18 ديسمبر، 2024 6:55 م

القرار .. صراع ام توافق بين العقل والقلب ؟

القرار .. صراع ام توافق بين العقل والقلب ؟

جملة من الافعال يمارسها الانسان ومنذ بدء التكوين ، يمارسها دون تفكير تارة ، وتارة اخرى بعد تمعن وتبصر ، هذه الافعال او الممارسات يقوم بها الفرد كجزء من دورته الحياتية ، اي بمعنى ان حياة الانسان هي عبارة عن مجموعة من الاحداث المعتمدة على قيام الشخص المعني بمجموعة من الفعاليات الارادية وغير الارادية ، تشكل بمجملها بعد سنوات عدة مسيرة هذه الحياة.
وكما تعودنا في موضوعات سابقة التخصص في مناقشة أي منها لعدم تشتت وحدة الموضوع وجوهر الرسالة التي نرغب بإيصالها الى جمهور القراء ، فإننا سنخوض بالفعاليات الارادية مستثنين اللاارادية والتي ترتبط بسر التكوين وارادة الله جل وعلا.
اذن ترتبط الفعاليات او الممارسات الارادية للانسان عادة بالعقل او القلب ، سواء تعلق الموضوع بالالتزام الديني او العمل او الصحة او الزواج والحب ، وكذلك التعلم والتثقيف الذاتي او العلاقات الانسانية مع الآخرين ، الى آخره من الامثلة التي في الاغلب لا نقوم بها الا بعد تفكير او قرار استراتيجي نتخذه مسبقا ثم تكون هذه الفعاليات جزءا لا يتجزأ من دورة حياتنا ومسيرتها.
التفكير المسبق لما يعرف بالقرار النهائي المتخذ حول موضوع ما يعتمد على عاملين اساسيين لا ثالث لهما ، أحدهما يمثل الاحداثيات والتداعيات والجوانب الايجابية والسلبية وجميع ما يتعلق بتلك التفاصيل ، وهذا هو العقل ، أما الآخر فيمثل الجانب الحسي او المعنوي او ما يطلق عليه البعض الروحي ، وهذا هو القلب.
السؤال الذي يتبادر لأي شخص عند الاطلاع على مثل تلك التفاصيل ، هل يمكن لنا الاستغناء عن العامل الاول او العامل الثاني وبالاخص عند تناقض القرار الخاص بشيء ما ؟
الجواب وبكل بساطة كلا ، لا يمكن لنا ان نتخطى او نتجاوز او نهمل أيا من السمات المتعلقة بالعامل الاول او الثاني ، ولسبب بسيط مفاده ان الله تعالى خلقهما مكملين لاحدهما الآخر فعندما خاطب الباري تباركت قدرته الانسان لسمات تتعلق بالعقل ، فإنه كان يخاطب العقل ، وحينما كان يخاطب السمات المتعلقة بالقلب ، فإنه كان يخاطب القلب ، فالميزات التي يتمتع بها الاول لا توجد لدى الثاني والعكس مطابق تماما.
نحن اذن وبموجب ما سبق من معطيات وامثلة امام ارادة وتفكير بشقين وبجانبين ووجهين مختلفين تماما ، غير انهما مكملان لبعضهما ، ومن الخطأ ان نفرز بين احد وآخر فنقول القرار العقلي هو الافضل او ننحاز الى القلب تاركين الاول ، فالاجدر بنا معرفة خصائص النعمتين والاستعانة بهما بموجب ما اعطاهما الله تعالى من سمات لمساعدتنا في قضايا لا يمكن التعامل معها الا من خلال هذه النعمة.
هنا يتبادر سؤال آخر الى أذهان القارئ الكريم ، كيف يمكن تعزيز هاتين القدرتين ، وكيف يمكن اندثارهما كون تأثيرهما نسبيا وليس ثابتا من انسان لآخر؟ هذا السؤال يعد من اهم الاسئلة او الملاحظات التي تطرح في هذا الموضوع ، كون تلك القدرات عالية عند احدهم ، بينما هي شبه معدومة لدى آخر ، ولعل محور حديثنا اليوم وخلاصته تتجسد في ايضاح ذلك وتبيينه للقارئ الكريم.
ان تعزيز فاعلية هذين العاملين يعتمد بشكل اساس على الانسان ذاته من خلال الاعتماد عليهما وعدم اهمالهما لان الاخير سيضعف القدرات الخارقة التي خلقت ووجدت فيهما ، وبالتالي فإن هذا الاعتماد لا بد ان يخضع بدوره لمعرفة مسبقة في وظائف الاثنين وعدم الخلط فيهما ، لان هذا الخلط سيخلق فجوة في اتخاذ القرارات ، ما ينتج عنه تضاربا عرف مجتمعيا والموصوف لدى الغالبية بقرار القلب او قرار العقل وما يترتب من أقاويل تتعلق بضعف هذا القرار او ذاك.
ما ترتب من ايضاح رأيناه ضرورة هامة لا تقل عن الفحوى لمعرفة قدرات النعمتين اللتين وهبهما الله تعالى للانسان ، غير ان ضرب بعض الامثلة ربما من شأنها استكمال فكرة الفحوى.
فالامثلة على ذلك ليست بالقليلة او المختصرة ، غير ان ذكر ابرزها يوضح الاقل شأنا منها ، فالقدرة الحسية التي مركزها القلب تعد من اهم النعم التي خلقها الله تعالى للانسان ، وهي تكون حاسمة احيانا في حسم قرارات تبنى ادراكيا لدى العقل ومنها فيما يتعلق بالعلاقة بين انسان وآخر او في الإقدام على الزواج والارتباط ، كما ان عدم الارتياح للتعامل الوظيفي او الاقدام على مشروع تجاري او مالي ، فضلاً عن أمور مماثلة أخرى تعد ذروة الانسجام والاندماج العقلي القلبي في اتخاذ قرار ما وهذا ما نراه الامثل في نجاح ذلك القرار ، بينما الفرز بين الاثنين سيكون مقدمة لفشل ذلك القرار مع التذكير بعد إعمامنا لذلك وخصوصية بعض القرارات ، إلا أننا نتكلم بالاعم الاشمل وما فيه صالح الانسان والانسانية جمعاء ، والله من وراء القصد.