القسوة لدى صدام حسين “الانتفاضة الشعبانية…اذار ١٩٩١/ صفحة الغدر والخيانة”…٢
“أود أن أذكر هنا أن التعليمات الى المقاتلين طيلة وجودي في النجف هو أن يكون الرمي بكثافة على المخربين سواء كانوا نساء أو أطفال أو رجال وقتلهم”
من اجابة لعبد الحسن راهي فرعون عضو القيادة القطرية أمين سر مكتب تنظيم الفرات في محاكمته بتهمة التقصير في واجباته الحزبية أثناء الانتفاضة ١٩٩١.
انتفاضة النجف
دون كنعان مكية في كتابه ” القسوة والصمت” مقابلة مع ضابط من أهالي النجف شرح فيها تفاصيل الانتفاضة فيها “وصلت الأخبار بأن بعض الفتيان كانوا يخططون لتظاهرة ضد النظام في اليوم التالي وسط المدينة، في منطقة الميدان قرب السوق الكبير. في وقت متقدم من صباح اليوم التالي خرجت مستكشفاً لأرى ما كان يجري. أخبرني أثنان من الفتيان أن التظاهرة أرجئت الى الساعة ٢٣٠ من بعد ظهر اليوم التالي ( أي ٣ اذار). كان ذلك هو الوقت المقرر لتجمع الناس. لماذا أجلوا التظاهرة؟ كانت قوات الأمن قد علمت بالاستعدادات الجارية. كان الجميع على علم بالتظاهرة. حزنت كثيراً حين سمعت أن الموعد قد تأجل. وأكد ذلك قناعتي أن شيئاً لن يحدث في هذه المدينة. لكن حاجز الخوف كان يتداعى. كان بوسعك أن ترى ذلك في الشوارع. كيف ذلك؟ رأيت مثلاً سائق تاكسي يصرخ لاعناً صدام من نافذة سيارته. أمام حشد كبير من الناس بصق احدهم على صورة صدام. كان ذلك مذهلاً، غير أني بقيت غير واثق.
كانت الاشاعة تردد أن التظاهرة في النجف سوف تبدأ انطلاقاً من النفق في ساحة الميدان وتسير نحو الأتجاه المواجه للسوق الكبير وصحن المقام المقدس. كنت هناك في تمام الساعة ٢٬٣٠ بعيد ظهيرة الأحد في ٣ اذار متحدثاً مع صديق من بغداد، وهذا ما رأيت:
شبان تتراوح اعمارهم بين الخامسة عشرة والرابعة والعشرين، لا أكثر. في الواقع كان ينبغي أن أقول أن اعمار أكثر المحتشدين كانت تتراوح بين خمس عشرة والثماني عشرة سنة. شباب، قدموا مندفعين جماعة من الأزقة والشوارع الخلفية ، من عقد خانية من شارع الخورنق ومن شارع السدير الذي دمر جزئياً. بعض المجموعات قدمت عدواً من شارع الصادق ومن عقد عبد عبطان. كانوا جميعاً يندفعون راكضين من كل هذه الازقة الجانبية باتجاه الميدان.
كانت كل مجموعة تتألف من حوالي مئة شخص في أكثر تقدير يحملون جميعهم الهراوات والسيوف ( القامات). كان أثنان أو ثلاثة منهم يحملون مسدسات. أذكر أن احدهم كان من طراز وبلي. جميعهم يهتفون منشدين ” صدام شيل ايدك، شعب النجف مايريدك”. كما جعلوا يهتفون أيضاً ” ماكو ولي ألا علي، نريد حاكم جعفري”.
كان رجال الأمن على مقربة من الصحن. بدأوا يطلقون الرصاص في الهواء من السوق الكبير باتجاه الميدان. هكذا أظن اخرجوا من الصحن، حيث اعتقدوا أساساً أن التظاهرة ستتجه هناك. واول من قتل من رجال الأمن كان حزبياً يدعى راضي عبد الشهيد. اطلقت عليه النار بواسطة مسدس. في شارع الرسول قتل الضابط علي الحسين، كما قتل خمسة أو ستة متظاهرين.
غير أن توافد الشبان استمر. فجأة انعطفوا نحو شارعي زين العابدين والصادق، وهذا لم يكن يتوقعه رجال الأمن. من مئة تضخم العدد الى ألف. كانوا كلهم نجفيين، شباناً من عائلات مرموقة ثرية ومرفهة. كان آباوهم تجاراً ، صاغة، بائعي سجاد أو اصحاب معارض للسيارات وما يشبه ذلك. لم يكونوا من الموظفين الحكوميين. كان في مقدوري روية علامات السعادة مكتوبة في وجوههم.
اتجهت التظاهرة بعد ذلك نحو صحن المقام المقدس. كان يرابط هناك عدد كبير من رجال الأمن، آلاف منهم ألا أن معظمهم كان يراقب فقط منتظراً ما ستؤول اليه الأمور. توجه الشبان في هذا الحين باقدام ثابتة مباشرة نحو الصحن. عندما رأى رجال الأمن هذا لاذوا بالفرار. جرى عراك عند بوابة مدخل الصحن الرئيسية وقتل عدد من رجال الأمن. قتل العديد من الشبان عند البوابة. حين تمت لهم السيطرة على الصحن كان قد سقط منهم ما بين العشرين والثلاثين شاباً، وعدد من رجال الأمن. قرابة المغيب كان المقام وفناوه قد أصبح كلياً تحت سيطرة المنتفضين.
أنهم يدعونها الانتفاضة. لكني أوكد لك أن المسألة برمتها كانت تظاهرة عفوية. أن رفاق صدام مسؤولون عن تحويلها الى شيء أخر. ما أن انتهت معركة السيطرة على أقدس الجوامع الشيعية، حتى تحول اهتمام الثوار الى مبنى مركز قيادة الشرطة الرئيسي. هناك استمر القتال طوال الليل. كان شباب النجف يقصفون المبنى مستخدمين مدافع من عيار ٨٢ مل كانت خلفتها وحدات القدس التابعة للحرس الجمهوري. وحوالي الساعة الرابعة والنصف من صباح الأثنين ٤ اذار انهارت كل مقاومة الشرطة داخل المبنى، واندفعت حشود الثوار الى الداخل واحرقت الأوراق والملفات كلها. جرت محاولة لإيقاف التخريب، لكنها كانت عديمة الفائدة.
