17 أبريل، 2024 9:28 ص
Search
Close this search box.

القراءة في الزمن المجموعة الشعرية لقاسم محمد مجيد حياة قاحلة

Facebook
Twitter
LinkedIn

قد تواجه القصيدة الحديثة في بنائها الخارجي تحديات كبيرة وكثيرة لانها امتداد لإستبطان عوالم الشاعر الداخلية ومقصلته التي يجدها دائما بين حروفه وهو في حضرتها ينزف شعرا وإبداعا لترى ما قدرته على انجاب نص يتلائم مع تلك الانفعالات وهذا البعد الخلاق في انثيالات الطاقة الشعرية والمقدر توظيفها على نحو يشد المتلقي بتوهجاتها .

ان القصيدة المعاصرة هي التزام ذاتي ومبنى عمودي يتفاعل مع كونيات الوجود ومعرفة أكثر الطرق والدراية في خلق مديات كبيرة تشع بالتفاعل في معادلة غير متكافئة يخلق منها الشاعر طرقا وهدايتها الى الوجود الحق المنشود بأسلوبية تخترق ذهنية المتلقي , وافقي ــ ذاتي باحث عن الأنا في غور كبير يسمى النفس الانسانية وتقسيماتها , وهذا كله يحدث في البناء اولا وفي العقل الذي ينتج ذلك التدفق في الإيحاءات اللغوية ومخزونها التراكمي , وهي خلاصة مدركات الشاعر ورؤيته لهذا العالم .

ونحن فبالنا مجموعة شعرية للشاعر العراقي قاسم محمد مجيد الموسومة بـ ( حياة قاحلة ) والمكونة من ثلاثين نصا , قد بين الشاعر فيها الكثير من المفاهيم الحياتية برؤية عصرية ولغة مكثفة لإظهار المجموعة وهي تتناول جوانب اجتماعية ونفسية تتفاعل مع الواقع الذي يرفضه الشاعر وبيان لما آلت اليه الأمور في ظل منظومة الوجود المتغيرة , وما حل بوطنه الذي خسر الكثير وما زال يخسر . فكانت الإيحائية حاضرة في نصوصه تتجلى من معالم الصورة الشعرية والبيانية ومن خلال سياقات نبضية وانفعالات منتجة مستوحاة من ضمير الشارع , فتراها قريبة الى سبر الاغوار .

ارتأينا ان نتحدث عن معالم نصوصه عن طريق جزيئية سنتعرض اليها ألا وهي الزمن لغرض التعريف بها في هذه المجموعة , وكما يلي :

1 ــ زمنية البوح والإضمار : ليس هنالك من شاعر يغفل عنصر الزمن في كتاباته , فهو المحرك للإحداث والباني لدرامية النص , اذ لا نص بلا زمن ، ففي عتبة النص الاول يستجلي المتلقي تلك الزمنية المفتوحة ( الوقت يلبس قميص مهرج ) ويتساءل ( المتلقي ) اي وقت هذا ؟ ليجيب بأكثر من اجابة , لا شك انه الزمن الذي حول الامنيات الى حلم ابعد مما كان عليه فانطلقت رؤى جديدة ورُكِنَ كل شيء ليستحضر الجديد من المضمر بحزن تلك النغمات ، كما في نصه الاول ( الوقت يلبس قميص مهرج )// عندما تتقدم الدبابات // نسمع أنات الريح // في مفترق الطرق // وعازف ناي // يطلق النغمات من بين اصابعه الباردة // لكنه سرعان ما يعود ليؤكد بتكرار خفي وزمنية معلنة انه فقد ارادته // في الايام التي لا تمسك بها الذاكرة // احس ان يدا وهمية // تكتب // على اللوح // آخر أمسيات النسيان //

