23 ديسمبر، 2024 8:02 ص

القرار السياسي وتأثيره على المصالح الاقتصادية العامة

القرار السياسي وتأثيره على المصالح الاقتصادية العامة

هل نواجه ازمة سياسية؟ ام ازمة اقتصادية ام ازمة سيولة؟
في الادبيات الاقتصادية يكون اي بلد امام تحدي المشكلة الاقتصادية وهي (الندرة النسبية للموارد الاقتصادية)، الموارد الاقتصادية في العراق يمكن ان تُستثمر ونحل جزء كبير من مشكلة الندرة، اذاً المشكلة هي كيفية ادارة واتخاذ القرارت؟يعاني الاقتصاد العراقي من ثلاث مشاكل مترابطة تبدأ بالعامل السياسي الذي لو كُتب له النجاح من قبل المسؤول في اتخاذ قراره بكفاءة لتمكن من حل المشكلتين تباعاً (وهما مشكلة نقص السيولة المالية والمشكلة الاقتصادية المتمثلة بتعطيل او نقص الموارد الداخلة في العملية الانتاجية المحلية وتوقف شبه تام للهياكل الاقتصادية بأستثناء القطاع النفطي).
العامل السياسي من اهم العوامل المؤثرة، لأنه من يقود الاقتصاد اليوم، وليس العكس، والذي عمق المشكلة الاقتصادية، ولهذا العامل تأثير سلبي اذا كان لمصلحة سياسية حزبية او فردية، اما اذا كان لمصلحة سياسية عامة اي لمصلحة البلد، بالتأكيد سيكون اثره على تقليل التوتر السياسي وبالتالي سيقلل من التوقعات السلبية للمستثمرين الاجانب والمحليين، وسيسهم بوجود مناخ اقتصادي ملائم… 
لكن المشكلة اليوم ان الاحزاب تعمل لمصالحها! وينبغي ان نقدم المصلحة الاقتصادية على المصلحة السياسية الفردية، والتجربة الغربية اليوم تُقدم المصلحة السياسية العامة لبلد ما، لتنتج مناخ اقتصادي ملائم وبالتالي تأثير ايجابي على الاقتصاد القومي، او تقدم المصلحة الاقتصادية القومية لأي قرار سياسي يتخذ حتى تتبنى مفاهيم اقتصادية ذات عائد اقتصادي واجتماعي وسياسي لبلدانهم، وهو عكس مانراه في التجربة العراقية السياسية التي تُقدم المصالح الفردية السياسية في اتخاذ القرار على المصالح السياسية العامة.وبعد ان تم ايضاح عملية اتخاذ القرار السياسي ولمصلحة من يصب هذا عائد هذا القرار، من المنطقي ان نواجه مشكلة اقتصادية ومشكلة نقص السيولة، لان هذا السياسي يتخذ قرارات الانفاق على اساس نزعة فردية نابعة من تحقيق المصالح الخاصة، فعندما نرى صرف المليارات على “المصالحات الوطنية”  وتوزيع قطع الاراضي والهبات المالية والعينية والزيادات الكبيرة في الرواتب الغير مبررة ،واعطاء العقود الوهمية لشركات شريكة مع المسؤولين، واعطاء فرصة لتسجيل شركات الصيرفة والمصارف للدخول في مزادات العملة (احد اذرع عملية غسيل الاموال) التي خفضت الاحتياطيات النقدية دون الستون مليار دولار بعد ان كانت نحو ثمانون مليار دولار، وكذلك صرف مبالغ خيالية على ايفادات المسؤولين، وتعيين الدرجات الخاصة لأتباع هذا الحزب او ذاك، فضلاً عن تعيين اولاد المسؤولين في السفارات العراقية في الدول الاجنبية….الخ، (مع قرب كل انتخابات، وهذا ما تفسره احدى نظريات زيادت الانفاق العام لـبيكوك – ايزمن).
كل هذا يسبب نقص في السيولة وبالتالي يؤدي الى حدوث ازمة اقتصادية، نتيجة نقص الادخار العام وحدوث فجوة مابين الموارد المحلية وعجز ميزان المدفوعات “نموذج الفجوتين”.
المشكلة بعدم وجود ترشيد للأنفاق العام من قبل متخذ القرار، ويصنف الاقتصاديين هذا النوع المتخلف من القيادات من ذلك النوع الذي يفكر فقط في الانفاق الاستهلاكي دائما بشكل متزايد مقارنة بالايرادات العامة المنخفضة من جهة والاستثمارات المنتجة التي تقل نسبتها من التخصيصات المالية من جهة اخرى، وينصب تفكير هذا السياسي بحدود قصيرة الاجل بتوجيه هذا الانفاق نحو الاستهلاك البذخي! لذلك نرى في كل سنة مالية عجزاً كبيرا في الموازنة العامة يستحوذ الاستهلاك العام الجزء الاكبر منه، فضلاً عن تبذير الموارد المالية بزيادة وظائف القطاع العام غير المنتجة، ودائما ما يُطلق عليها “بطالة مقنعة”.

كل هذه الاسباب جراء القرارات السياسية الخاطئة ادت الى نمو عجز الموازنة العامة والذي ادى بدوره الى زيادة حجم المديونية الخارجية، وصارت نسبة مدفوعات الديون في كل سنة مالية تخصيصات كبيرة “اطفاء الديون” الذي يستهلكه الجيل الحالي، ويدفع ثمنه الجيل المستقبلي!
علاوة على ذلك تمسك شركات ومصارف السياسيين للمشاريع الكبيرة واخذ نسب وكوميشينات كبيرة جداً، بيد ان هذه الاساليب والاستحواذ السياسي الافتراسي على الاقتصاد العراقي سيلقي اثره على اغلب المشاريع الحكومية بصورة اختلال الهياكل الانتاجية وحدوث الازمات المالية والنقدية فضلاً عن النتيجة المنطقية لذلك كله بروز الازمات الاقتصادية.
الوضع الحالي لايبشر بخير، مع ان اغلب الاقتصاديين يؤكدون على ان العراق يواجه مشكلة سيولة وليس مشكلة اقتصادية، ويؤكدون في جانب اخر، على حدوث ازمة اقتصادية اذا مابقي وعي السياسي بأتخاذ القرار لصالح مكاسبه، او للمصالح الاقليمية او الدولية منها حتى، ويبقى المتضرر الوحيد من هذا كله هو المواطن البسيط الذي لايجد قوت يومه.