدة ودفعها الى اتخاذ رد فعل قوي وواسع وبالتالي شن حرب شاملة ستقضي حتماً على نظام الجمهورية الإسلامية وكل مكتسبات ايران في المنطقة. الحرب الشاملة اساساً ليست خياراً ايرانياً.

كان سليماني قائداً، يتمتع بكاريزما فخمة، لعب ادوارا حاسمة خلال العقدين الماضيين، في توجيه سياسة ايران الأقليمية وحتى الدولية، وفرض على الشرق الأوسط هيمنة مدوّية، خصوصا في مسألة بناء التحالفات وزرع الوكلاء وفرض العقيدة المذهبية. حزب حسن نصرالله في لبنان. المجموعات المسلحة العراقية. الحوثي في اليمن. إنقاذ وتحصين نظام بشار الأسد، وأخيراً مد جسور التعاون والثقة مع المقاومة الإسلامية في فلسطين، حماس والجهاد الإسلامي.

هذا الهيلمان السياسي والعسكري الذي جعل من سليماني في نظر ناسه أيقونة المقاومة ورأس الحربة الذي يحسب له الخصوم الف حساب، في الواقع، له مساوئه ايضا وسلبياته. اولها انه قيد النظام بواجب الأخذ بثأره والإنتقام له والقصاص من قاتليه، لأن توكيل الأمر للوكلاء سوف يثير الشكوك حول مصداقية النظام في الدفاع عن رجالاته، خصوصا وان سليماني، ربما، كان القائد الثاني في الجمهورية الإسلامية العتيدة، او على الأقل، كان صاحب الصيت الأبرز، كان اسمه، مثلاً، يتردد في الأخبار أضعاف ما يتردد اسم رئيس الجمهورية .

اذا كان على ايران ان تفي بوعدها للثأر مِن الذين اغتالوا سليماني فعليها ان تفعل ذلك بمنتهى القدر من المقبولية بحيث تتجنب، من جهة، كما قلنا استفزاز الولايات المتحدة ودفعها الى شن حرب شاملة، ومن جهة اخرى، تتفادى استعداء اوربا وروسيا والصين. يعني اذا كان على ايران ان تذبح فعليها ان تحسن الذبحة وتختار الهدف بعناية فائقه وتوظف خياراتها المتنوعة بكل حكمة ورشد وان تبتعد عن التهور تماماً.

بالمقابل فإنها فرصة وكلاء ايران لإثبات ولائهم، وقد رأينا كيف ان محمد علي الحوثي، رئيس اللجنة الثورية اليمنية، شأنه في ذلك شأن العديد من قادة الفصائل العراقيين، دعا الى رد سريع ومباشر من خلال القواعد المنتشرة في المنطقة بينما كان حسن نصرالله اثقل وارزن في خطابه عندما قال أن القصاص العادل سيكون مسؤولية وأمانة وفعل كل المقاومين والمجاهدين وتعهد بأكمال الطريق وتحقق الأهداف التي استشهد من اجلها سليماني.

ربما كان هؤلاء الوكلاء المتحمسين، بدورهم، يعانون من نفس ورطة النظام الإيراني في مسألة الرد والأخذ بالثأر، ولا يرون الطريق ممهدا ومطروقاً بسهولة ويسر. فهم جميعًا عند التفكير بالثأر والإنتقام، يستذكرون بالتأكيد، كيف ان الولايات المتحدة استطاعت الوصول الى سليماني وقتله بمنتهى السلاسة، وربما ببعض الأريحية المتغطرسة، وكيف انها تمكنت من دك مواقع حزب الله العراقي في سوريا والعراق بدون أية صعوبات وألحقت بها خسائر فادحة في الأفراد والمعدات، وأنهم بذلك يدركون ويعرفون حق المعرفة ان يد الولايات المتحدة ستطالهم دون تردد وبسرعة، ان هم اقدموا على إيذائها، وأنهم بذلك ربما قد يعدون الى العشرة قبل ان يفكروا في مهاجمة المصالح الأمريكية المباشرة.

مما لا شك فيه ان ايران لديها بنكا من الأهداف، وبغض النظر عن إمكانية الرد من قبلها او حلفائها ، فإن عنصر المباغتة في عملية مطار بغداد الدولي ربما اربك حسابات المواجهة. كانت ايران على ما يبدو قد انتهت الى قناعة ثابتة ان ترامب رئيس مهزوز وانه لن يقدم على عمل عسكري بهذا الحجم، ولهذا ستضطر الآن الى مراجعة شاملة وأنها قد لا تستعيد جهوزيتها للرد في فترة وجيزة. اذا كان هناك رد فإنه ربما لا يكون قريبا لانها بحاجة الى مراجعة الأهداف الممكن مهاجمتها من حيث قياس رد الفعل المتوقع أولا قبل الوسائل العسكرية والأمنية اللازمة، فضلا على النقص الذي احدثه غياب سليماني نفسه. القائد الجديد الذي سيشرف على العمليات سيكون بحاجة الى مزيد من الوقت، وربما لن يرتقي اساسا الى فعالية وحسم وعزيمة سليماني.

مهما يكن من امر. عملية مطار بغداد الدولي وضعت المنطقة على على شفا حفرة نار الحرب. أسعار النفط ارتفعت ولا يتوقع الخبراء تراجعها قبل ان ينجلي غبار الموقف الايراني. العديد من خطوط الطيران أوقفت رحلاتها الى بغداد. بدأ اجلاء العاملين الأجانب من المشاريع النفطية العراقية. الدول، خصوصا امريكا، راحت تنصح رعاياها بمغادرة العراق او تجنب السفر اليه او التجول فيه بحرية. ظهرت خطط لإرسال المزيد من القوات الى المنطقة، الا ان ايران قد تفاجئ الجميع، اذا فعلت، وتبتعد عن الشرق الأوسط كله باعتبار ان أي تطور عسكري مهما كان صغيرًا قد يكون بمثابة صب الزيت على النار المشتعلة أصلًا، وتذهب الى الرد في امريكا اللاتينية مثلاً وربما في جنوب شرق اسيا وربما في افريقا، تلك المناطق التي لا تتميز بنفس حساسية الشرق الأوسط، وبالتالي يكون الرد مقبولا ولا يقدح شرارة الحرب الشاملة.