2 ــ رمزية الزمن : في النص الثاني ترى الزمن هو عنصر المفاجأ , يدور بين فلكين , احدهما ساكن وهو خارج ارادة الشاعر من حيث تعطيل الديناميكة لخلق معطيات جديدة , غير محتكم به وفي المجموعة الكثير منه , والثاني تلك الفترة الضيقة التي لا تساوي في الحسابات اي معول , ودلالته القرار, نقرأ ذلك في هذا النص ( انه صندوق فارغ ) // العالم اقفل ابوابه بوجهه // وان الزمن // بقي له قصير // ويمضي سريعا

3ــ التوليفة الزمنية : يختزل الشاعر زمنه التوليفي واقصد جانب التشوق بذكريات وتراكمات متشابه وكأن الزمن في توليفته لا يتحرك وحضوره لا يشكل سوى استذكار المزيد من رسم الصور المؤلمة التي لا تتفاعل في تغيير واقعها وبقيت ذكريات حاضرة , ففي نص للشاعر قاسم محمد مجيد ( عباءة أمي ) ترى تلك المظاهر // تنام بين كدس من الاوراق // شهادته المدرسية // كلما يقرأها // يسمع دقات جرس المدرسة // وصفعات معلمة درس الدين // ودائما // من اعلى بنايات الذاكرة // اسقط // بمظلة لم تفتح //…

4 ــ السياقية الزمنية : إن صراع الاستكشاف ,والأبداع والقصيدة المعاصرة تحي للشاعر وسباق به يحدث الشاعر كل افكاره وينحت اكثر في وعورة الطريق المتشظي في كل مرافق ابداعها , وسياقتها المتعددة الاطلاق بشتى المفاهيم , وحينما يتوجه الشاعر بالزمن عليه ان يجد له مخرجا واعيا ويعرف كيف يتحم بناصيته الخطيرة , لانه يتكيف مع اداة

تخلق من النص كل مقومات الابداعية وتسلسل احداثه , وقاسم محمد مجيد كان حذرا في توظيف تلك المفردة في نشاطه الشعري حينما اراد ان يجعل من الزمنية خطابا ومفهوما لصلطته الجامحة بعد الترويض كما حصل مع نصه ( إعلان عن قلم أحمر شفاه ) الذي جعل الاضمار خير وسيلة للترويض وترك مساحة للمتلقي ليجد ضالته في التأمل والسياحة / كل شيء هاديء / حتى تنفس …. النهر الواهن / وهو يتأرجح… بين يدي الشاطيء / ويكرر الجملة الشعرية (كل شيء هاديء) اربع مرات وهو من الظواهر الأسلوبية اللافتة في الشعر على ماتقدم نجد أن للتكرار دوراً دلالياً كبيراً في عملية البناء الفني للقصيدة ؛ حيث يوظفه الشاعر لدواعٍ نفسية وفنية ذات كثافة إيحائية عالية في التعبير والدلالة المتجددة

5 ــ التناص في الزمن : قد يتوهم البعض بان التناص هو من السرقات , وهذا ايهام توضح بطلانه مسيرة الادب الانساني , والقلة من اشاع مفهوم السرقة ان النصوص تلد بعلاقات لغوية , ترادفية , صورية….قائمة على التفاعل مع بعضها , لها طابع ايحائي وايقاع متشابه في النفس مختلف في الشاعرية , بمعنى آخر أنك تقرأ نصا ادبيا فتتربع على سنام المفردات التي تنهال على الذاكرة الشعرية لتنتج وتبدع وهكذا الاقتباس والتضمين, واسماء الاشخاص, والاماكن والاساطير والمدلولات اللغوية وغير اللغوية, في نصوص الشاعر قاسم محمد مجيد تقنية عالية من الالتزام في الكتابة , ينفتح على عوالم اخرى ليؤكد ان البوح لا يقف عند منطقة شعرية وانما يتجول على مساحة النص فهو حينما يُضمنُ في نصوصه يجعل له مخرجا عن طريق التناص الخاص به ليجعل وجه المقارنة قبالة المتلقي نوع من الاستفهام بين زمنين في مكان واحد , غائب مستحضر وحاضر غائب وايجاد دلالات جديدة تضاف الى النص لتقويته كما في ( جواب الحطاب بلا ألقاب ) حيث التضمين // أدفعاً لأشتباه العشب صنع القدماء للثيران اجنحة // وفي تضمين آخر يقول الشاعر : // جنود من تنك //