دمر كل شيء سجلات السيارات وصكوك الأملاك وملفات الشرطة ومحاظر الدعاوى القضائية.
هذه الرواية عن بداية الانتفاضة في النجف يوافق عليها مشاركون آخرون. انطلقت مجموعة واحدة من النجفيين الذكور ، وكان عددها حوالي الستين شاباً من الجنود السابقين أو الفارين من الجندية. كانوا كلهم من الأقارب أو الأصدقاء الحميمين ومن الحي نفسه. ازداد الستون واصبحوا ستمئة في غضون ساعات بعد اندلاع القتال حول الصحن. كانوا يتصرفون من دون أي مرجعية. اقتحمت كرة الثلج هذه ستة مراكز للشرطة وللبعثيين موقعة بهم عددا كبيراً من الأصابات. ويبدو أنهم قتلوا كل الذين قاوموهم ولم يعفوا ألا عن الجنود والشرطيين الذين استسلموا من غير قتال أو الذين اعلنوا تبديل ولائهم.”
وعن تتمة ماحصل في الانتفاضة في النجف بعد السيطرة على مديرية شرطة النجف ورد في “النجف.. نظرة إلى وقائع انتفاضة شعبان عام ١٤١١هـ” للدكتور وليد الحلي “استولت مجموعة اخرى على قوات الجيش الشعبي، التي كانت تستخدم المدارس كمواقع لها” …أحد المشاركين الاساسيين وصف المعركة التي استعرت طوال ساعتين حول مدرسة ثانوية كما وردت في كتاب كنعان مكية ” القسوة والصمت” ” لو كان في مقدورك أن تشاهد المنظر. واكد لك وأقسم بالقرآن أنه لم يجر شيء كهذا منذ أيام الثورة الأسلامية في ايران. كانوا يمطروننا بالرصاص. نفذت قنابلنا اليدوية وبدأنا نصرخ ” قناني البنزين! احضروا قناني البنزين!” حضرت لنا النسوة مزيج قنابل المولتوف داخل قنينات البيبسي كولا. وضعت خطة جماعية قيد العمل، وكانت النسوة يزغردن ويعتنين بالجرحى، وينقلوهم الى المجاورة. في نهاية الأمر اقتحمنا المكان، تسلقنا الجدران كالديدان، وهجمنا من كل حدب وصوب.”
ويستمر الدكتور الحلي في سرد وقائع انتفاضة النجف”ثم بدأت مراكز النظام تسقط الواحدة تلو الأخرى … وتجمع عدد من قوات الجيش والأمن والبعثيين في جامع الطوسي فهاجمهم الثوار وطردوهم من الجامع، وتمركزوا بعدها في الإدارة المحلية للنجف قرب كليه الفقه، وبعد معركة حامية تمكن الثوار من السيطرة عليها. وبعدها اخذت قوات النظام التجمع في المنطقة الواقعة بعد ساحة ثورة العشرين قرب مستشفى حي السعد باتجاه مديرية الأمن المقابلة لحي الاسكان. وبدأ الثوار بمحاصرتهم ولكنهم لم يهجموا عليهم مساءً، حيث اعدوا لهم العدة طيلة ليلة الاثنين، حتى إذا بزغ فجر يوم ١٧ شعبان/ ٤ آذار هجم الثوار على افراد السلطة المتحصنين ببناية غرفة التجارة والبنايات المجاورة لها، وبعد معركة شرسة وغير متكافئة بالأسلحة، تمكن الثوار من السيطرة على الأبنية الواحدة تلو الأخرى بداية ببناية غرفة تجارة النجف ثم الابنية المجاورة لها، وبعدها بناية حزب البعث الملاصقة لمحكمة النجف … وقبل أذان صلاة الظهر ليوم الاثنين، تمّ تحرير الأبنية من قوى النظام وتم اسر عدد منهم، وتكبدت السلطة عشرات القتلى والجرحى في هذه المعارك. وانطلقت مجموعة اخرى من محاصرة مديرية امن النجف، وتمكنوا بعد نصف ساعة من المقاومة من دخولها والسيطرة عليها، واطلق سراح المعتقلين المعارضين للسلطة فيها، وشوهدت آثار التعذيب والحرمان عليهم .. وحصل الثوار على وثائق واشرطة فديو تبيّن شراسة تعذيب النظام . وقامت مجموعة اخرى من الثوار بالاستيلاء على مبنى محافظة النجف … وعند حلول الساعة الثالثة من عصر يوم الاثنين ١٧ شعبان/ ٤ آذار، كانت كل مدينة النجف وضواحيها قد حررت من قبل الثوار. وبدأت مجاميع الثوار التنسيق فيما بينها لإدارة شؤون المدينة المحررة، ومطاردة الفارين من اجهزة الأمن وحزب البعث، الذين تمكن عدد منهم من تشكيل جيوب للنظام في داخل المدينة. ورفع الثوار الأعلام الخضراء فوق العمارات، واخذوا في بث الاعلانات والبيانات من مآذن ضريح الإمام علي (عليه السلام)، وعبر مآذن المساجد، وبدأت مجاميع مجاهدة على الفور بالسير نحو مدينة الكوفة فحرّروها واحكموا السيطرة عليها، وتمت السيطرة على مدينة الكفل، وخان النص، وابي صخير والمشخاب وبقية اقضية ونواحي محافظة النجف الأشرف …ومع بزوغ شمس يوم الثلاثاء ١٨ شعبان اصبحت محافظة النجف كلها تحت سيطرة الثوار. واستهدف الثوار في بداية عملهم اطلاق سراح المعتقلين السياسيين والمعذبين في سجون ومعتقلات النظام في النجف … وبعد البحث عن السجون، وجد سجن تحت مرقد الصحابي كميل بن زياد – تحت الأرض – في منطقة الحنانة بالنجف، ولم يستطع الثوار معرفة الطريق المؤدي لباب السجن، إلاَّ بعد ان احضر المهندس الذي يعرف بتفصيل بنائه … تبيّن ان باب الدخول إلى السجن يبعد عدّة مئات من الأمتار عنه … وبعدما فتح السجن، وجد مجموعة من السجناء شاحبة وجوههم ولحاهم طويلة كانوا لا يعرفون النهار من الليل ولا عمّا يجري في العراق والعالم … وكان احدهم يسأل عن الرئيس احمد حسن البكر، فقيل له انه نحي من السلطة من قبل صدام قبل اكثر من عشرة اعوام !! ووجدت سجون في بحر النجف، وسجون ومعتقلات للأمن في اكثر من عشرة مقرات للأمن في مناطق محافظة النجف.”
يبدو أن المنتفضين في النجف طلبوا رأي أو مساندة المرجع الخوئي فاصدرفتوى وبيان , الفتوى كانت ” بسم الله الرحمن الرحيم ابنائي العراقيين الأعزاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله على نعمه وآلائه والصلاة والسلام على أفضل أنبيائه محمد وعترته الأطهار. وبعد لاشك فى أن الحفاظ على بيضة الإسلام ومراعات مقدساته أمر واجب على كل مسلم وإنني بدوري إذ ادعو الله تبارك وتعالى أن يوفقكم لمافيه صلاح الأمة الإسلامية أهيب بكم أن تكونوا مثالا صالحا للقيم الإسلامية الرفيعة برعاية الأحكام الشرعية رعاية دقيقة في كل أعمالكم وجعل الله تبارك وتعالى نصب أعينكم في كل ما يصدر عنكم فعليكم الحفاظ على ممتلكات الناس وأموالهم وكذلك جميع المؤسسات العامة لأنها ملك الجميع والحرمات منها حرمات الجميع .
كما أهيب بكم بدفن جميع الجثث الملقاة في الشوارع ووفق الموازين الشرعية وعدم المثلة بأحد فإنها ليست من أخلاقنا الإسلامية وعدم التسرع فى اتخاذ القرارات الفردية غير المدروسة والتي تتنافى والأحكام الشرعية والمصالح العامه حفظكم الله ورعاكم ووفقكم لما يجب ويرضى إنه سميع مجيب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . الخوئي في /١٨/شعبان/١٤١١ـهـ”
أما البيان فكان ” بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربِّ العالمين وبه نستعين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وبعد، فان البلاد تمر هذه الايام بمرحلة عصيبة تحتاج فيها إلى حفظ النظام واستتباب الأمن والاستقرار والاشراف على الأمور العامة والشؤون الدينية والاجتماعية تحاشياً من خروج المصالح العام عن الإدارة الصحيحة إلى التسيّب والضياع. من اجل ذلك نجد ان المصلحة العامة للمجتمع تقتضي منّا تعيين لجنة عليا تقوم بالاشراف على ادارة شؤونه كلّها بحيث يمثل رأيها رأينا وما يصدر منها يصدر منّا.وقد اخترنا لذلك نخبة من اصحاب الفضيلة العلماء المذكورة اسماؤهم ادناه ممن نعتمد على كفاءتهم وحسن تدبيرهم فعلى ابنائنا المؤمنين اتباعهم واطاعتهم والانصياع إلى اوامرهم وارشادهم ومساعدتهم في انجاز هذه المهمة. نسأل الله عزّ وجل ان يوفقهم لاداء الخدمة العامة التي ترضيه سبحانه وتعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) انه ولي التوفيق وهو حسبنا ونعمة الوكيل. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ١- السيد محيي الدين الغريفي. ٢- السيد محمد رضا الموسوي الخلخالي. ٣- السيد جعفر بحر العلوم. ٤- السيد عز الدين بحر العلوم. ٥- السيد محمد رضا الخرسان. ٦- السيد محمد السبزواري.٧- الشيخ محمد رضا شبيب الساعدي. ٨- السيد محمد تقي الخوئي. النجف الأشرف في العشرين من شعبان المعظم سنة ١٤١١هـ . ملحوظة: تقرر اضافة السيد محمد صالح السيد عبد الرسول الخرسان إلى اللجنة المذكورة اعلاه في ٢١ شعبان ١٤١١هـ. توقيع: ابو القاسم الخوئي النجف الاشرف ٢١ شعبان ١٤١١هـ”.
عن ظروف تشكيل هذه اللجنة ودورها في الانتفاضة ورد في حديث الشيخ محمد رضا شبيب الساعدي وكان من أعضاء اللجنة آنفة الذكر وورد في سلسلة “القيادة الاسلامية في العراق” لعباس وعبدالهادي الزيدي”بعد أن انطلقت الانتفاضة في النجف أرسل السيد الخوئي الى مجموعة من العلماء والفضلاء كالسيد علاء بحر العلوم والسيد عز الدين بحر العلوم والسيد محمد رضا الخلخالي والسيد جعفر بحر العلوم وأنا والسيد محمد ابن السيد عبد الأعلى السبزواري وغيرهم. اجتمعنا في مكان خاص بالسيد الخوئي فقال لنا : أولادي أحب أن أحدِّثكم بحديث، أنتم كما ترون البلد دخلت فيه عناصر (من غير المنتفضين، من غير المجاهدين) بعض العناصر من السجناء وحصلت منهم اعتداءات (سرقات) على بعض المحلات، فصارت فوضى فلا بد أن نوقفها، فماذا ترون، نترك الأمر ونترك الناس تقاتل بعضها بعضاً، وتكون علينا لعنة الله والملائكة والتاريخ الى يوم يبعثون، أو نتحرك بالقدر الذي نستطيع؟، أما أنا فأصارحكم بكل صراحة، أنا عاجز وحتى صلاتي من جلوس، فإذا يسألني الله تعالى يوم القيامة عن هذا الموقف أقول له: إلهي، إن هؤلاء أثق بهم واخترتهم من أجل إصلاح البلد، لهذا اخترتكم وليس عندي غير هذا، والمسئولية أمام الله ألقيها على عواتقكم.