23 ديسمبر، 2024 1:11 ص

القراءة النقدية وانكفائها الإجرائي البحثوي

القراءة النقدية وانكفائها الإجرائي البحثوي

قراءة في ( منازع التجريب السردي في روايات جهاد مجيد)لنادية هناوي
أن فعالية التكليف و إعادة التقويم في قراءة النصوص يجب

أن يخضع لعملية مفهومية جدا إذ أنها تحتاج من رؤية

الباحث و ادواته المنهجية ثمة أسس تكوينية و بنائية

تستند في مراجعاتها الى مجال منفتح موضوعيا في مساحات

الدليل البحثوي المشتغل في معرفية ذلك الجنس من الأسلوب

الأدبي . من خلال قراءتنا لكتاب ( منازع التجريب السردي

في روايات جهاد مجيد ) للباحثة الدكتورة نادية هناوي

لاحظنا من خلال رؤية مباحثها بأن هناك مرتكزات غير

دقيقة في فعالية قراءة و تعريف المدروس الأبداعي في جل

مراحل سياقيته الأسلوبية و البنائية وصولا بالباحثة الى

مرحلة عدم إقرارها في الكشف الجاد عن موضوعية و أطر

مفهومية منازع التجريب في حاظنة إجرائية سليمة في معاينة

روايات الكاتب جهاد مجيد و في الشكل الذي يوفر لها ثمة

استقرائية منهجية في مركز مباحثها المحورية العامة .

( إشكالية الدليل في القصدية الإجرائية )

و في عتبة مقدمة كتاب ( منازع التجريب السردي في

روايات جهاد مجيد) عاينا بأن الباحثة هناوي تقدم لوحدة

مباحثها هذه الصورة المقدماتية حول فكرة و مفهوم و

سياق مرحلية التجريب في النص الروائي : ( لم يكن

التجريب عند الروائيين العرب مرتهنا بأجيل قصصية

معينة ولا منحسرا بحدود ما أو أسماء بعينها أو بمرحلة

أو مراحل بل ظل حاضرا في هذه الاحتمالات جميعها

ضمن المسار الطويل نسبيا للكتابة السردية العربية

الحديثة / وقد بهر التجريب في النص الروائي كتابا كثيرين

منهم الكاتب جهاد مجيد الذي وقف في مصاف أولئك الذين

أستهواهم الصوغ التجريب فأعملوا ادواتهم وشحذوا

امكاناتهم بغية كسر طوق التقليد وأنتهاك ثوابته وخرق

مسلماته و الأكثر من ذلك التمكن من تحديه و النجاح في

مغالبته فنيا و موضوعيا / و على الرغم من أن المنجز

الروائي لجهاد مجيد يعد قليلا بالقياس الى منجز بعض

مجايليه من الروائيين العراقيين إلا أن الأبتكار الفني

الذي برع فيه جعل منجزه كبيرا بنوعيته لا بعدديته

و متفردا بغرائبيته لا بمألوفيته ) من الواضح أن الباحثة

نادية هناوي لا تقصد في دراستها لعوالم رواية جهاد مجيد

شيئا واضح الكنية تحديدا . فهي مرة تتحدث عن منازع

التجريب في الرواية في شكلها العام و دون تحديد ماهية

تجربة التجريب في نسق رواية جهاد مجيد و مرة ثانية

تتحدث حول الغرائبية في روايات الكاتب . ربما تعتقد

الباحثة بأن الغرائبية و اللامألوف هي خصوصيات معيارية

تجريبية في حقيقة المنزع الاسلوبي التجريبي تحديدا . ففي

تمظهرات الفصل الأول الذي جاء تحت عنوان ( ما وراء

السرد في رواية حكايات دومة الجندل ) تواجهنا ثمة طرحية

تنظيرية حول سمات ( الميتاــ سرد أو الميتا رواية ) أو موت

الرواية أو اللارواية حيث تقول الباحثة في فقرة البدء : (هي

المنحى التجريبي ما بعد حداثي الذي يمكنه أن يضفي على

النسيج القصصي لمحات تجديدية عبر الانفلات من قيود

الصياغة الروائية التقليدية سعيا نحو فضاء ذي لغة فاعلة

ديالكتيكية متحركة تنتج خطابا توصيليا يموه الواقع و

يؤسطره ) أن مجالات اداة مبحثية هناوي ذات طبيعة

توسعية خاصة في تناول وظائفية النشاط التصوري الكامن

في مرفقات المظهر المبحثي فهي نراها ــ أي الباحثة ــ

تتواصل في شروحها الى أشكال المتواصل بالتمثيلات

الإضافية التي يقدمها الخطاب المنهجي لديها عبر أطر

أنبثاقية ناتجة من فائقية حدود معرفة حساسية ذلك المنجز

و ما يترتب عليه من جملة تحولات جوهرية . و بذات

الفصل نقرأ مبحث تحت عنوان ( عوالم الميتاسرد ) حيث

تقوم الباحثة في كشف سياقية عوالم روايات جهاد مجيد

و كيفية اهتمامه بذلك النمط من التجريب السردي منذ

السبعينيات : ( أولى الروائي جهاد مجيد الكتابة

الميتاسردية اهتماما واضحا وكان واعيا لهذا النمط من

التجريب سواء أكان ذلك في قصصه أم في رواياته و منها

حكايات دومة الجندل / وهو ينطلق في روايته من عالمين

أحدهما متخيل فنتازي يستمد مادته الروائية من مرويات

شفاهية و وثائق و مخطوطات مدونة و الآخر تراثي

يستمد مادته من مرجعيات مقتبسة من وقائع و أحداث

تاريخية ) انطلاقا مما قرأناه في مباحث الفصل الأول

من كتاب الباحثة هناوي لاحظنا بأن المجهود المبحثي

لدى رؤية الباحثة راح ينصب في مستويات التأطيرية

الواعية التي تهتم في الجانب الأقتراحي أكثر من أهتمامها

الى رقعة الخطاب الإجرائي لروايات جهاد مجيد . فهي

ببساطة تتعامل مع مصدريات و موارد علاقات الراوي

بما يروي و علاقته بما يرى ، فتقيم ألتحاما بذلك بين

مستويين منفصلين في الخطاب الإجرائي ، مما جعل

الصورة لدينا تتضح بأن تركيزية اداة الباحثة منصبة تحديدا

في جانب أصول المرجعية و السياقية لروايات الكاتب

حصرا . و الحال يطرح نفسه في مباحث أخرى فرعية من

دراسة روايات جهاد مجيد كمبحث ( المدينة مكانا زمنيا)

غير أن القارىء لفضاء إجرائية هذا المبحث لربما لا

يعثر على أتجاهية جادة في ممكنات العملية الإجرائية .

إذ تبدو ملامح الأحاطة التقويمية أشبه بعملية المرور العفوي

بذكر تفاصيل مدلولية لا تمثل دليلا متقدما في ذاتها كفكرة

قرائية جديدة إلا من حدود مقاربات بديهية كثيرا ما مر علينا

ذكرها في مراجعات مفهوم بنية المكان السردي في الرواية

العربية .أما ما جاء في الفصل الثاني ( اختلاف الشخصية

و تغايرها في رواية الهشيم ) و ما جاء في الفصل الثالث

( انموذج المثقف و تعدد الضمائر في رواية تحت سماء

داكنة ) و تبعا لكل ما مر بنا من أفكار المباحث الفصولية و

الفرعية من دراسة الباحثة نادية هناوي أضحى واضحا

لدينا بأن مستويات رؤية الباحثة في دراسة عوالم روايات

جهاد مجيد كانت تنصب في مباحثها حول فكرة منازع

التجريب السردي و نستطيع أن نتبين من وراء هذا المحور

الحداثوي بأن مرجعية الباحثة كانت تجتهد في موضوعية

المسعى الوظائفي النظري في دراسة زمن و مكان و حالات

النصوص . إذ أننا لاحظنا في الموقف نفسه وهن اداتها

الإجرائية في تقديم حقيقة المقاطع و المشاهد التي قامت

بالأستشهاد بها كصورة تطبيقية حاصلة عن نتيجة دراسة

أحوال النص المنقود .

( تعليق القراءة )

في الواقع أن الخلاصة التي خرجت بها مباحث فصول

الباحثة تمثل حضورا مغمورا من الناحية الأمكانية

كأستاذة جامعية متمرسة في ألقاء المحاضرات التعليمية

في قاعة الدرس . غير انها كدراسة نقدية لم توفر لوعي

القارىء سوى المزيد من تراكمية الجزء الأكبر من الدليل

النظري في دراسة روايات جهاد مجيد . و أذا انتقلنا الى

منجز الباحثة في حقيقة طموحه النقدي فما علينا سوى

القول بأن كتابها منازع التجريب السردي ما هو إلا علامة

أكاديمية متقدمة في الرؤية و الأسلوب و المنهج و الأستنتاج

النظري . غير أنه في الوقت نفسه لم يوفر لذاته ثمة سحرية

خاصة في جوهر مواقعه الإجرائية وفي مواطن صور و

حالات التجريب في روايات الكاتب بشكل تطبيقي سليم .

و في الختام أود القول الشخصي للباحثة نادية هناوي

أن اسلوبية التجريب ليست حصرا في روايات جهاد مجيد

يل أن كل ما ذكرتيه في أفكار مباحث كتابك هو متواجد في

عوالم كل نص روائي و قصصي حداثوي لدى أدب الشباب.

و بأختصار شديد فأن عوالم نصوص جهاد مجيد ليست سوى

كتابات في مواقع تنأى عنها روح الدراسة النقدية و

مغامرة التعاطي معها كمحطة بحثوية ما .