6 ــ الأزمنة الضائعة : يتجسد هذا الكلام في تحويل الزمن الى مادة فعلية لها مدركات حسية على ارض الواقع وتتحول الى حياة في مكان آخر , فالشاعر لا يقصد من الزمن مكوناته بل فعله الوجودي والتجسيد صورة من صور الاستعارة البلاغية التي تتوافر في هذا النص (أمام نافذة ) على نحو بَينٍ كقوله : // لم يعد عراقيا منذ زمن // هكذا قال لي // صديقي المهاجر // لقد أحسست بضالتنا // حين …جاءت الحرب من وراء المحيط // والعالم الهمجي …..يترنح في رزنامة أيامه //

7 ــ القطافية الزمنية : للزمن حضور دائم في الكونيات وله بداية ونهاية , الا ان في لغة الشاعر له مفاهيم مفصلية لا نجدها في البناء الصيروري له , لانه يكون منتج فكري جديد تتداخل فيه اللانمطية والاستحالة الى زمنيات متعددة جديدة ومنها يبني الشاعر قاسم محمد مجيد نصه الأتي ( أخي الشهيد ) بأدق الدلالة من الدال الآتي // ولا نحصل // إلا شريط اسود // معلق على صورة //

8 ــ المجانية الزمنية : يفهم من المجانية انها اللازمنية ، بمعنى ان الزمنية في النص الشعري المعاصر لا يستوعبها زمن مطلق معين بذاته لانه ( النص ) يتركب من دلالات متغيرة تبعا لاحداثه ، وتكون القصيدة برمتها ذات دلالة مفتوحة وان كانت بتراكيب لها دلالة خاصة عند الشاعر ، يمكن أن تفهم على مستويات عدة , فمنها تساؤلية بمقدار الحصر الخاص في الحدث المعلن وهو الامر الملحوظ في كل من النصوص الاتية ( الى جابر محمد جابر) حيث يقول : // صديقي // لم أحاط بنا // ليل يبدو ابديا /والنص ( اليوم الثاني في الغربة ) يقول الشاعر : اليوم الذي مر// لم يغرز انيابه فينا // فيتساءل الشاعر // اصدقائي الذين اتذكرهم الآن // ما مصيرهم بدوني // ويقول في النص نفسه : // لكن اليوم الذي مر غريبا // ولا سحب تشبه قاربا // ونوارس تطير فوق حافة الجرف // أو صحبة في شارع الكتب // اليوم الذي مر // يتمايل في وجه شقائي // يريد ان يخبرني شيء // وفي نص آخر ( تذكرة ) // ثمة ليل في رأسي // لم يعد فيه وقت للسلم // يقول الشاعر قاسم محمد مجيد في نص آخر ( بقلم رصاص ) // حبيبه عمره // حين التقيا بعد سنين // لم تكن سوى/ سنبلة مغروسة // في قلب مهجور // وفي نص (حياة قاحلة) الذي هو عتبة المجموعة ، لم يقل الشاعر حياتي قاحلة ليتجنب الاطلاق المنافي للمجانية وانما ترك المفهوم دلالة متعددة // الريح تلاعب طائراتنا الورقية // والخيوط تشتمنا // في الشتاء الذي هيج البحر // كي يفتح سحاب فمه // ويدخل في سراويل الايام //

