كثيراً ما أجد العديد الشباب، يشكون ضعف العزيمة في مواصلة قراءة الكتب حتى نهايتها.
يحدث أن يبدأ أحدهم الكتاب بحماسة متقدة، وعناية فائقة، فينقل الفوائد إلى دفاتره الخاصة، ويغوص في المعاني كمن يكتشف كنزاً دفيناً.
ولكن ما إن يبلغ منتصف الكتاب، حتى تخبو جذوة الحماسة، ويستعجل في القراءة، ويقلّ ما يدوّنه من فوائد، وربما أعرض عن إتمامه، أو انتقل إلى غيره، وهكذا دواليك.
فما الموقف السليم إزاء هذا السلوك؟ وهل ينبغي لنا أن نقرأ كل كتاب نقتنيه، من الغلاف إلى الغلاف؟
ليس في الأمر جوابٌ قاطع، إذ يتفاوت الحكم باختلاف طبيعة الكتاب ومقصد القارئ منه. فالرواية، على سبيل المثال، لا تُستكمل فائدتها إلا بقراءة فصولها جميعاً، إذ لا يُدرك مغزاها إلا من سار في دروبها حتى منتهاها.
أما من اقتنى كتاباً لأجل فصلٍ بعينه، يتصل بموضوع يشغله، فله أن يكتفي بما أراد، دون أن يُلزم نفسه بقراءة ما لا حاجة له فيه.
ومن البديهي أن الموسوعات والمعاجم والمراجع الضخمة
لا تُشترى لتُقرأ حرفاً حرفاً، بل لتكون مرجعاً يُرجع إليه عند الحاجة.
غير أن الذي لا يُغتفر، هو أن يهجر المرء القراءة لأن الملل تسلل إلى نفسه، أو لأن كتاباً آخر أغراه، فصرفه عن سابقه.
فمثل هذا التذبذب يُضعف ملكة التركيز، ويُشتت الذهن، ويُفقد القارئ لذة الإنجاز.
إنّ القراءة ليست دائماً متعة سائغة، فالنفس تميل إلى الدعة، وتأنف من المشقة، لكن حين نُدرك أن طلب العلم سبيلٌ لا يُستغنى عنه، وأن المعرفة المتجددة ضرورة لاستمرار نمونا العقلي، فإننا سنُقبل على القراءة بطيب نفس، ونتعلم مجاهدة الهوى، وتحمل العناء، ونُدرك أن في كل صفحة نطويها، خطوة نحو النضج، ونقلة في سلم الفهم.