فقسم استجاب، وقسم اعتذر ببعض الاعتذارات كالسيد علي البعاج والسيد محمد رضا الحكيم والسيد علاء بحر العلوم وغيرهم، ووافق الآخرون، فقال السيد الخوئي: يُكتب كتاب ويُنشر بالبلد حتى نستعد لتهدأة الوضع العام. فوافقنا ووقَّعْنا على ذلك، فأصبح السيد الخوئي بمثابة القيادة العامة وكلما استجد أمر راجعناه. ثم أرسل السيد الخوئي الى المحافظات بيانه الذي أصدره، كما أوعز الى كافة المحافظات المنتفضة باختيار أشخاص كفوءين لإدارة شؤونهم الاقتصادية والأمنية. أما في النجف فقد اخترنا عددا من الضباط فتم تعيينهم شبه قادة عسكريين (قسم منهم الآن خارج العراق وآخرون عادوا)، فكانت مهمتهم حفظ البلد والاشراف على توزيع الحصة التموينية وحفظ ومراقبة الأمن العام، وقام هؤلاء الضباط بتجنيد مجاميع من الشباب لمنع الفوضى وتنظيم توزيع الوقود وحراسة المصارف. وخلال تولينا مهمتنا حصلت بعض التصرفات العشوائية عندما اعتقل بعض منتسبي أمن النظام الذين كانوا يتهمون بقتل واعتقال بعض أبناء النجف، فحُبسوا في مدرسة الامام الحكيم وقام البعض بقتلهم من دون موافقتنا، وقد امتعض السيد الخوئي من ذلك وقال: إن هؤلاء لم تثبت إدانتهم، والمتهم برئ حتى تثبت إدانته. كما حصلت مشاكل ومضايقات عند محطات تعبئة الوقود بسبب التزاحم لشحته. كنا نجتمع تلك الأيام في منزل السيد الخوئي في حي (السعد) ولم تكن اجتماعاتنا ذات طابع رسمي وإنما كأخوان نتشاور فيما بيننا منذ الصباح وحتى الغروب. وكلما طرأ أمر تجتمع اللجنة وتقرر.الانتفاضة كانت مفاجأة لنا فلم نكن مستعدين لها، ولم تكن عندنا القوة الكافية (الأسلحة) أما الأسلحة التي كانت بيد المنتفضين فقد حصلوا عليها من الحامية العسكرية، كما عانينا من التعتيم الإعلامي الذي أضرَّ بنا كثيراً، وأنا أجزم لك أن ما كان يجري في كربلاء لا نعلم به في النجف، وما كان يجري في النجف لا تعلم به البصرة أو العمارة، ما عدا الرسل الذين كانوا يحملون وصايا منا أو من السيد الخوئي، وهذا لم يكن كافياً. أما على مستوى الاستعداد الفعلي فلم نكن كذلك لحدث الانتفاضة. السيد الخوئي بدوره وبصفته الأبوية لم يكن يحب أن ينفرد بالقرار فأرسل الى السيد السبزواري وبعض وجهاء النجف فأبلغهم بالموقف، وأننا إذا لم نستعد فإن النجف ستصبح في فوضى، فاستجاب السيد السبزواري وأصدر مرسوم (بيان) وتمَّ توزيعه، وكان الأشخاص الذين اختارهم هم نفس أعضاء اللجنة التي اختارها السيد الخوئي. جاءت مجاميع من محافظة كربلاء الى السيد الخوئي فخوَّلهم إدارة شؤون محافظتهم وأن يضعوا أيديهم على المصالح العامة. لم يكن عندنا أي تفكير للقيام بخطوات لتهيأة جيش للزحف الى بغداد، نعم كان هذا المستوى من التفكير يردده بعض الشباب المتحمسين لا أكثر.”
يتضح من الفتوى والبيان الذي أصدره الخوئي أنه لم يبين فيه موقفه من النظام ومن الانتفاضة ضد النظام ورئيسه حيث لم يرد ذكر له ولها في الأثنين. كما أن “اللجنة التي تشكلت لم يكن في تفكيرها توسيع الانتفاضة أو اتخاذ قرارات على الصعيد السياسي نظراً لغموض الموقف، فكانت اللجنة مجرد تسيير أعمال على صعيد الأمن والممتلكات وتوفير الحاجيات الضرورية لا أكثر ، ولم تكن هناك رؤية سياسية واضحة أو تخطيط مرحلي لما بعد الانتفاضة”.
على الأغلب أن موقف الخوئي من الانتفاضة والسلطة عكس أسس مدرسته الفقهية التي استندت على الأبتعاد عن السياسة وكانت على النقيض من مدرسة الأمام الخميني القائمة على ولاية الفقيه.
أما بالنسبة للسيد محمد الصدر فقد ذكرالسيد محمد اليعقوبي في كتابه ” الصدر الثاني كما أعرفه” ” أن السيد لم يكن معروفاً اجتماعياً أو حوزوياً بشكل واضح وان كان أسمه لم يغب عن ذهن الواعين وان غاب شخصه عقداً من الزمان” وذكر اليعقوبي ” ذهبت الى الصحن الشريف واطلعت على الوضع عن كثب فوجدت أن فرصة السيد في ممارسة دور قيادي بعيدة فقد كان الأتجاه العام نحو السيد الخوئي ولايمكن تجاوزه أو تحييده واصبح القرار فعلاً بيد مكتب السيد الخوئي وبالذات السيد محمد تقي الخوئي ومارس شيئاً من ذلك خلال أيام الانتفاضة واخبرت السيد بذلك وقلت له باختصار أن دور العلماء يتسم بالحذر الشديد بانتظار انجلاء الموقف”.
بالنسبة لرواية السلطة عن انتفاضة النجف فقد ورد في افادة رائد أمن النجف في المحكمة الخاصة بمحاكمة عبد الحسن راهي فرعون ,عضو القيادة القطرية أمين سر مكتب تنظيم الفرات,بتهمة التقصير في واجباته الحزبية أثناء الانتفاضة ” حدثت كتابات في شارع الأطباء ضد الحزب والثورة كما وردت معلومات للمديرية مفادها أن تظاهرة ستخرج في الساعة الثانية من يوم ٩١/٣/٢ تظاهرة معادية ألا أنها أجلت الى اليوم الثاني وهو يوم ٩١/٣/٣ علماً أن مجموع ضباط الأمن ومنتسبي الأمن لا يتعدى في حينه الثلاثون بين ضابط ومنتسب وتم التصدي في باب الصحن من قبل الأمن والشرطة والجهاز الحزبي المتواجد على أمل أن يتم القضاء عليها ألا أنهم لم يتمكنوا بسبب استشهاد أغلب منتسبي مديرية الأمن والاجهزة الأخرى.”.
وتعطي افادة مدير أمن النجف في نفس المحكمة تفاصيل أخرى عن الانتفاضة فيها حيث ذكر ” قبل وصول القتال الى الفرع كان القتال يدور قرب الحضرة حيث بداءت الأحداث واعمال الشغب في الساعة ٢ ظهراً من يوم ٩١/٣/٣ حيث انطلقت أعمال الشغب من المنطقة المحيطة بالصحن الحيدري وكانت المنطقة مطوقة من قبل منتسبي جهاز الأمن والشرطة وبعض الرفاق الحزبيين وقد حدثت مواجهات بين تلك الاجهزة والمخربين وراح ضحيتها كثير من الشهداء والجرحى من منتسبي جهاز الأمن حوالي ١١ شهيد. وبنفس الوقت حدث هجوم على مديرية الشرطة التي تقع على الطريق المودي الى الصحن وفرع الحزب والمحافظة ومديرية الأمن بقصد عزل القوة الموجودة قرب الصحن عن المقرات الأخرى المذكورة، ولكثرة التظاهرات حيث أصبحت قريبة من مديرية الأمن فأخذ مع منتسبيه بالدفاع عن مديرية الأمن، واستمر الحال الى اليوم الثاني حيث امتلك المخربين أسلحة وامدادات جديدة، وبعد ذلك سمع من شخص يجهل أسمه بأن المقرات العسكرية سلمت الى المخربين وان مديرية الشرطة أصبحت بيد المخربين أيضاً.
وفي هذا الأثناء شن هجوم كثيف من قبل المخربين على شعبة القائد صدام الذي كان فيها مقاتلين من محافظة بابل والذي تم سحبهم من قبل المتهم عضو القيادة السابق عبد الحسن راهي فرعون . واستمر الحال بالهجوم على مديرية الأمن حيث أخذت تقصف بالدبابات والهاونات التي استولى عليها المخربون وكان المتهم انذاك ومعه أمين سر الفرع والمحافظ والرفيق طه الحديثي ومدير أدارة المكتب واحد العاملين في ذاتية الفرع وشاهد دبابتين قد اتجهت نحو الفرع وكذلك مجموعة من السيارات التي تحمل المخربين وخروج تظاهرات كثيرة ولمعرفته بضعف القوة الموجودة داخل الفرع فقد أرسل أحد ضباط مديريته الى عضو القيادة السابق لغرض اخباره بالقدوم الى مقر مديريتنا لحمايته مع الرفاق آنفي الذكر أو الذهاب اليهم في الفرع ليكون الدفاع موجه من مكان واحد وليس من مكانين.
وارسل معه مفوض، وعاد المفوض واخبره بأن الرائد بقي مع المتهم عضو القيادة السابق ليشرح له الموقف ، كما أخبره المفوض بأن عضو القيادة السابق عد طلب منه بوجوب أنسحاب قوة الأمن الى الفرع. وعلى أثر ذلك تم اتخاذ الاجراءات الأمنية في مديرية الأمن حيث تم حرق المخابرات والامور السرية والعادية المتعلقة بالمديرية خوفاً من وقوعها بيد المخربين ومن ثم تأمين الطريق لانسحاب منتسبيها الى قيادة الفرع بناء على طلب المتهم وعند وصوله الى الفرع شاهد المتهم يجلس في أحدى الغرف المحصنة واستفسر المتهم منه فيما اذا سقطت شعبة القائد صدام أم لا، فاجبته بكلمة نعم سقطت وسقطت مديرية الشرطة أيضاً. فحدثت مدانشة وخرج وشاهد الوضع من نفس بناية الفرع وبعد أستطلاعه على الموقف شخصياً أمر بالانسحاب وفعلاً تم انسحابهم باتجاه الكوفة ومعهم المتهم وبعض الرفاق الحزبيين المتواجدين في الفرع واثناء ذلك اعترضتهم سيطرة للمخربين وتم آبادة السيطرة من قبل منتسبي الأمن عندها دخلوا الى طريق زراعي فرعي لغرض الأتجاه الى الحلة لعدم أمكانية الدخول الى الكوفة”.
وعن مقاتلي الجيش الشعبي الذين وصلوا من الحلة الى النجف ورد في افادة مدير عام في ديوان الرئاسة في المحكمة ” بعد أحداث الشغب طلب من أمين سر فرع بابل للحزب القائد ارسال قوة لمعالجة الموقف في محافظة النجف وطلب حضوره الى فرع النجف للحزب وقد تم أحضار ١١٧ رفيق وعند وصول المقاتلين ليلاً وكان يصحبهم رئيس أركان قيادة منطقة الفرات الأوسط للجيش الشعبي وعضو فرع بابل وفي صباح اليوم التالي تم زج القوة في المنطقة وطلب المتهم من رئيس الأركان أن تكون مهمته اصطحاب القوة وتطهير المنطقة ابتداء من مقر شعبة القائد الى ساحة ثورة العشرين والتوجه الى طريق أبي صخير. حجم الواجب لايتناسب مع حجم القوة ولم تكن
هناك خطة وضعت مما أدى الى الألتفاف على القوة من قبل المخربين ونتيجة لذلك تم استشهاد الكثير منهم واصابة الاخرين”.