9 ــ الادعاء في التعددية : إن قاسم محمد مجيد رسم لنا التعددية بمنهاج جديد فجعل من مفصليها الساكن والمتحرك( الليل والنهار ) اخيلة من الدلالات يتصورها أي قاريء حين يدخل في الزمنين دلالة واحدة وقلب الذات الى منظومة زمنية كلها ، وبه يبدأ الشاعر يمارس تأثيرا على نفسية المتلقي ، بهدف إثارة كوامن وعمق التصورات البشرية واظهار استبطانها // سأدعي // إن لا اوقات فراغ لدي …. تصلح للحب // وأن لا منحة قادمة // ثم يقول : // وان نهاراتنا …. حية // ويقول : // بل //استعد// لجولة اخرى// في الزمن الذي يمر// مثل// عانس قلقة// على السرير وحيدة // .

النص الشعري عموما هو حركة مستمرة في الانتاج وهذه الحركة لها مداخل مخارج وتنوعات ومركز تجدد يتمثل في وضع التراكيب موضعها الصحيح فوجدنا ان للحركة وهي الزمن قد تواجدت في تكثيف الافعال سيما الفعل المستقبلي والحالي الذي يطغي على بقية الأفعال لانه مركز الزمن في بنية اللغة الذي يحدد مسارات النص وكونه في السلم التسلسلي قد حصل بعضه او كليته , او لم يحصل كقراءة غير فعلية تعتمد بياناتها على الشاعر ذاته ومدى قدرته على التحليل لقوة الفعل , وكما نلحظه في النصوص الاتية أ ــ صديقي القلق : // دائما نسير معا // ويبدأ خط وهمي بالتصاعد // وفي النص نفسه // وتنشر على تخوم الخواء // شراعك // وتترك // فراغات خطرة // ويقول في النص نفسه // // تغفو نصف اغفاءة //ب ــ علي حسون لعيبي : الليلة // قلبي // يخفق بقوة // مثل قارع طبل // يهز رأسه مع كل ضربة // وفي النص نفس // والسماء تصير بحجم الكف //

ج ــ عشرة في عشرة : // ومن مخزن الحاجيات القديمة // تنطلق أول رحلة // لأن الغبار يملأ البلاد //

د ــ صورة للظلام : // ظن ان الحرب انتهت ! // ولا تجوال بعد // في ظلام بارد // ولا يتحدث بالترهات للهواء // تحت صنوبرة هرمة // او يقلب من البوم // صورا //

ان قاسم محمد مجيد وضع في مجموعته القيمة الزمنية بلغات مختلفة منها ما هو ( حزين صامت ) لا قيمة لاستنطاقه ومنه الكثير كما في قصيدة ( أبي ) حيث يقول // وحين الزمن // صمت بغتة // حاولت ان استكشف خارطة الوقت // مثل اعمى تطرق عصاه // والنص الموسوم ( لا … وقت للندم ) // ان الارض واقفة على قرن ثور // وفي نص ( برقية ) نقرأ // زمن الرسائل الشفوية // أو الانتظار لنظرة // ونص ( صديقي البردي )// زمني الواقف كتمثال روماني منحوت في جدار // حمل اسمال الروح // في سكرة اللون الواحد // وفي نص له (ليس ثمة ) يقول // كم من السنين اضعت في هذا التيه ! //

ومنها ما هو ( حزين متحرك ) لا دلالة له , والذي نجده في نصه الموسوم (عدنان الفضلي ) // أيتها الحياة // لكن ! //صوتك أقرب // الى الحزن الذي يتعذر نفيه // وفي نص آخر له إسمه ( متى نتكلم عن موتانا ) يقول // منذ // صرنا خارجين .. من ذاكرة الله // والوقت // ليس تعاقب الايام // بل دوران أبله // أما في النص ( من سيرة عام السبي ) // هنا //اين ؟ //في مكان ما في البلاد ! // حدث في موسم تنزيلات الصيف // حين صار الناس // // المحشورين في الجبال // كبضاعة مكدسة في المخازن //

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب