مع بدايات حرب الثمانينات العراقية الايرانية ، وتصاعد حالة الرعب والهلع وانقطاع الطاقة والظلام والتقشف والتجنيد المليوني للقتال وخيار قصف المدن بين الجانبين ، ومع امواج الشهداء التي بدات تطرق البيوتَ لاعلى موعد ، ظهر نجم أحمد راضي وعدد من النجوم الشباب في منتخب العراق لكرة القدم ، كانوا زهوراً تجوب الملاعب وتمثلُ معادلا لكسر مرارة ذلك الموت والياس ، نجوما شباباً يصنعون الفرح والامل في ساحات الملاعب كتعويض للهزيمة النفسية التي شعر بها شباب العراق المساقون الى حرب عبثية طاحنة ، قاد احمد راضي في تلك الفترة بحداثة عمره وتفوقه وجمال طلته هذا الفريق الشاب الذي تعلق بنتائجه المبهرة اليائسون من الدنيا ،الخائفون من الموت وهو يلاحق الناس ويملا الساحات ويهدد الحياة البشرية بكل فعالياتها وصورها، حتى وصل العراق وللمرة الاولى مونديال كأس العالم في اوج تصاعد الحرب وبعد ست سنوات من اندلاعها وهو ماشكل معادلا نفسيا لشباب العراق أمام شعورهم بالضياع ، صفقنا كالمجانين لهدف العراق الوحيد في تاريخ كاس العالم حين سجله أحمد راضي أمام الفريق البلجيكي عام 1986 وكأنه ثأرٌ معنوي لكل الالام التي سببتها تلك السنوات المرة الحقيرة . ورغم ذلك لم يكن أحمد راضي وزملاؤه محسودين على ذلك التالق ونحن نتابع اخبار العقوبات التي يتلقونها بقسوة من ادارة الرعب التي تقود الرياضة انذاك ،من تهديد وحلق رؤوس وايذاء جسدي ليس خافيا على الجميع.
لهذا يمكن اعتبار تاريخ أحمد راضي الرياضي كله موازيا لماساة الشعب العراقي نكبة نكبة ونظاماً نظاماً وحرباً حربااًحتى احتلال العراق وماتبعَهُ من أزمات ودمار وإرهاب وفساد وضياع كالذي نعيشه اليوم . ظل معها الرياضي الشاب خارج الملاعب مثلما كان في ميادينها ، مخلصا للرياضة ودوداً عراقياً كاملاً ، ونموذجاً للفتى المهذب والرجل الحيوي النظيف ليتحول الى رمز شعبي لاكثر من جيل على وفق ذلك.
ورغم نأي احمد راضي باسرته الصغيرة الى خارج العراق ، لكن قدره أن يكون بين العراقيين الذين كان شاهدا على جميع مآسيهم ، ليذهب ضحية الاخيرة منها وسط دهشتهم وارتباكهم وعدم تصديقهم، وكأنهم للمرة الاولى يسمعون بوجود وباء قاتل ويعترفون بجديته ، نعم وفاة احمد راضي جعلت الجميع يعترف بخطورة كورونا رغم انه اخذ ارواح الكثير من المشاهير والنجوم والمواطنين الاعتياديين بل حتى اطباء معالجين منهم قبله ، لكن صورة احمد الاسطورية في اذهان العراقيين لجيلين منهم على اقل تقدير جعل الامر هكذا ، ليوجه أحمد راضي الفقيد النادر العزيز اقوى انذار للناس جميعاً بان حياتكم في خطر ، وان دوركم مطلوب في التصدي لهذا الخطر ، لكن هذا الانذار كان ثمنُه غالياً جدا هذه المرة ، انه حياته ، حياته وهو في قمة حيويته وعطائه وخبرته .. ليكون بذلك قربانا لشعبه الذي اسعده في زمن الحرب ، وحذّره بهذه الطريقة الماساوية في زمن الجائحة.