أما عبد الحسن راهي فرعون فكانت اجابته في المحكمة الخاصة عن أنتفاضة النجف ” توجهت الى النجف يوم ١٩٩١/٣/٢ وفي الطريق اعلمني معاون مدير مخابرات المنطقة من أن المخربين قد سيطروا على مدينة النجف واصلت سيري ودخلت المدينة ثم قيادة الفرع فوجدت الرفاق وعدد قليل من المقاتلين لا يتعدى عشرون أو خمسة عشر مقاتل من مركز التدريب. ارسلت الرفاق الى بابل والمثنى وكربلاء والقادسية وقضاء أبي صخير لجلب مقاتلين واعلمت القيادة بالوضع ولم يصلني مقاتلين ألا مدينة الحلة ليلاً وفي الصباح ارسلتهم مع رئيس أركان المنطقة وضباط أمن قيادة المنطقة من ضمنهم أخي للقتال في مدينة النجف بعد أن رسمنا الخطة واستطاعوا في البداية التقدم وقتل قسم من المخربين لكنهم بعد أن استطاعوا المخربون الأستيلاء على الأسلحة من معسكرات الجيش والجيش الشعبي أنسحبوا قرب الشعبة ثم سيطر عليها المخربون بعد أن نكهت قواهم ووصلنا عدد منهم الى الفرع واعلمونا بالحالة. لم اتخذ قرار الأنسحاب من النجف ألا بعد أن حاولت لمدة يومين من القتال للسيطرة على الوضع ومحاولة الحصول على المقاتلين وبعد أن أيقنت من سقوط كافة المقرات والشرطة والامن وبعد أن استولى المخربون على الثلاث دبابات التي ارسلت لمساعدتنا واخذوا يضربون المقرات بها وبعد أن أخبرني مدير الأمن أن مديريته قد سقطت وهي آخر مقر لنا. ثم وصلت تظاهرة من الكوفة للمخربين وتم ضربها من قبلنا ثم مظاهرة وصلت من النجف قرب فندق النجف أو قرب مقر الجيش الشعبي -الشعبة الطلابية. ونصبوا سيطرات في الشوارع المحيطة بالفرع ومن اسطح المنازل حيث كنا نطلق النار عليهم من الصباح الباكر وانسحبنا في الساعة الثالثة ألا ثلث من عصر يوم ٣/٣ بعد أن اشبكنا وتخلصنا من القوة المعادية المحيطة بالفرع.
واود أن أذكر هنا أن التعليمات الى المقاتلين طيلة وجودي في النجف هو أن يكون الرمي بكثافة على المخربين سواء كانوا نساء أو أطفال أو رجال وقتلهم.”
وكان عبد الحسن راهي فرعون قد رفع الى صدام حسين رسالة بتأريخ ١٩٩١/٣/٢٩ ذكر فيها “عدد الذين استشهدوا أثناء القتال معنا في مدينة النجف بتأريخ ٣-٤ /١٩٩١/٣
١. أعضاء قيادة فرع: ٢
٢. أعضاء قيادة شعبة: ١٣
٣. أعضاء قيادة فرقة: ٢٥
٤. أعضاء مرشحين: ٣٧
٥. أنصار ومؤيدون : ٨ واعداد من الجرحى والمفقودين.”
وورد في تقرير لعضو قيادة فرع الأمن القومي بتأريخ ١٩٩١/٣/١٨ ذكر لاسماء الذين قادوا “الغوغائيين” في النجف الأشرف كان منهم طالب في كلية طب الكوفة، مدير مستشفى النجف، ضابط أمن في النجف وشيوعي هارب.
بالنسبة الى الانتفاضة خارج مدينة النجف فقد ورد في تقرير رئيسة شعبة غماس الى صدام حسين
“بدأت المعارضة في محافظة النجف وامتدت الى المناطق المجاورة مثل ” الكفل والعباسيات والكوفة وقضاء المناذرة والحيرة والمشخاب والشامية والمهناوية وغماس” في يوم ١٩٩١/٣/٣ ، بدأت المعارضة في غماس بقيادة ناصر حسين العليلي الهارب من الخدمة العسكرية لمدة ١٢ سنة والمتخفي بين عشيرة العليلي في غماس مع مجموعة من الهاربين. ولكن تصدت لهم قيادة الحزب في غماس وفروا هاربين أمام الناس، وفي يوم ١٩٩١/٣/٥ جاءت لهم المساعدة من النجف والمشخاب وجاءت المظاهرة بشكل وحشي وبشع ويحملون الأسلحة مثل الفأس والحربة والسيف والمكوار والبنادق والرشاشات والرمانات والقاذفات ويرددون كلمة الله أكبر الجهاد، الجهاد وهتافات أخرى مثلاً ماكو ولي ألا علي ونريد حاكم جعفري. ثم بدأ الهجوم بحرق وسلب كافة الدوائر الرسمية والمنظمات الحزبية والجماهيرية ومهاجمة مخازن الحبوب والتمور والمطاحن وتبعثر المواد الغذائية في الشوارع وكذلك البنزين والنفط. ثم بدأ بعد ذلك الهجوم على بيوت الرفاق. ”
انتفاضة الحلة
في مقابلة مع جريدة الصباح بتأريخ ٢٠١٣/٣/١٣ سرد السيد زيد جواد حسن وتوت أحداث الانتفاضة في الحلة “شهد يوم الأثنين الموافق الثالث من شهر اذار من ذلك العام وعند الساعة الواحدة من بعد الظهر انطلاق الشرارة الأولى للانتفاضة من خلال مجموعة من الشباب كانوا يتخذون من بيت السيد جواد حسن وتوت في حي نادر مقراً لهم، انطلقت المجموعة المؤلفة من سبعة أفراد من البيت المذكور باتجاه تقاطع المشتل الذي كان مليئاً بالاجهزة الأمنية من قوات طوارى وقوات جيش شعبي وعناصر أمنية،
انضم اليهم في الطريق الكثير من المواطنين الناقمين على النظام . ويقول السيد وتوت، كنا وقتها نهتف باسقاط رأس السلطة وسرعان ما تعرضنا الى طلق ناري كثيف من مختلف الأسلحة وسقط بيننا عدد من الشهداء، لكننا تمكنا من هزيمة القوة الموجودة في المنطقة من خلال سبع بنادق سبق وان جلبتها من وحدتي العسكرية، كوني كنت ضابطاً برتبة رائد . سبق انطلاق المجموعة توزيع قصاصات ورق قبل يوم من أنطلاقها على عدد مناطق مختلفة في مدينة الحلة مثل الجامعين والجديدة وشارع أربعين وباب المشهد.
وفي اليوم الثاني دخلنا في معركة شرسة مع فوج مغاوير كان تابعاً للفرقة الرابعة عند منطقة جسر الهنود وانتصرنا في تلك المعركة وتمكنا من الحصول على أسلحة كبيرة خفيفة وثقيلة ، استخدمت في المعارك التي شهدتها المدينة.”
وعن المعركة مع فوج المغاوير ورد في كتاب “الانتفاضة الشعبانية في الحلة ” لعبد الرضا عوض ” بعد أن استقرت سرية المغاوير التابعة للواء التاسع والعشرين- الفرقة الرابعة في مدرسة الأمام الصادق قرب جسر الهنود وكانت قد قدمت في نفس اليوم من الموصل، أراد المنتفضون أن يعملوا مكيدة تقلل من عزيمة أفراد اللواء القتالية، فتبرع أحد الصبيان الذي لا يزيد عمره آنذاك على ثلاث عشرة سنة وهو أحمد كاظم حبيب وتوت في تشغيل وسحب أحدى سيارات الايفا وكانت محملة بمدفعين وصناديق عتاد مختلف. نجح في تشغيل السيارة وقادها وفتحت النيران عليها ولم تقف السيارة ألا بعد أن ارتطمت في جدار مسكن وفي موضع آمن . أنزل الجميع المدفعين ونصب احدهما باتجاه مدرسة الصادق حيث قوة المغاوير، وتمكن زيد وتوت ومجموعة من الذين معه من استهداف المدرسة بصاروخين. أحدث هذا رعباً وانهياراً في صفوف أفراد السرية وبعد اشتباك بمختلف الأسلحة أعلنوا الأستسلام وكان عددهم يزيد على اربعمئة جندي. أطلق سراح البعض منهم واقتيد اخرون الى معتقل استحدثه الثوار فجأة.”
” ثم توجه المنتفضون لتحرير سجن الحلة. بدأت المعركة الساعة التاسعة والنصف ليلاً يوم ٣ اذار . وقد اتخذت أدارة السجن تدبيرات أستحكامية تعوق فتح الباب الرئيس وذلك بوضع شاحنة خلفه مما جعل فتحه من الخارج غير ممكن.
فالتف المنتفضون من جهة مهلة الجديدة واستخدام أحدى الدور المجاورة للسجن. فتسلقوا سطح الدار وتمكنوا من أحداث فتحة في أحد الجدران بواسطة قذيفة RBG7 ، وبعد أحداث الفتحة تمكنت مجموعة من السجناء من الخروج وقامت تلك المجموعة بفتح الباب الرئيس الذي خرج منه السجناء كافة وهم محملون بامتعتهم ويقدر عددهم ب ١٢٠٠ سجين وكان المعول عليه من هذه العملية هو اصطفاف السجناء مع الانتفاضة لكن هذا لم يحدث. تمكن المنتفضون من الأستيلاء على مبنى المحافظة والقائممقامية وامن البلدة يوم ٤ اذار .”
“لم تقتصر الانتفاضة على مدينة الحلة، اذ لحقتها مدن وقرى كثيرة مثل الكفل والقاسم والشوملي، والمدحتية ومن ثم الطليعة وهي مدينة تقع أقصى جنوب المحافظة باتجاه محافظة الديوانية”.
في الوقت الذي كانت فيه الانتفاضة تشتعل في الصوب الكبير من الحلة فلقد كان عبد الحسن راهي فرعون جانب السلطة في صوبها الصغير بعد وصوله لها بعد انسحابه من النجف.
حيث ورد في افادة أحد البعثيين في المحكمة الخاصة بمحاكمة عبد الحسن “مساء يوم ١٩٩١/٣/٥ وفي حدود الساعة السابعة مساء أبلغ الرفيق طه ياسين رمضان نائب رئيس الجمهورية الرفيق عبد الحسن راهي فرعون ” غدا سأتوجه لتحرير مدينة النجف وسوف يبقى في الحلة لواء من الفرقة الرابعة وفوج من أفواج الحرس الخاص وعليك يا رفيق عبد الحسن أن تلتقي بالفرع المسؤولين بالمحافظة وبآمر اللواء وآمر فرج الحرس الخاص وتضع خطة للسيطرة على المدينة والبدء بتفتيش مناطقها منطقة بعد أخرى وان يتم تفتيش كل بيت في كل منطقة. وقد أبلغ الرفيق طه ياسين رمضان نائب رئيس الجمهورية هذا الأمر في مقر شعبة نبوخذنصر في مدينة الحلة ( ولم يبادر بعقد هذا الأجتماع).”
وكان قد ورد في تقرير اللجنة التحقيقية مع عبد الحسن راهي فرعون
” لم يعمل بتوجيهات السيد نائب رئيس الجمهورية الرفيق طه ياسين رمضان عند لقاءه بالحلة حول وضع خطة للمواجهة والمحافظة على الأمن رغم تأكيد الرفاق عليه باهمية ذلك بعد مغادرة السيد نائب رئيس الجمهورية الى مكان آخر.”
وورد في افادة عبد الحسن راهي فرعون في المحكمة الخاصة
“بعد قصفها وبقاء لواء ١٢٠ مقاتل فيها وفوج لا أعرف عدده ( أو وحدة عسكرية صغيرة) وحسب الخطط مع الرفيق طه ياسين وعند اجتماعي صباحاً مع الرفيق مسوول الحلة ومع آمر اللواء العسكري بعد أن كان بيتي في مقر المكتب ( اذ أخبرت الرفيق طه ياسين رمضان ليلاً بسقوط كربلاء). وضعنا الخطة حسب الأتفاق لتفتيش الصوب الكبير فأخبرني الرفيق علي السعدون مسؤول الفرع وكذلك آمر اللواء أن المخربين سيطروا على الصوب الكبير بعد خروج الفرقة العسكرية ولا تستطيع دخوله الان فاتخذنا خطة بوضع فوج حراسات لحماية جسر حمورابي ومنع المخربين من عبوره وزج مقاتلي اللواء باتجاه جسر الهنود لصد هجمات المخربين الذين اخذوا يصلون من الطريق السياحي بأتجاه الفرع. وصلني آمر الفوج وهو جريح واخبرني أن المخربين عبروا جسر حمورابي واستولوا على القوة الموجودة ثم في حوالي الساعة الحادية عشر والنصف تقريبا وصلني أمر اللواء واخبرني أن المخربين قد استولوا على منطقته في الصوب الصغير قرب الفرع ولم يستطع اخلاء الجرحى والشهداء.
وان المواضع الموجودة بعيدة عنه ليس فيها اتصال وهي مطوقة من قبل المخربين وكان الرفيق علي السعدون موجود عندي. أصبح الراي بعد شرح الموقف أن يخلص هو المواضع وان نفتح نحن الطريق حيث أصبح العدو خلفنا وان نقف خارج المدينة وذهبت الى بغداد وقدمت رسالة الى الرفيق سكرتير السيد الرئيس بالحالة ثم التحقت مع القوة التي وصلت الحلة.”
أما عن هوية من شارك في انتفاضة محافظة بابل فقد ورد في تقرير أخباري من أحد المواطنين بتأريخ ١٩٩١/٣/٢٠
ذكر فيه أسماء ٢٠ من “الغوغائيين” في ناحية المدحتية في محافظة بابل ” أردت أن أسرد اسمائهم لكي يتسنى للحزب التعرف عليهم ومن ثم انزال القصاص العادل بهم وانه على أتم الأستعداد للأشتراك في القبض عليهم. وفي نفس التقرير ذكر ملاحظة أن عددهم يصل الى ١٥٠ مخرب وسلاحهم هو بنادق وكلاشنكوف، قاذفات، رباعية واحدة، واحادية واحدة” والكل كانوا من سكنة المنطقة.وكذلك كتب نصير متقدم بتأريخ ١٩٩١/٣/١٧ من القاعدة الثالثة قاطع سعد الثاني أسماء عناصر “مخربة” من منطقته في محافظة بابل ناحية القاسم ولديه أدلة ما تثبت اشتراك تلك العناصر بالتخريب.”
كان رد قيادة الفرع ” التحقيق مع المذكور أعلاه من قبل الجهات الأمنية لأنه كان من ضمنهم” وتم أحالة التقرير الى وزارة الداخلية ومديرية الأمن العامة.
الانتفاضة في واسط
يبدو أن الانتفاضة في محافظة واسط كانت قصيرة ربما استمرت يوم أو أقل فقد ورد في جريدة الصباح الصادرة في يوم ٢٠١٤/٣/٢٩ لقاء مع أحد قادة الانتفاضة الشعبانية في واسط سلام حسين ابراهيم حيث قال ” ان الانتفاضة الشعبانية التي انطلقت واخمدت في اليوم نفسه . منوها انني وبرفقة اشقائي ووالدي ووالدتي تمكنا من اشعال فتيل ثورة الانتفاضة الشعبانية في مدينة الكوت بعد ان اعلن الجيش العراقي انسحابه من دولة الكويت منكسرا جراء خوضه معركة غير متكافئة تكنولوجيا، مشيرا الى انني واخوتي قمنا بتشجيع الشباب للخروج من منازلهم والمشاركة في الانتفاضة، فيما كانت والدتي تطلق الزغاريد وتزف البشرى بانتصار الشعب على الطاغية وبزوغ فجر الحرية، إذ لبى شباب المنظمة تلك الدعوات والتحقوا بركب الثوار.
واضاف اننا لم نقم باعمال دموية كما هي اعمال البعثيين وازلام النظام الصدامي، لكننا قمنا بتجريد البعثيين من اسلحتهم واهانتهم كلاميا ليكونوا عبرة لغيرهم، مشيرا الى ان الثورة لم تستمر الا ليوم واحد بعد ان فرضت قوات الجيش العراقي طوقا امنيا على مشارف المدينة الشمالية وتوجيه الصواريخ والقاذفات صوب المدينة،الامر الذي دعا شباب الانتفاضة للخروج من المدينة خوفا على الاهالي من تهور تلك القوات.”
وورد في نفس الصحيفة ” فقدت اغلب العوائل اولادها لمشاركتهم في الانتفاضة الشعبانية التي اندلعت واخمدت في اليوم نفسه فضلا عن تشريد مئات العوائل، فيما تشير الاحصائيات التي اعدتها احدى منظمات المجتمع المدني بان حصيلة شهدائها اكثر من ١٥٠ شابا وشابة وتم اعتقال اكثر من ٢٠٠ شخص وتهديم العشرات من المنازل”.
وكما ذكرنا سابقاً فقد ورد في كتاب “المنازلة الكبرى وقائدها ” لحميد سعيد، عبدالجبار محسن وعبد الأمير معلة ” على رواية الفريق الركن علاء الدين الجنابي جاءت الأشارة الاولى من مدينة الحي، عن طريق أمر قاعدة أبي عبيدة في الكوت، حيث جرى تسلل من قبل مجموعة أيرانية مسلحة قادمة من اهوار ميسان واتجهت نحو مدينة الكوت، والتحق بها بعض الهاربين من الخدمة وفلول حزب الدعوة، وبدأوا بالرمي على مقر الشعبة الحزبية البعثية في مدينة النعمانية والمقرات الأدارية فيها، وقد أصدر آمر قاعدة أبي عبيدة أمراً بتسليح منتسبي القاعدة وسد جميع النوافذ تحسباً لأي طارىء ومنع خروج ودخول الأشخاص للقاعدة، والتنسيق مع كتيبة الانذار والسيطرة السادسة ومع كتيبة مقاومة الطائرات الموجودة لحمايتها حدث هذا في الساعة الثامنة وثماني دقائق من صباح يوم ١٩٩١/٣/١ وقد عرضت هذه المعلومات على انظار السيد الرئيس القائد العام للقوات المسلحة في الساعة التاسعة وخمس وخمسين دقيقة في صباح اليوم نفسه.”وورد في موضع أخر من الكتاب ” في الساعة السادسة والنصف من مساء يوم ١٩٩١/٣/٢ عرضت معلومات أمام السيد الرئيس جاءتنا من الخلية الجوية في الكوت تفيد بأنه في الخامسة وخمس واربعين دقيقة من المساء نفسه ، تمت السيطرة من جانب قواتنا بشكل تام على مدينة الحي وطرد العناصر المخربة منها وعودة الأدارات اليها. ولم تكمل عملية تطهير منطقة شرق الحي ومنطقة البشائر ولم يسمح لقوة قاعدة أبو عبيدة بالتوجه الى منطقة شرق الحي ألا صباح اليوم التالي لتطهير المنطقة المذكورة
https://saddamscruelty.blogspot.com/
.”